حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
السبت ,16 نوفمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 13899

الاستقبالات النابلسية عالقة في الذاكرة .. "رحلة في عالم النساء المنسي"

الاستقبالات النابلسية عالقة في الذاكرة .. "رحلة في عالم النساء المنسي"

الاستقبالات النابلسية عالقة في الذاكرة  ..  "رحلة في عالم النساء المنسي"

13-12-2018 09:08 AM

تعديل حجم الخط:

سرايا - للمدينة مذاق خاص حين تُروى في جلسات تجمع بين جيلين من النساء. ويزداد المذاق حلاوة إن كانت العادات والتقاليد هي سيدة المقام فيها، وهي التي جمعتني مع أولئك النسوة اللواتي أثرن في نفسي مشاعر مختلطة. المكان مدينة نابلس بقمة بهائها في مساء تشرينيٍ يميل للبرودة، وهي تختزن تراثها بعاداته وتقاليده، وتحيط بنا في جلساتي الثلاث معهن.

أمّا الزمان فيتنقل بخفة ما بين وقتين: الماضي؛ هذا الزمن الجميل الذي جعل عيونهن يلمعن فرحًا وهُنَّ يسردن مشاعرهن بكامل شغف صباهن، والحاضر الذي غاب عنّي وأنا أعيش الحكايا التي أحكمن سردها بموهبةٍ فطريةٍ جعلتني لا أنتبه في أيِّ الأزمنة أنا الآن، أو في أيِّ الأمكنة أتواجد.

الحاجة أم العبد العبوة حدثتني، وهي تعتذر لي عن تناولها لعشاءٍ خفيفٍ أحضروه لها على صينية قش ملونة بنقشات تراثية لتتناول دواءها: الاستقبال؛ هو عادة نابلسية تلاشت الآن تحت وطأة عادات حديثة انتشرت في المجتمع النابلسي مؤخّرًا، وكان يشكل متنفسًا كبيرًا للسيدات؛ بالإضافة لكونه ممارسة اجتماعية يمكن من خلالها قياس المستوى الاجتماعي للسيِّدة صاحبة الاستقبال، بناءً على ما يتم تقديمه للضيوف.

والاستقبال هو تحديد يوم في الشهر يصبح خاصًا بها، تستضيف فيه سيدة من سيدات المدينة جاراتها وصديقاتها، وتقدم به الشاي والقهوة والحلويات كـ "الغريبة"، والشوكلاته، والملبس، والمكسرات، بالإضافة إلى النارجيلة "الأرجيلة" التي كانت تعد مسبقًا. ففي اليوم السابق كانت تحضر رؤوس "التنباك" وتوضع في الثلاجة استعدادًا ليوم الاستقبال؛ ليتم وضعها على طاولات خاصة أمام المدعوات ليخترن منها.
الحاجة أم العبد، القادمة من طبريا في صغرها بعد زواجها، استُقبلت في نابلس استقبالًا كبيرًا ظلّ في ذاكرتها، إذ امتد لسبعة أيام متواصلة، جلست فيه على "لوج" (مكان يخصص في العادة لجلوس العروسين) أُعد ليكون مكانًا لها طيلة الاحتفال بها. قالت: كانت حماتي تأخذني معها إلى جميع الاستقبالات التي كانت تذهب إليها، فـ "الكنة" في عرف تلك الأيام يجب أن ترافق حماتها وتلازمها في جميع زياراتها، هذا ما دعت إليه العادات والتقاليد ويتم الالتزام به.

الحاجة أم عمار الجد، وكغيرها من الحاجات اللواتي التقيتهن وبعد سؤالي لهن عن "الاستقبال"، ابتسمت وقالت: "كان استقبالي في اليوم التاسع عشر من كل شهر"، مضيفة، أن الاستقبال كان يمثل ترابطًا اجتماعيًا بين الجارات والصديقات؛ فالمحبة والوُدّ كانا كبيرين في الماضي.

"كانت النساء يساعدن في ترتيب المنزل وتنظيفه قبل وبعد الاستقبال، ليعود كما كان قبله، وكانت أيام استقبال الجارات والصديقات تشمل الشهر بأكمله، الأمر الذي يجعل النساء في انشغال دائم طيلة الشهر، ويزيد من قوة العلاقات الاجتماعية فيما بينهن"، وتستشهد بالمثل النابلسي القديم "نام يا جاري بخير لأنام أنا واياك".

وقالت الحاجة أم عمار، إن الاستقبال إضافة لما يتم فيه من تبادل الأحاديث حول أحوال الناس وما يستجد من أحداث في المدينة ذلك اليوم، فقد كان مصدراً للأخبار العامة والخاصة، كما هو مصدر مهم للإشاعات التي كانت النساء تتداولها فيما بينهن وفي بيوتهن، إضافة لكونه مصدر ترفيه من خلال الرقص الذي كانت تمارسه النسوة فيه.

الحاجة أم غازي سقف الحيط، التي كانت تستقبل ضيوفها في الخميس من بداية كل شهر، قالت إن الإبلاغ عن وجود الضيوف حتى خارج موعد الاستقبال، وفي غياب وسائل الاتصال الهاتفي في ذلك الوقت، كان يتم إمّا من خلال الاتصال الشفوي ما بين الجارات اللواتي كن يقمن بإبلاغ بعضهن بوجود الضيوف، ويدعين بعضهن للقدوم للمشاركة، وإمّا من خلال إرسال الأطفال لبيوت الجارات وإبلاغهن، أو من خلال رمز متفق عليه فيما بينهن كوضع "بشكير أحمر" على الشبابيك المطلة على الحارة، لتسهل رؤيته من قبل الجارات اللواتي كن يرغبن بالمشاركة والقدوم.









طباعة
  • المشاهدات: 13899

إقرأ أيضا

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم