27-12-2018 09:44 AM
سرايا - داخل غرفة صغيرة يعلو جدرانها غبار أسود، يجلس مهند حجي متربعًا فوق كرسيّه الهزَّاز، ممسكـًا بيده اليسرى إزميلاً وباليمنى مطرقته يضرب بها فوق حجر سيغدو لاحقًا منحوتًا جميلاً لشخصية عالمية أو معلمًا أثريًا.
في الصباح يبدأ عمل النحَّات الفلسطيني مهند مسعود حجي (50 عامًا) وفي العاشرة ليلا ينتهي، ليصل 14 ساعة من العمل من أجل الخروج بعمل واحد، وبعض الأعمال يحتاج لأسبوع كامل أو أكثر لإنجازها، "فالنحت تلتقي فيه أشكال الفنون وأصعبها"، يقول حجي.
في سن العاشرة بدأ حجي هوايته في النحت وتشكيل المجسمات المختلفة لإنسان أو حيوان، كان يبهر أساتذته وزملاءه في المدرسة كلما قصدوه لعمل منحوت معين، ويزيده ثناؤهم شغفًا لتطوير موهبته وفنه بمجاراة كل جديد.
داخل غرفته المطلة على الشارع الرئيسي في قريته برقة شمال مدينة نابلس، يمكث مهند بهدوء ويخلو الجو إلا من تمتمات لمذياعه القديم أو له شخصيًا ومن يقصده من الزوَّار، بينما يعلو صدى ضربات المطرقة فوق منحوت حجري يروي إحدى الحقب التاريخية التي توالت على حكم فلسطين.
وفي هذا التميز يكمن سر الرجل ويذيع صيته، فهو يملك من الثقافة ما يؤهله لتنفيذ مشغولاته بحرفية مطلقة يكتسبها من معرفته المسبقة الناتجة عن عمله في التنقيب عن الآثار في صغره، إضافة لسعة اطّلاعه وخبرته في خبايا التراث الفلسطيني، كان ذلك واضحًا في بضعة كتب قديمة تعلو أحد الرفوف المنتشرة فوق رأسه.
يعاود مهند الضرب بالإزميل وهو يحدثنا حول عمله الفني الممتد لأكثر من أربعة عقود، ويقول إنه يحترف "التقليد"، ولذا تجده يبرع في نقش العملات النقدية القديمة والخزفيات والفخاريات الرائجة والمستخدمة آنذاك في العصور الماضية، ومنها الكنعاني والبيزنطي واليوناني.
هو يسقط كل ما يراه بعينه واقعًا على أعماله المختلفة التي تشبه إلى حد كبير القطع الأصلية، "ولهذا فبعض الأعمال تستغرق معي يومًا كاملاً وأخرى تحتاج لأسبوع أو أكثر".
إضافة لقطع الآثار ينحت الفنان حجي أدوات تراثية استخدمها الفلسطينيون قبل عقود كالمدق (الهاون) والجاروشة، أنجز بعضًا منها وركنها جانبًا فوق لوح خشبي يتخذ منه وسيلة لعرض مشغولاته، فالمكان يضيق بكثير الأعمال وبالكاد يتسع ليكون معرضًا ومعملاً معًا.