حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الإثنين ,23 ديسمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 13226

تنوع أم فوضى في الميدان التعليمي؟

تنوع أم فوضى في الميدان التعليمي؟

تنوع أم فوضى في الميدان التعليمي؟

22-12-2018 10:52 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : سعيد ذياب سليم
أذكر فيما أذكر من أيام الدراسة الأولى، حصة المكتبة التي كنا ندخلها مرة أو مرتين أسبوعيا كانت إحداها لمشاهدة البرنامج التعليمي للغة الإنجليزية الذي كان يبثه التلفزيون الأردني بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم في سبعينات القرن العشرين، كان الدخول إلى المكتبة يتبع طقوسا معينة أهمها " يُمنع تناول أي كتاب عن الأرفف" ، والجلوس بهدوء حتى موعد البرنامج التعليمي، ثم يتقدم قيّم المكتبة بوقار لفتح جهاز التلفزيون " الملون" و كأنه يتلو تراتيل سحرية لتملأ الصورة الشاشة ذات العشرين إنش .
فإذا بدأ أدهشتنا اللهجة التي يتحدث بها كادر البرنامج والتي تحاكي اللهجة البريطانية الكلاسيكية و التي لم نكن نسمعها داخل الصف ، فقد كان معلمنا يخلط بين أحرف العلّة "vowels letters :a ,e,I,o,u " والتي ما زلتُ – وجيلي – يخلط بينها ، فلم يكن بين أيدينا قواميس محمولة على الهواتف الذكية لنسأل "سيري" أو "ألكسا " و الآن "غوغل" فيجيبنا الجهاز كما لو كان خادم المصباح ما نريد.
كانت هي تجربتنا الأولى مع البرامج التعليمية والتي تنوعت خلال السنوات التالية، و شملت مصادر مختلفة منها كتب التمارين و الملخصات التي نشرها بعض المعلمين بكتابتها يدويا معتمدين على مناهج جامعية و مناهج مدرسية عربية ، كان ذلك قبل معرفة تحرير النصوص إلكترونيا من خلال الكمبيوتر.
ومع تقدم وسائل الإتصال و التكنولوجيا تم توظيف الإنترنت لعمل صفوف افتراضية يشترك فيها طلبة ومعلمين من فضاءات مختلفة، ومنتديات و غرف دردشة يتم فيها مناقشة مسائل تعليمية و على مستويات متفاوته من المعرفة بين الطلبة و المعلمين، ساهمت وزارة التربية والتعلم في تقديم منصة التعليم الالكتروني والمناهج المحوسبة على صورة نصوص رقمية Pdf مثلا.
اليوم عندما أقف بين طلبتي لأحدد موضوعات الامتحان و موعده يقف أحدهم ليعرض مشكلته الخاصة فهو ما زال في الوحدة الثانية و نحن ننهي الوحدة الثالثة من المنهاج في الصف و المركز الخاص الذي يدرس فيه في بدايتها و هو يعمل على توفير الوقت اللازم للاطلاع على المادة المشروحة بصورة محاضرات فيديوهاتيه أهدته بطاقتها المدفوعة والدته التي حصلت عليها من إحدى صديقاتها! يا للفوضى الذي يعيشها طالبنا هذا!
بين الكتاب التقليدي و الالكتروني و المحاضرات المصورة و المسارات التعليمية :المدرسة و المركز الخاص و الانترنت وهو حبيس جسده الذي يتفجر بالحيوية و عدم الاتزان العاطفي هل يستطيع هضم المادة التعليمية و التنسيق بين المهارات المختلفة و استخدامه للورقة و القلم ؟ هل يستطيع المفاضلة بين مصدر و آخر ! ترى ما الذي يناسب شخصيته و مستواه المعرفي و من يقرر ذلك؟
لم يعد التعليم مرتبطا بالصف التقليدي بل خرج عنه إلى طرق جديدة تمثلت في التعليم عن بعد سواء كانت محاضرات حية أم مسجلة بالصوت أم بالفيديو و المتاحة على الانترنت مجانا أو ببطاقات مدفوعة مقدما، و التي تصدت لها شركات خاصة حيث أصبح الطالب و المعلم جزءا من معادلة الربح و الخسارة التي يتلاعب بها رأس المال.
في الصف يحدث التفاعل المباشر بين الطالب و المعلم الذي يرقب طلبته و يلاحظ انفعالاتهم و يتحكم في السرد و توجيه دفة النقاش و تكرار الشرح و إثارة انتباه من يراه قد ابتعد قليلا عن مجريات أحداث المحاضرة، بالمقابل ما هي المهارات التي تستخدمها المحاضرة المسجلة لتقوم بنفس الدور ؟
هل ستكون أشبه بتسجيل الهواة ؟ أم أن فريقا من فنيي الصوت و الصورة و الاخراج التلفزيوني يضم فناني الرسوم المتحركة ومحرري النصوص لتوظيف الصوت و الصورة والحركة في عمل فني يحفز الطالب و تكسبه شيئا جديدا.هل هناك تواصل بين المحاضر و الطالب لقياس تقدمه و الإجابة على تساؤلاته؟
لا شك أن هذا التنوع في عرض المادة و التزاوج بين الكلمة و الصورة والإلقاء، وشخصية المحاضر و لغته السليمة يتفق مع شخصيات و وعي البعض دون غيرهم فإن بعض الموضوعات لا تستغني عن استخدام الورقة والقلم للتدريب و تلخيص النقاط الهامة ، وفي بعد آخر إن معرفة الطالب بلغة من لغات البرمجة تمكنه من كتابة برامج تحاكي مواقف معينة.
و في هذا الصدد ساهمت مؤسسة الملكة رانيا في إطلاق تجربة رائدة تمثلت في تقديم منصة إدراك الالكترونية التعليمية و التي تشتمل على مواد تعليم منهجي – الرياضيات مثلا- و موضوعات ألتعليم المفتوح المختلفة ،والتي تفتح أمام المتعلم نافذة التعليم المعاصر و تسمح له استخدام أدواته التقنية الحديثة وسط تحديات جمة.
يعاني الطالب كثيرا في مواجهته هذه الفوضى التي تتقاذفه تياراتها المختلفة في "السوق" التعليمي ، قد تخدعه و تنطلي عليه الحيلة و قد يكون في مستوى من الوعي يختار له ما يناسبه و ما يفتقر إليه من معلومات و التي لا تبتعد عن منهاج الكتاب المدرسي إلا لتغنيه ، وتزيده ثراءا و تساعده لاستغلال وقته بحكمة فإن الوقت أثمن ما يملك.








طباعة
  • المشاهدات: 13226
لا يمكنك التصويت او مشاهدة النتائج

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم