23-12-2018 09:51 AM
سرايا - "منذ ذهاب أهل العريس إلى أهل العروس، يبدأ فت المصاري!"، هكذا يحدد الشاب حنا رشماوي (30 عامًا)، من بيت ساحور شرق من بيت لحم، موقفه من الزواج، مؤكدًا، أن التكاليف الباهظة للزواج جعلت إقبال الشباب الفلسطيني المسيحي على الزواج متدنية.
هذا الوصف الساخر، على دقته، لا يقتصر على زواج الفلسطينيين المسيحيين وحدهم، فتكاليف الزواج أصبحت أهم الأعباء التي ترهق كاهل الشباب الفلسطيني بشكل عامٍ مؤخرًا، لكن حديثنا هنا سيذهب نحو طقوس ومراسم الزفاف لدى الفلسطينيين المسيحيين، من الألف إلى الياء، وما تحمله من متعة وخصوصية.
يقول عيسى رشماوي (59 عامًا)، إن الحكاية تبدأ بالشكل التقليدي الذي نعرفه جميعًا، إذ يصطحب الشاب والديه إلى منزل الفتاة التي قرر الارتباط بها، وإذا ما كانت هناك موافقةٌ مبدئيةٌ يُسمح للشاب بلقاء الفتاة والجلوس معها لمزيدٍ من التعارف، وقد تستمر هذه الفترة أشهرًا حتى يقرر الطرفان إكمال الطريق والارتباط رسميًا.
وإذا أرادت عائلة الفتاة إعلان قبول الخطبة فإنها تزور عائلة العريس في أجواءٍ من الودية والعائلية. أما إن لم ترد عائلة العروس الزيارة فهذه علامة واضحة على عدم القبول، عملاً بالمثل القائل: "قلة الرد بمثابة رد"، حسب رشماوي.
يبدأ العريس التجهيز لحفلة الخطبة بعد رد الزيارة والإشعار بالقبول، كما يقول رشماوي، إذ يتم توجيه الدعوات لـ300 شخص أو أكثر، وعادة ما تكون تكاليف هذه الحفلة على حساب أهل العروس، إلا أن تكاليف العشاء في تلك الحفلة على حساب أهل العريس، وتمتد الفترة بين الخطبة والعرس حسب اتفاق الطرفين وأوضاعهما المالية والاجتماعية.
وقبل حفل العرس بأسبوع تقريبًا، تزور عائلة العريس، عائلة العروس في طقسٍ يسمى "الرضوة"، وذلك لإرضاء أهل العروس والوقوف على متطلباتهم وحاجاتهم، فيقول والد العريس: "إحنا يا عمي جايين نرضيكم"، ويضع مبلغًا من المال "حسب استطاعته" ملفوفًا في قطعة قماش، ثم يأخذ والد العروس قطعة القماش دون المال، ويرد قائلاً: "إحنا بنشتري زلمه، وما إلنا حاجة بالمال". وهنا يحدد والد العريس عدد الضيوف، فلا يجوز لأهل العروس استضافة عددٍ كبيرٍ غير متفقٍ عليه مع أهل العريس.
وفي الموعد المحدد، يتوجه أهل العريس لمنزل عروسهم، ثم يأخذونها بها إلى الكنيسة لإجراء المراسم النهائية وإتمام الزواج وفق أحكام الديانة المسيحية. يقول الأب يوسف الهودلي، كاهن رعية الروم الأرثوذكس في مدينة بيت جالا، إن هناك سبعة أسرارٍ في الكنيسة، وسر هو حدثٌ منظورٌ وحدثٌ غير منظورٍ أو مشاهد، والأسرار هي "العمّاد، ومسحة الميرون المقدس، ومسحة المرضى، والمناولة، والزواج، والكهنوت، وسر التوبة والإعتراف".
"فدخول الشاب أو الشابة للكنيسة يعتبر شيئًا منظورًا يمكن مشاهدته، وكذلك عمّاد الطفل، أما السر غير المنظور فهو حلول الروح القدس على ذلك الطفل وذلك الزواج"، كما يقول الأب الهودلي.
ويروي الأب الهودلي كيف خلق الله آدم كما جاء في التوراة: "ليس جيدا أن يكون آدم وحده، فأصنع له معينًا نظيرًا (سفر التكوين 2: 18،21-23) أي معينًا له في حياته ومساويًا له في القيمة، كيف لا وهي التي خلقت من أحد أضلاعه، فهدف أي إنسانٍ هو إيجاد شريك الحياة، كما قال الله لآدم في التوراة: إنموا واكثروا واملأوا الأرض وأخضعوها…" (سفر التكوين 1: 27-28).
الزواج كنيسة صغيرة
ويصف الأب الهودلي الزواج بأنه "كنيسةٌ صغيرة، تجمع الأسرة على تعاليم الدين المسيحي، ولذلك منعت تلك التعاليم الطلاق والانفصال إلا لعلة الزنا، لكن قلة المحبة والإدراك وعدم التمسك بالتعاليم الدينية، جعل الناس يبحثون عن حججٍ وحالاتٍ وأعذارٍ للطلاق، فتنزل الكنيسة لمستوى الضعف البشري وتسمح لهم بالطلاق لحالات معينة".
وتبدأ مراسم الزواج عند دخول العريس والعروس إلى الكنيسة، فخاتم الزواج هو رسمٌ للخطبة، تُلبس الفتاة خطيبها خاتمًا من فضة في بنصر يده اليمنى - ويقال إنه الإصبع الأقرب للقلب- ويلبسها خاتمًا من ذهبٍ في نفس الأصبع.
ومغزى الذهب والفضة هنا، حسب الأب الهودلي، هو الدلالة على اختلاف معدن الرجل وطبيعته عن معدن وطبيعة المرأة، "فالرجل والمرأة يصبحان جسدًا واحدًا بعد الزواج، إلا أن لكلٍ منهما معدنه وطباعه وأسلوبه في الحياة، وهو ما خلقه الله عليه". ويقال في لحظة تلبيس الخواتم صلاة خاصة وهي: "أيها الإله الابدي الجامع المتفرقات إلى اتحادٍ واحدٍ، والواضع لميل القلب رباطًا لا ينفك".
من أين جاء الخاتم
يوضح الأب الهودلي، أن للخاتم في الزواج جذورٌ دينيةٌ منذ العهد القديم، "ففي الخاتم أعطي السلطان ليوسف في مصر، بعد أن عينه عزيز مصر على خزائنها وألبسه خاتمًا، وبالخاتم شُرّف النبي دانيال في بلد بابل، هو أحد الأنبياء الأربعة الكبار في التراث اليهودي المسيحي، والشخصية المركزية في سفر دانيال".
ووفقًا للرواية التوراتيّة، فإنه عندما كان دانيال شابًا، اقتيد إلى السبي البابلي حيث تلقى تعليمه هناك، فتعلم هناك لغة الكلدانيين ورشح للخدمة في القصر الملكي، ففسر حلمًا لنبوخذ نصر كان قد أزعجه، ومكافأةً له على هذه الخدمة نصبه حاكمًا على بابل، ورئيسًا على جميع حكمائها.
ويضيف الأب الهودلي، أن الخاتم ينقل الشاب من مكانةٍ اجتماعيةٍ إلى أخرى أسمى وأرقى وأكثر مسؤولية، فينال شرفًا أكبر من كونه أعزبًا. كما يظهر الخاتم حقيقة الشخص، فعندما تشاهد الخاتم في يد الشاب أو الفتاة تعرف حقيقة حالتها الاجتماعية إن كانت متزوجة أم لا.
صلاة الإكليل
بعد وضع الخواتم في الأيدي، تبدأ صلاة الإكليل، والإكليل يرمز إلى التاج والتوقير والاحترام، ففي العصور الأولى بعد عودة الجنود متنصرين من الحروب، كانوا يكللونهم. والإكليل في الزواج كنايةً على انتصار الزوجين في الحرب مع نفسيهما، والنجاة من الزنا، فيدخل العريس والعروس من باب الكنيسة يتقدمهم الكاهن، وتكون طرحة العروس الخلفية ملامسة للأرض، وتأتي هذه الطرحة من اليونانيين القدماء، حيث كانت لديهم الآلهة ذيوس وهي إلهة الخصب ولها طرحةٌ تلامس الأرض، فملامسة طرحة العروس لأرض الكنيسة هي كناية عن إخصاب الكنيسة وإنمائها بالأبناء الجدد.
ويتابع الأب الهودلي شرح مراسم الزفاف مبينًا، أن العريس يقف على يمين الكاهن، فيما تقف العروس على شماله. ويقف على يمين العريس إشبين، وهو الشاهد على مراسم العرس، وعادة ما يكون أقرب الناس للعريس كأخيه مثلاً. كما تقف على يمين العروس إشبينة أيضا، فالشهود دليلٌ على أن الزواج حدثٌ اجتماعيٌ وليس حدثًا فرديًا".