24-12-2018 06:42 PM
سرايا -
رسالة ملكية واضحة من عاهل الأردن عبد الله الثاني حول المحيط الإقليمي لبلاده، والعودة للتعامل مع سوريا والعراق، يلحقها الملك بالتأكيد على أن رئيس الوراء الدكتور عمر الرزاز سيزور العراق خلال الأسبوع الحالي. إرسال الملك لهذه الرسالة باجتماعه مع كتاب صحفيين تُعيد التفاصيل لمربعها الأول، حيث القصر يقول انه صاحب القرار في الجانب السياسي تماماً، وتستلم حكومة الدكتور الرزاز الاقتصاد فقط.
طبعاً فصل الجانبين في دولة كالأردن يكاد يكون مستحيلاً، رغم أنه لو حصل فعلاً لما كانت اختلطت مطالبات الحراك الاقتصادية في البداية بمطالبات سياسية اليوم طالت الملك نفسه، ولكن بكل الاحوال هذه قصّة أخرى.
عاهل الأردن عملياً حاول توجيه رسائل سياسية تمهد الطريق لاقتصاد ينفتح على العراق وسوريا، ورغم شكره لدول الخليج إلا انه عمليا لم يقدّم أي تفاؤل في مساعدات او تفاصيل قادمة من الجيران في الجنوب مثلا (السعودية)، الأمر الذي يبدو أن الأردن يحسم امره بخصوصه شيئاً فشيئاً، وبالقطعة.
بالتزامن مع لقاء الملك كتاب صحفيين منتمين لطبقة الكتاب التقليديين الذين كان يلتقيهم عاهل البلاد في الماضي، كانت الانباء ترشح عن خروج الدكتور الرزاز في اول زيارة خارجية منذ تسلمه منصبه للعراق وتركيا، حيث يتوقع في السياق ان يستمر الرجل العنيد الهادئ بالعمل على حل عقدة “المنطقة الحرة” مع العراق وأنبوب النفط، في حين يحلّ ازمة اتفاقات التجارة التركية، خصوصاً بعدما قدّمت أنقرة لعمان رجل التبغ الشهير الذي يعتبره الرزاز حتى اللحظة انجازه في سياق محاربة الفساد.
زيارة الرزاز شخصياً تسحب كل المعطيات السياسية من الزيارة، والرسائل ستكون اقتصادية بصورة اساسية، خصوصاً ان ذهب الرئيس كما هو متوقع دون وزير خارجيته المحسوب على القصر والشق السياسي من العلاقات.
ضمن كل هذه المعطيات التي تمنح التفاؤل عملياً حول تغيّر في المعطيات الاردنية الخارجية، تصمت عمان تماماً فيما يتعلق باللاعب الحاضر الغائب في الدول الثلاث المذكورة: سوريا والعراق وتركيا، والمقصود هنا بالضرورة “ايران”، حيث لم يعد سرّاً ان عدم الانفتاح على الايرانيين يعني بالضرورة ودون نقاش مثلاً تقزيم اي اختراقات في العلاقة الاردنية العراقية.
عمّان لا تتحدث، وهذا صحيح، ولكن المعطيات أيضاً ان الاردن لم يعد متحمساً ابدا في السياقات المناهضة لطهران وهنا الاشارات لا تبدأ عند حديث الملك عبد الله نفسه وبذات الجلسة عن كون افضل علاقات الاردن هي مع الاتحاد الاوروبي، وهنا يمكن الانتباه الى تغيّر وتقلّب عمان في لهجتها حول الحليف الامريكي، حيث يعود الاردن لمرجعه التاريخي في لندن اكثر من واشنطن رغم كل الشراكات، ويتقارب مع برلين بخطى بطيئة وتعصف بها البيروقراطية في الكثير من الاحيان، ويتحدث مع فرنسا بحذر محاولاً تلمّس الوجود الصاعد لها في جواره.
في هذا السياق، تعضّ عمان على جرح جديد جداً حيث الولايات المتحدة تقرر سحب قواتها من الاراضي السورية، ما يعني ان الاردن الذي كان لديه “دخل منطقي” كبلد عبور وانطلاق لطلعات التحالف الدولي سيتأثر بالضرورة اقتصادياً وعسكرياً، وهنا يتحدث خبراء عن اضرار امنية، قد يشكلها نقل قاعدة التنف بعد تفكيكها للاردن ومعها بعض المصنفين كإرهابيين ليتم التحقيق معهم في الاراضي الاردنية. لو كانت التسريبات التي ترشح حول الجزئية الاخيرة دقيقة، فإن عمان ستواجه واحداً من اخطر التحديات المقبلة.
بالعودة لايران، فقبل حديث الملك ايضاً، مثّل عمان في تكتّل البحر الاحمر الطازج الذي تقوده السعودية أمين عام وزير الخارجية زيد اللوزي في أضعف تمثيل فعلي بين الموجودين في التكتّل، الذي على الاغلب سيحصل عليه تغييرات لاحقة حيث “قد” تنضم له اسرائيل، ثم يتحول فجأة لمواجهة ايران في جانب من خطة “الناتو العربي” المؤجلة لأمد قريب. كما تُفعّل عمان علاقاتها مع الدوحة بهدوء يتوقع له ان يظهر على السطح مع كل التقلبات في الاقليم خلال فترة قريبة.
المؤشرات المذكورة مع زيارة وفد برلماني لدمشق وحديث الملك عن عودة العلاقة معها ومع العراق، تبدو وكأن عمان تدرك جيداً انها ستتحاور مع ايران ولو من وراء حجاب وهنا التعويل على خلق ارضية براغماتية في هذا السياق. كما وقد يكون أهم، تعلم انها تبتعد درجتين عن حلفها المألوف مع واشنطن والرياض لصالح مصالحها.
بكل الاحوال، مراقبة المشهد المقبل وتفاصيله ستبقى مثيرة للاهتمام ليس فقط على الصعيد الاقليمي بل وحتى على صعيد الداخل الاردني.