09-12-2018 08:59 AM
سرايا - رغم أنّ مدينة نابلس لا تمتلك قدسية خاصة لدى المسيحيين عدا مرور السيّد المسيح عليه السلام بها، ولقائه بالسامرية قرب بئر يعقوب شرقيّ المدينة، في القصة المعروفة في الإنجيل، إلّا أن المدينة تمتلك حضورًا مسيحيًا تاريخيًا لافتًا؛ ويظهر هذا في التاريخ المسيحي بشكل عام والكنائس، والأديرة الأثرية القديمة التي رافقت تطوّر هذا التاريخ والتي تنتشر في نواحي محافظة نابلس ومدينتها.
انتشرت المسيحية في عدد من القرى المحيطة في المدينة، كما في المدينة نفسها؛ فكانت سبسطية المدينة الأبرز في التاريخ المسيحي لما فيها من كنائس ارتبطت بمقتل النبيّ يحيى عليه السلام، ولمشاركة عدد من أساقفتها في المجمع الأكثر أهمية في التاريخ العقائدي المسيحي والذي عقد في "نيقية" في العام 325 للميلاد. فيذكر كتاب "دليل سبسطية" أنّ "مارينوس" وهو أول أسقف لمدينة سبسطية قد شارك في هذا المجمع، كما شارك ثمانية من أساقفة سبسطية في ستة من المجامع الكنسية.
وكانت في محافظة نابلس، تجمّعات سكنية مسيحية عديدة، كما جاء في إحصاء النفوس البريطاني في فلسطين العام 1931. فسُجّل تواجد المسيحيين في قرى برقة، وسبسطية، ونصف جبيل، و بلاطة و بيت امرين و اللبن الشرقية وضواحي نابلس، وقريوت، إضافة لمدينة نابلس التي كان العدد الكبر من المسيحيين يتواجد بها، ويليها رفيديا، بعدد كليّ (1067 مسيحيًا يتوزعون إلى 573 من الإناث، و494 من الذكور).
تعتبر قرية رفيديا، التجمع المسيحي الأول في مدينة نابلس بعد اختفاء المسيحيين من القرى والبلدات المحيطة بنابلس، أو تضاؤل عددهم بشكل كبير، لأسباب كثيرة، يقف الاحتلال الإسرائيلي وإجراءاته على رأسها. وتضم بين جنباتها العدد الأكبر من عدد الكنائس المفتوحة حاليًا وهي تسع كنائس؛ أربع كنائس أرثوذكسية، وكنيستين للبروتستانت، وكنيستين للاتين، وكنيسة واحدة كاثوليك، بحسب بشارة خوري، رئيس الجمعية الأرثوذوكسية العربية لطائفة الروم.
يقول خليل العويص، أحد سكان القرية، التي تحوّلت الآن بفعل الامتداد العمراني في المدينة إلى ضاحية من الضواحي الأكثر حداثة فيها، "كانت رفيديا قرية صغيرة، أسست منذ حوالي 350-400 سنة في العهد التركي وكان تضم ثلاث حمائل؛ ديب وفوده وهريمات، ومنها تندرج العائلات المسيحية في المدينة، والتي كانت في البداية جميعها تتبع للروم الأرثوذكس، ولكن أصبح هناك كنائس بطوائف أخرى بعد دخول الإرساليات التبشيرية إلى المدينة.
وتختلف الروايات التي تحدد السبب في تسمية القرية بهذا الاسم من رفيديا الشهيدة التي قتلت ظلمًا على يد إخوتها، إلى كثرة روافد المياه فيها؛ فهي تمتلك ثلاثًا منها.
ويرجح الباحث نصير عرفات رواية "الشهيدة رفيديا" لكون كنائس رفيديا كنائس حديثة وتحديدًا بعد قصة "رفيد" التي لجأت عائلتها إلى رفيديا القديمة في نابلس بسببها، وهو موقع أثري من الفترة الصليبية وعلى الأغلب كان كنيسة.
وأقدم كنيسة في رفيديا القديمة، بحسب "بشارة الخوري" هي كنيسة "موسى الحبشي"، وهو قدّيس أسمر البشرة وله أيقونة داخل الكنيسة، ولا يعرف لها تاريخ محدد، ولكن يقدر تاريخ بنائها بأكثر من 400 عام، وهي مبنية على آثار كنيسة بيزنطيه قديمة، وبسبب العامل الزمني بدأت الأيقونات والصور تتآكل، ولذلك نقوم حاليًا بإعادة ترميمها، يقول الخوري.
وبحسب الباحث عرفات، فإنّ الملكة "هيلانة" أم جوستينيان هي من أمرت ببناء معظم الكنائس في نابلس، فمثلًا الجامع الكبير أصله معبد روماني تحول لكنيسة بيزنطية ثم توسع في زمن الصليبين متحولًا إلى كنيسة صليبية ثم تحول في القرن السادس ميلادي الى جامع، فموضوع أيها أقدم صعب التحديد.
يتواجد في نابلس هذه الأيام 610 من المسيحيين، يتوزعون على أربع طوائف، هي الروم الأرثوذكس وهي طائفة شرقية، واللاتين، والانجليكان، والروم الكاثوليك المنقسمين عن الروم الأرثوذكس"، وفقًا للأب يوسف جبران سعادة؛ راعي كنيسة الروم الكاثوليك.
وتمتلك الطوائف المسيحية الأربع في نابلس علاقات جوار طيبة مع المسلمين والسامريين؛ فيشاركونهم أفراحهم وأحزانهم، يقول سعادة: " نحن في نابلس نعيش بمحبة وانسجام تام، والعلاقات بيننا طيبة، وفيها احترام متبادل، كنا ومازلنا نتبادل الزيارات والتهاني بالمناسبات الدينية، ندعى لاحتفالات كل طائفة، ونتواجد في كل المناسبات".