01-12-2018 09:12 AM
بقلم : المهندس غيث القضاة
أتساءل في كل صباح لماذا يتم توجيه سهام الغضب بهذا الشكل وبهذه الطريقة لحكومة الرزاز ولشخصه ؟ من هي الجهة المستفيدة من ذلك ، ولماذا يتم تحميل الرجل وزر عشرات السنوات العجاف المليئة بالفساد والشللية والمحسوبية واللصوصية ؟ ولماذا يتدافع العشرات من المُنظرين السياسيين وبالمناسبة بعضهم كان رئيسا للوزراء أو وزيرا أو عينا أو نائبا أو صانع قرار سياسي واقتصادي على مر عقود طويلة ، لماذا يتدافعون لإعطاء رئيس الحكومة الحالي دروسا في العفة والنزاهة ودروسا في كيفية قيادة البلد و الخروج من الازمة ؟ في الوقت الذي كانت فتراتهم زاخرة بل و مليئة بالفساد والتنفع والمحسوبية وغير ذلك من تدمير اقتصاد البلد بصورة ممنهجة وبقوانين مُفصلة كانت تخدم شخوصهم أحيانا أو قطاعا معينا يخصهم أو أشخاصا بعينهم من المقربين وأصحاب الحظوة ! مما جعل الناس يفقدون الثقة في حكوماتهم المختلفة وطريقة إدارة الدولة،أين كانت أفكارهم العظيمة وتصوراتهم الفخمة وتأثيرهم الإبداعي حينها!وأين كانت خططهم وبرامجهم وابداعاتهم ؟
سألني أحد الأصدقاء ،ماذا نريد مرحليا أكثر من ذلك ؟ لدينا رئيس وزراء جاء على وقع مظاهرات شعبية واسعة ترفض الفساد وترفض قانون الضريبة ويتمتع بشخصية وبطرح فكري يتقدم بكثير على من كان قبله ! وهو شخص معروف بنزاهته وعدم تورطه في قضايا فساد كما حال الكثير من أصحاب السلطة لدينا ، ُرئيس لديه ملامح مشروع وبوادر إيجابية لمحاربة الفساد ،وبث الروح الإيجابية داخل المجتمع ،ماذا نريد اذن ! هل نريد حكومة جديدة بوجوه جديدة ! فلا يوجد في قاموس السياسة الأردني شيء اسمه "حكومة انقاذ وطني " مثلما يطالب البعض !ولن يأتي رئيس وزراء يشابه شخص الدكتور الرزاز وغير مهتم اطلاقا بالثراء على حساب الشعب ومصلحتهم أو تسيير القوانين لصالحه الشخصي أو صالح زمرته وأعوانه وأصدقاءه كما فعل البعض قبله ، و سندخل حينها في تعريف من هو" الوطني ومن هو غير الوطني" لقيادة المشهد ! وسنشاهد أشخاصا يتصدرون المجالس وممن كانوا سببا في أزماتنا المختلفة يلبسون ثياب الوطنية والنصح والحرص على الوطن وهم من صُناع أزماتنا المختلفة بامتياز بشتى أنواعها.
لكنني اعتقد أيضا أنه لو بدأ الرئيس فترته بمشروع اقتصادي يضمن تقليص نفقات الدولة ولا أقول "الحكومة" لكان ذلك أفضل بكثير، ولشعر الناس بالطمأنينة حينها ولتحملوا بعضا من الأعباء كما تفكر الدولة أن تتحمل أيضا حينها ، ولو بدأ فترته أيضا بمشروع سياسي عنوانه البحث والاتفاق مع القوى الوطنية والمجتمعية والحزبية على قانون انتخاب عصري يضمن تعزيز الحياة الحزبية ويُقلص الضعف الشديد في المخرجات ويساهم في تمثيل حقيقي وقوي للناس والمجتمع ويقودنا نحو حياة سياسية تؤدي الى تشكيل حكومات منتخبة بشكل تدريجي لكان ذلك أفضل بكثير، وذلك قبل أن يبدأ مشواره بفرض قانون الضريبة المثير للجدل في أوقات اقتصادية أقل ما يقال عنها أنها عصيبة وسوداء ! وتزيد نكد المواطن وهمه في ضوء ما يراه من ارتفاع تكاليف الحياة وقسوتها، خصوصا بعد ان قرأ الجميع بأن البند المخصص للمصروفات الحكومية قد ازداد في ميزانية 2019 المقترحة عن ميزانية العام الماضي! ولو بدأ مشواره الحكومي بتجميع الجهود لتغيير النهج القائم ومحاولة الإمساك بزمام أمور الدولة بطريقة مختلفة لكان ذلك افضل بكثير.
