08-12-2018 09:49 AM
بقلم : أ.د.عدنان مساعده
نذر نفسه لوطنه وقضايا امته ....وقضى شهيدا وفيا لمبادئ الكرامة والجرأة والشجاعة التي لم تهادن أحدا في سبيل رفعة وطنه، منافحا عن قضايا أمته بوضوح الرؤية والمنهج حيث مارس ذلك واقعا بعيدا عن التنظير والتسويف والتقاعس....فكان رجل الدولة الذي حظي بثقة رفيق دربه حسيننا العظيم وثقة ابناء وطنه لأنه غرس معاني الكرامة والوفاء ومعاني الانتماء الصادق للأرض التي أحب فكانت كل ذرة تراب في الكرك والشوبك ومعان وعجلون واربد وعلى امتداد ارض الوطن تعيش في ضميره ووجدانه فحرث الارض بنفسه وكانت الزراعة ديدنه ايمانا منه ان زراعة الارض وانتاجها تحفظ كرامة الوطن والمواطن وايمانا منه بان لا خير في امة لا تأكل مما تزرع ولا تلبس مما تصنع يضع بذلك نهج عمل يؤسس للاعتماد على الذات بالعمل والانجاز والعطاء.
نعم ايها السيد المغادر الحاضر، لقد حرثت الأرض بنفسك وزرعت مما تنتج من خيراتها بنفسك وكانت الزراعة محورا هاما من محاور الاقتصاد الوطني، لأنها مصدر قمحنا وبيادرنا وكبريائنا الوطني، كما كانت الرقعة الزراعية المنتجة أرضا محرّمة على بناء الحجارة والتطاول بالبنيان، لأنها تدخل ضمن سيادة الوطن وتأمين غذائنا بجهدنا وعرق جبيننا. ومضيت الى رحاب الله لم تورث درهما ولا دينارا، لأنك آمنت أن اليد التي تعبث بالمال العام ومقدرات الوطن هي يد فاسدة قذرة وغير نظيفة، وكانت نفسك الأبية تأبى مصافحتها، وكانت هذه الأيدي لا وجود لها في قاموسك الوطني الذي مارسته سلوكا وأمانة وجرأة استندت الى عقيدتك العسكرية الفذة وإيمانك المطلق بأن بناء الأوطان لا تبنيه إلاّ السواعد المؤمنة بربها المنتمية لوطنها وقيادتها الهاشمية سلوكا وممارسة بعيدا عن التسويف والتنظير حيث لم يتجرأ أحد في زمنك أن يتهاون في واجب أسند اليه، ولم يكن وجودا لمتقاعس في مؤسسات الوطن، وكنت تغرس مبادئ أمانة المسؤولية والانتماء الحقيقي لأردنيتك الصادقة التي ما تعارضت لحظة مع صدق انتمائك لقضايا أمتك. لقد مضيت وأنت مرتاح الضمير فطوبى لك يا أبا مصطفى وطوبى للغرباء من أمثالك في هذا الزمن الصعب الذي تم الدوس فيه على المبادئ من قبل تجار المواقف والانتهازيين.
لقد كنت يا وصفي بحق مشروعا وطنيا سعيت إلى بناء قوة متماسكة نظيفة قادرة على مواجهة كل المؤامرات التي تريد النيل من عزيمة الأردن الهاشمي الوجه والعربي الرسالة، وستظل قطرات دمك الطاهر نبراسا لكل المخلصين وقصة ترويها الأجيال أن الأرض الأردنية تفديها أرواحنا ودماؤنا لتبقى أرض هذا الثرى عصية على كل الحاقدين. نعم، ستذكرك يا وصفي تضاريس هذه الأرض المباركة ...سيذكرك القيصوم والزعتر والشيح والدحنون.... ستذكرك تلك الأرض التي حوّلت طرقاتها وجبالها الى غابات خضراء وستذكرك سهول بلادي بقمحها وزيتونها لتزرع الكرامة في النفوس.
ايها المغادر الحاضر، وفي حضرتك، بعد مرور سبعة واربعين سنة على استشهادك راحلنا العظيم أبا مصطفى، نتذكر قول شاعر الاردن والدك عرار شاعر الاردن الذي تيم عشقا في ثرى الوطن وان قمة المطلب والمبتغى عنده ان يدفن تحت سماء هذه الارض قائلا:
يا اردنيات ان اوديت مغتربا فانسجنها بابي انتن اكفاني
وقلن للصحب واروا بعض أعظمه في تل اربد او في سفح شيحان
عل وعسى تمر بي مكحلة تتلو علي آي قرآن
هذا الشعر الممزوج بتضاريس هذه الارض تلالها وسفوحها يغرس الشموخ والأنفة في النفوس الكبار التي تأبى الا ان تموت في القمم (تل اربد) و (سفح شيحان)... رسالة نقرأ في مضمونها أن نمضي على هذه الأرض حتى في لحظات الرحيل ونحن نحمل الأهداف العالية السامية والغايات السامقة تجاه وطننا.... وهكذا كان وصفي الشهيد البطل الذي لاقى وجه ربه دفاعا عن مباديء سامية ودفاعا عن مشروع نهضة لوطنه وأمته غير آبه لموت او نهاية من أجل الرسالة التي حملها فعاش حرا أردنيا وعربيا شهما وحظي بشرف الشهادة التي ما زالت محفورة في ذاكرة الأردنيين والشرفاء من أبناء الأمة. لم يرحل وصفي أبدا، بل هو حي في نهجه المسؤول قدوة وقوة وأمانة... مضى على درب الشهداء الذين هم أحياء عند ربهم يرزقون، مضى إلى رحاب الله الأوسع من رحابنا على درب الشهيد الملك المؤسس عبد الله الأول بن الحسين طيب الله ثراه...
سلام عليك ايها الاردني الوجه قلبا وقالبا الذي ما خذلت وطنك لحظة وما صافحت يدك فاسدا او منافقا او انتهازيا فكانت هيبة رجل الدولة حاضرة في كل مؤسسة وامنت بان التعليم لا يخصخص وأدركت بحسك العسكري وقيادتك الفذة كجندي مقاتل ان الجندي الذي يحمى حدود الوطن هو الحصن القوي ودرع الوطن وسياجه المنيع، سلام عليك ايها العربي الأبي و كنت عربي الرسالة في مبادئك وحاربت على ثرى فلسطين ضمن رؤية مشروعك الذي قتلته قوى الغدر والخيانة والذل والعار...هذه القوى التي ارتعدت فرائصهم امام قوة شكيمتكم التي ما لانت لها قناة امام كل افاك اشر يساندكم بذلك جلالة سيد الرجال راحلنا العظيم باني نهضة الاردن الذي عرف معادن الرجال من امثالك.
أي وصفي، ايها الحبيب والقريب الى نبض الوطن بكل مكوناته انسانا وارضا وزيتونا وقمحا ستبقى ذكراك تعيش في ذاكرة الوطن شيوخه ورجاله ونسائه واطفاله، ستبقى جبال الشراة ومرتفعات السلط وقلعة الكرك وقلعة عجلون وسهول حوران والشوبك وجلعاد تواقة لفتى حوران الوفي لامته ووطنه وقيادته هذا الفتى الذي حمل معول البناء والعمل وكرامة الانسان الاردني بيد والقرطاس والقلم والسلاح باليد الاخرى وفي عقله وضميره سماء وارض الاردن ارض الرسالات وميادين الشهداء وستبقى هذه الارض بتضاريسها كما عهدتها تقدر مضاء عزيمتك ونبل سواعدك وسمرة وجهك التي لوحتها شمس هذه الأرض التي عشقت تحمل عنوان العمل والصدق والإنتماء لوطنك الأردن الذي بذلت من أجله دمك الطاهر الزكي.
أما نهجك ايها السيد العظيم، فسيبقى راسخا في ضمير كل مخلص أحب وطنه وأمته... لانك كنت الحريص على مقدرات الوطن يحيط بك الرجال الأوفياء العاملون الصادقون والحماة الأباة... فغرست نهج حرمة المال العام وكنت انموذجا وقدوة للمسؤول النظيف، لم تغرك الأموال ولم تكن من أصحاب البزنس الذين أثروا على حساب وطنهم وشعبهم ... فلقيت وجه ربك والديون عليك، لأن يديك لم تمتدا الى حرام وكان الفاسدون ترتجف اياديهم أمام نظافة يدك وقوة شكيمتك في مقارعة الفاسدين والمترهلين... وغرست نهج الانتماء الصادق ممارسة وعملا.
نعم ايها الفارس الاصيل، ستبقى خطاك يا وصفي ماثلة في قلوب وعقول القابضين على جمر حب الوطن فعلا وقولا ... وما زال فكرك مدرسة لكل عربي وأردني مخلص ... وستبقى أقوالك راسخة كرسوخ جبال الشراة ومرتفعات السلط وهضاب عجلون وستظل صورتك حية وماثلة أمام أعييننا.... أي وصفي ستبقى في ذاكرتنا الوطنية لأنك لم تعقد صفقات هنا أو هناك من أجل دراهم معدودة أو من أجل منفعة خاصة أو مال قذر كما يفعل الانتهازيون وتجار المصالح الذين انتفخت بطونهم بالمال الحرام وتراكمت ثرواتهم الشخصية على حساب الوطن والأمة، لا هم لهم إلا ذواتهم وإرضاء أنانيتهم المفرطة، حيث تغيرت المفاهيم وانقلبت الموازين عندهم وفسدت الضمائر، فالوطن بالنسبة لهم حقيبة سفر وأخذ لا عطاء. لقد مضيت أيها الأردني الأصيل والعربي الأمين في نهجك النزيه في تحريم المال العام وزرعت في نفوس الأردنيين أن الأرض لا يحرثها إلا ابناؤها المخلصون الصادقون وأن الوطن لا يبنى إلا ببذل أرواحنا رخيصة لتعلم الأجيال أن الوطن أكبر منا جميعا.
ايها المغادر الى رحاب الله الاوسع من رحابنا لك الخلود يا وصفي وللغادرين الذين وجهوا رصاصات الغدر والخيانة إلى جسدك الطاهر الخزي والعار وإلى يوم يبعثون، فنم قرير العين يا حبيب الأردنيين والمخلصين والمنصفين من ابناء هذه الأمة فقد عشت أبيّا مرفوع الهامة لم تهادن باطلا ولم تخفض جناحا لمعتد أثيم وكنت الوفي لهذا التراب الذي عشقت، كما كنت سندا وعونا لأغلى الرجال حسيننا العظيم الذي عرف معادن الرجال الصادقين الأوفياء الى أن لاقيت ربك راضيا مرضيا، وسلام عليك مع الخالدين في مقعد صدق في عليين، وسلام على كل من يسير على نهجك بصدق انتمائه لثرى الأردن الطهور، وحمى الله الأردن أرضا وإنسانا ومقدرات ودام جلالة مليكنا عبد الله الثاني بن الحسين المفدى عنوان سيادتنا ورمز هويتنا سيدا وقائدا.