حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الإثنين ,23 ديسمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 17955

د . منذر الحوارات يكتب لسرايا : هواجس مواطن ساذج

د . منذر الحوارات يكتب لسرايا : هواجس مواطن ساذج

د . منذر الحوارات يكتب لسرايا : هواجس مواطن ساذج

20-12-2018 08:23 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : د. منذر الحوارات

فجأة تضج وسائل الاعلام المحلية بنبأً عاجل ، ( القبض على مجرم فارّْ من وجه العدالة ) ، ومن فيض ما وصلتني تنبيهات تتحدث في هذا الأمر ، وبسذاجة شديدة سألت نفسي أيقتضي هكذا امر بسيط والذي يُفترض ان يكون عادياً ومتكرراً بعدد الساعات كل هذا الصخب ؟

لم يتوقف الامر عند مجرد الرسائل الالكترونية والأنباء العاجلة ، بل بدأت تتوالا تصريحات لمسؤولين كبار وصلت لحد رئيس الوزراء نفسه والذي تغنى بفخر ملفت بهذا الإنجاز الكبير ، تلاه العديد من وزراء حكومته ، لدرجة انني اكتشفت انه كان واحداً من البرامج المهمة للحكومة ، نعم انا اتحدث بمنتهى الجدية ، كان ربما من البنود المهمة ! ففي اقل من بضع ساعات كان اسم المتهم قد تكرر على لسان اغلب المسؤولين الحكوميين وبنبرة متحدية ها نحن ذَا قد فعلناها ، بدت وكأنها تتشمت بالرأي العام على سو ظنه .

تطلب الامر لإستيعاب الموقف لحظة صمت وتأمل ، قاطعها احساس عميق بالغبن ، عبَّر عن نفسه بسؤال فيه من الحماقة والمرارة الشيء الكثير ، ألم يُقل لنا منذ سنيين ان واحد من اهم اسس استمرار الدولة وديمومتها وتمتعها بالأمن والأمان هو سيادة القانون وهيمنة العدل ؟ اليس اهم اسس ذلك المبداء ان المجرمين ومخالفي القانون من الطبيعي جداً ان يكونوا خلف القضبان ؟

اذاً ألا تشير هذه الاحتفالية بالقبض على مجرم ان محاسبة الخارجين على القانون امر نادر للدرجة التي تقتضي الاحتفال بهذا الشكل الهستيري عندما يحصل ذلك ؟ قادني هذه السؤال الى احساس بالرعب اذاً فواحد من اهم الأسس يتعرض للشك وجعلني اشعر كإنسان انني بدون حماية ، ولكن في أعماقي كنت أتمنى أَنَّ استنتاجاتي ما هي إلا هلوسات ذهنية تسقط امام الاستقرار الذي تنعم به البلد .

وحتى امحي تلك الأفكار من ذهني ، بدأت انظر الى الشوارع وحالة الاستقرار التي تبدوا عليها ، ورجال الامن المنتشرين بحيث يبعث ذلك إحساساً بالهدوء والطمأنينة ، وحتى أزيد من ذلك الاطمئنان بدأت بالاستماع لخطابات المسؤولين خلال الفترات الماضية والتي كانت تعج بالافتخار لحد الزهو بهذا الاستقرار والتأكيد على ان دولتنا هي فقط للقانون والعدل .

تنفست الصعداء بهذا النصر الذي حققته على مخاوفي للدرجة التي كِدتُ ان ادخل في جوقة المحتفلين في هذا الانتصار ، لكن غصةً ما جعلتني أُحجم عن ذلك ، هي نفسها التي ألحّت عليَّ بإعادة قراءةالاحداث
من جديد ، من هو المتهم ؟ وكيف غدا نجماً وإسماً لامعاً يتداوله الجميع ؟

تبدو القضية بسيطة جداً مهرب سجائر ! يالَ البساطة ألِهذا الحد ؟ لكن مهلاً ، ففي كل يوم يتم اعتقال العشرات منهم فلماذا اذاً تميز عنهم هذا بالشهرة والاهتمام ؟
دققت اكثر هذا الرجل لا يهرب من الخارج بل من الداخل ، بدا الامر كلغز وأحجية ، وهل يصح ذلك ؟ فهذا ليس تهريباً ، مسكين هذا المتهم ظلموه في تهمةً ليست موجودة ، بل وشوهوا سمعته ، لحظةً قلت لنفسي ! ومحصت اكثر في الأخبار المتداولة بشأنه ، هو لديه مصانع ، ومزارع وعمال وأصدقاء كُثر ، ولكن ما الضيرُ في ذلك ؟ فهو يدعم الاقتصاد ويوظف عمالاً ويفتح بيوتاً وهو بذلك رجل شريف .

فلا بد ان في الامر سرّ فما هو ؟ ، بدأت مهتماً بالمعرفةِ اكثر الان ، فالفضول اصبح طاغياً لحل هذه الأحجية ، فتبين ان الرجل ادخل ألآته المصنعة بطرق غير قانونية ، وأنتج ملايين صناديق الدخان وباعها بدون اي رقابة اولاً على منتجه وثانياً بدون ان يقوم بدفع اي مستحقات للدولة من ضرائب ورسوم ، وباع بمئات الملايين وتهرب من الضرائب بمثلها ، وأدى عمله هذا الى خسارة منتجين آخرين بقدر ما كَسِب من مال ، وأدى الى إغلاق مصانع اخرى وطرد العاملين فيها ، فأصبحوا بلا عمل وبالتالي بلا مأوى .

هذا عمل سئ فعلاً ، ويستحق العقاب ، ولكن الامر لا زال اكبر من هذه الجملة بكثير ، بدأت الهواجس تظهر من جديد ، بشك أسئلة بسيطة ولكنها مُحيرة ومعقدة ، هل يستطيع رجل ان يقوم بكل ذلك لوحده ؟ وانا افكر أقول في نفسي هو بحاجة لعلاقات قوية مع الجمارك كي يستطيع ان يُدخل هذه المعدات الكبيرة ، او لربما ان لديه قوةً سحرية تجعلهم اصيبوا بالعمى المؤقت حين دخلت تلك المعدات ، هكذا بدأت افكر .
ايضاً هو بحاجة الى علاقات قوية مع وزارة الزراعة حتى يسمحوا له بزراعة نبتة التبغ الممنوعة ، او لربما انهم اعتبروها نوعاً من أشجار الزينة للتصدير ربما .

وهو بحاجة لعلاقات قوية مع سلطة المياه للحصول على كميات هائلة منها للزراعة والصناعة فهي حجر الرحى في هذه العملية ، لا بد انهم ظنوا خير بهذا الامر ولم يلفت انتباههم بالتالي .

كما ان تلك القوافل المؤللة من السيارات المحملة بالدخان بحاجة ماسة للعبور من خلال الشوارع الرئيسة ، وعلى ما يبدوا ان هذا الامر كان متيسراً بشكل جيد .

اما كيف بيعت تلك الكميات من التبغ المصنع في السوق بدون دمغات تثبت انها تجاوزت الفحوصات المخبرية اللازمة فهذا امر لربما يطول البحث فيه . فذلك يقتضي علاقة حميمية مع المشرفين على ذلك وربما هم أنفسهم الذين مكنوه من التغاضي عن دفع الضريبة المستحقة على منتجاته تلك .

وحين تتبعت السيرة الذاتية للرجل وجدت له علاقات صداقة حميمة مع أناس كنت أشاهدهم على الشاشات وفي وسائل الاعلام ، وهم مهمين جداً حسب اعتقادي ، وهو كذلك بدا لي مهماً جداً حتى يتمكن من جمع كل اؤلائك الناس حوله ، لدرجةَ انهُ بدا لي شخصاً محبوباً لهم وقريباً جدا ، فهذا الرجل الذي يعرف كل هؤلاء الأشخاص المعروفين لا يمكن ان يكون مجرماً .

وبدت محبتهم له انه حينما وشا به حاسداً ما ، وصدر أمراً بالقبض عليه سارع أصدقاؤه في تهريبه آمناً خارج البلاد ، فبدت تلك هي عملية التهريب الوحيدة في هذه القضية .

أسئلة وأسئلة بعضها سهل وجٌلها صعب ، أولها هل كان ذلك الرجل الاول في هذه القضية ، ام هو الأخير والذي يسَهل التضحيةُ بهِ حين الحاجة ؟ هل يستطيع ذلك الرجل الذي بدا ضعيفاً بلا حيلة ان يُسخر اجهزتاً كاملة في الدولة لخدمته لو لم تكن تلك مُهيئةً لذلك ؟

بدا الامر اشبه بلعبة الحكواتي توجهها أصابعه وتفرض نمط الحوار وحركة الشفاء والغاية النهائية

من القصة ، فهل شاهد احد منا في اي يوم ذلك الرجل الظل الساكن خلف ستار المسرح ؟ انا على الأقل لم اشاهده وإن كنت اعرفهُ حق المعرفة .

في لحظة بدت لى الدولة كلها متهمة ومجرمة وهي الجاني الحقيقي ، لأنها كذبت عليَّ في اهزوجتها الممتدة عبر عقود ، ان القانون هو سيد الموقف وأن العدل هو الأيقونة التي لن تفرط بها ، ومرة اخرى أيقتضي ذلك من دولة الرئيس افتتاح صالة للأفراح ام إقامة ديواناً للعزاء ؟ فهل هنالك خيبة أكبر من تلك ؟ برسم الإجابة أجيبوا عن هذا السؤال ودعوني اعود الى بساطتي وسذاجة اسألتي فذلك بالنسبة لي اكثر جدوى من التوغل لمعرفة الحقيقة لأنها بدون شك مؤلمة








طباعة
  • المشاهدات: 17955
لا يمكنك التصويت او مشاهدة النتائج

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم