29-12-2018 09:49 AM
بقلم : د. علي المستريحي
فرق شاسع باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة الفيسبوك، بيننا نحن أمة العرب وبين العالم الآخر الذي أنتجها. تذهلني الحوارات المثرية لديهم على المنشورات التي يتداولونها، والقيم الايجابية التي يحاولون نشرها وتعزيزها، والطريقة التي يستخدمونها بها لتأصيل الحقيقة .. أما نحن، فالأمر لدينا مختلف ألوانه .. مختلف جدا: تناقضات بكل اتجاه، كذب ودجل ونفاق وزيف وفصام، واستبدال وجوه بأقنعة مزيفة وهروب من مواجهة الحقيقة .. لقد وفّرت لدينا منصة للنصب والانتقام والبغضاء وإشاعة الفاحشة والتفرقة .. أصبحت مكبّا لنفاياتنا بدل أن تكون عونا لنا على طلب النصيحة وتوثيق عرى المحبة وتقريب المسافات وتنوير المجتمع وطرح المشكلات والمساعدة في حلها !
الأسوأ من ذلك كله، أن السوشيال ميديا وفّرت منصة لبعض الشخصيات المتردية والنطيحة والموقوذة والرويبضة من بني البشر من أن تدلي بدلوها، ويسمع لها وتثير الاعجاب ! في السوشيال ميديا لدينا لا يكون البقاء للأنقى ولا للأقوى حجة وفكرا، بل للذين ليس لديهم أي شيء ذي قيمة ومعنى يقدمونه، وليس لديهم هما أو قضية عامة سوى صورهم الشخصية التي لا تحمل أي مضمون، يتسولون بها لشحذ الاعجاب، فيغذون النقص المتغلغل بجوانب شخصيتهم اعتقادا منهم أنها تشفي أمراضهم النفسية المستعصية.
باختصار، أخرجت السوشيال ميديا كل أوساخنا وكشفت عوراتنا، وعكست تلك الجوانب المتردية الهابطة من ثقافتنا، ودمّر الاستخدام السيء لها الكثير من أسرنا ومجتمعاتنا، وأظهرت مدى هشاشة قيمنا وضعف حصانتها أمام الغازي القادم من العالم الآخر ! السوشيال ميديا سلاح يتداوله الغث والسمين من البشر. مشرط عمليات يمكن أن يستخدم لقطع ورم خبيث أو قطع شريان تاجيّ.
أدق ناقوس الخطر لمرض زاحف، مرض نفسي فردي واجتماعي جديد، مرض خطير جدا ومدمّر اسمه "سوشيال ميديا سندروم" (Social Media Syndrome)، فكّك الأسرة وشرّد أفرادها كل بصوب، واستبدلها بأسرة افتراضية هوائية فضائية غير ملموسة، كل فرد فيها يعيش بعالم منفصل، نقل حياتنا تدريجيا لذلك العالم المجنون الغريب، لا نعرف للناس فيه أصل ولا فصل ..