دعوني أكون صريحا بشكل أكبر ،فكلنا يعلم أن الدولة يتنازعها اتجاهات وقوى شد عكسي مختلفة ومراكز صنع قرار مختلفة ، بعضها له نفوذ كبير وبعضها موجود في أماكن تأثير متقدمة تستطيع أن تكبح جماح الحكومة بل وتنسف أفكارها أحيانا ، وبعضها يحاول إحراج الحكومة لاثبات وجهة نظره أو للفت الأنظار اليه !وبعضها بحاجة الى قدرة الهية لإزالة تأثيرها السلبي من طريق الحكومة! فلماذا ننسى كل ذلك ونحن نعلم أن الحكومة لا تستطيع حتى هذه اللحظة أن تمارس الولاية العامة بشكلها الحقيقي المتوقع! ولن تستطيع أية حكومة أن تفعل ذلك الا بالتدريج ، ولقد عشنا جميعا تلك التجربة التي خاضها الإسلاميون في الوزارة عندما كانوا أكبر كتلة نيابية سياسية في البرلمان والشارع ،بتوليهم خمس حقائب وزارية ليكتشفوا حينها أن الهامش الذي يستطيعون العمل السياسي والاقتصادي وغيره من خلال وزاراتهم هو هامش بسيط ودون الطموح ودون الامل ولم يتغير الواقع منذ ذلك الحين بكل أسف ! يجب أن نفهم وأن ندرك هذه الحقيقة وأن لا نُحمل الحكومة ما لاتُطيق وكلنا بالمناسبة يعرف ذلك ،مشكلتنا الحقيقية مع النهج في إدارة الدولة بكليتها وليس مع حكومة أو رئيس حكومة.
لا يغيب عن ذهني المنع الذي تم لندوة شبابية أرادها بعض الشباب قبل أكثر من شهر لتكون بداية لحوار ديمقراطي ومنطقي يتعلق بمشروع الضريبة في أحد المطاعم في عمان ، لتأتي قوى الشد العكسي تلك وتقوم بإلغاء الندوة ، أقول الندوة الفكرية وليس الاعتصام أو الاضراب أو المسيرة ! ثم ليتفاعل الرئيس بعدها عبر مواقع التواصل ويأمر بأن تتم الندوة ثم يفاجئهم معالي د. محمد أبو رمان وزير الثقافة بزيارة اثناء انعقاد الندوة داعما ومساندا للحركة الشبابية الثقافية التي تعرف الحوار ولغة المنطق والنقاش ، في رسالة مغزاها واضح ودلائلها واضحة ،بأن الذي يمنع غير الذي يسمح !وأن هنالك تجاذب بين قوى سياسية مختلفة تُخرج المشهد أحيانا بالصورة العجيبة الغريبة التي نراها ، ومن المضحك ذلك الاقتراح الذي اقترحه أحد المواطنين قبل فترة أننا أصبحنا في الأردن بحاجة الى " هيئة لتنظيم قطاع الفساد" على غرار الهيئات الحكومية المختلفة لا من أجل القضاء على الفساد بل من أجل تنظيمه لعل ذلك يُخفف العبء على الناس !
يجب أن ندعم دولة الرزاز ونقف خلفه لان مشكلتنا الحقيقية ليست معه إطلاقا أو مع معظم فريقه الوزاري ، بل مع تلك القوى التي تحاول إفشال مشروعه بشتى الطرق والوسائل ، وتحاول زرع اليأس في نفوسنا حتى نفقد الامل في كل شيء وفي كل قيادة قد نتأمل فيها الخير !و أن نقف الى جانبه أيضا لحين إقرار قانون انتخاب يلبي الطموح ويقودنا نحو حكومات برلمانية بشكل تدريجي نستطيع معه أن نرى النور السياسي وأن نتفاءل بالمستقبل مهما كان الواقع مظلما ، وأن نبقى نضغط شعبيا فقط بهذا الاتجاه بحيث تأخذ الحكومة حينها قوتها وسلطتها الفعلية من سلطة الشعب لتمارس دورها الصحيح ولتمارس ولايتها العامة الحقيقية دون خوف من أحد ودون وضع اعتبار لأية حسابات يكون الشعب ضحيتها الأولى والأخيرة .