29-12-2018 05:35 PM
سرايا - الأصل في بيوت العزاء، أن تكون مكاناً يجتمع فيه أقارب وأصدقاء أهل الميّت لمواساتهم في مُصابهم، ومساعدتهم، إلا أنها تحوَلت في مجتمعاتنا لـ "كوفي شوب" مجاني يأتون إليه، ظاهره فيه التعزية، وباطنه تناول طعام الغداء، واحتساء فنجان القهوة، وشرب السجائر، والثرثرة مع الأصدقاء، دون مراعاةٍ لمشاعر أهل الفقيد.
المواطن عبد الرحمن اللوح من غزة، ذهب لتعزية أحد أصدقائه بوفاة والدته، إلا أنه فوجئ من كم الثرثرة والجلسات المجتمعة، والضحكات التي تتعالى من كل جلسة، فضلاً عن التلوث الهوائي الذي نجم عن كميَة الدخان المتصاعد من المُدخِّنين المتواجدين في بيت العزاء.
يقول اللّوح، انتابتني حالة من الدهشة والاستياء لما رأيته من بعض الحضور المتواجدين في بيت العزاء، بدلاً من الوقوف بجانب أهل المتوفى، ومراعاة شعورهم بألم الفقد، يتبادلون أطراف الحديث من كل جانب، بل وتتعالى ضحكاتهم كذلك!
هذه الظاهرة السلبية المنتشرة في بيوت العزاء لا تقتصر فقط على مجالس الرجال، بل تمتد لمجالس النساء كذلك، حيث يقع كثيرٌ من النساء في مخالفات شرعية خلال تأديتهن لواجب العزاء كالغيبة والنميمة والثرثرة والقيل والقال، وهو ما يؤثر على أهل المتوفى ويزيد من معاناتهم عندما يجدون أن بيت عزاء فقيدهم قد تحول إلى ساحةٍ للعلاقات العامة والتعارف والحوار في الأمور الدنيوية.
وتروي أم هيثم غريب ما وجدته في إحدى بيوت العزاء، أثناء زيارتها فتقول: " كنت في تقديم واجب العزاء لأحد أقاربي، وأثناء جلوسي فيه، سألتني إحدى المعزيات عمَا إذا كان لدي فتاة للزواج فتعجبت منها ولم أُجبها".
وتضيف، "وبينما كُنت أهمَ بالمغادرة نادتني أُخرى، وطلبت مني الجلوس، لأنني لم أتناول طعام الغداء بعد، فلم أكترث وغادرت وازددت دهشة لذلك، فقد وجدت أن أمور الدنيا تشغلهن عن واجب التعزية".
من جهته، أوضح الداعية الإسلامي عبد الفتاح غانم، أنّ تعزية المسلم لأخيه المسلم في مصابه حقٌ من الحقوق الشرعية التي أوجبها الإسلام الحنيف، وفيها الأجر العظيم عند الله تعالى، حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "من عزّى أخاه بمصيبةٍ كساه الله من حُلل الكرامة يوم القيامة".
وأشار إلى أن في التعزية توطيداً لأواصر المحبة والتواصل والتعاضد والشعور بين الناس، لكن شريطة أن يكون هذا ضمن الضوابط الشرعية وخالياً من البدع المنكرة، والعادات الدنيوية السيئة.
وفي معرض ردَه على سؤال حول الآداب التي يجب أن يتحلى بها المعزون قال الداعية غانم: "إن الثرثرة والغيبة والنميمة والتحدث بالأمور الدنيوية في بيوت العزاء، من المخالفات التي يقع فيها كثير من المعزين، موضحاً أن العزاء معناه مواساة أهل الميت وتصبيرهم على مصيبتهم، وكذلك الاتعاظ من الموت، والاتعاظ يكون بالابتعاد عن الغيبة والنميمة".
على الرغم من الوضع الاقتصادي الصعب في غزة، إلاَ أن إقامة بيوت العزاء، تتطلب أموالاً باهظة، وثقلاً آخر يقع على أهل الميّت، كاستئجار مُعرَش، وكراسي، وقهوجي، وما يلزمه من معدات القهوة، فضلاً عن تقديم طعام الغداء لثلاثة أيام، إلاَ أنه بالفترة الأخيرة، أصبح الكثير من العائلات تُعلن أن بيت العزاء يبدأ بعد صلاة العصر، لتجنب وجبة الغداء، وتقليل التكاليف الملقاة عليهم قدر المستطاع.
وبهذا الخصوص يقول الداعية عماد الداية: إن التكاليف التي تنفق على إقامة بيت العزاء حرام شرعًا، خاصة وإن كانت تنفق من أموال اليتامى، أي من أبناء المتوفى".
وتابع الداية في حديثه، "هي بدعة اجتماعية فرضت من قبل العادات والتقاليد الخاطئة، والأصل ألا يقام العزاء بالوجه الذي نراه اليوم، من وجود خيمة العزاء، وتكاليف الأطعمة المستمرة لثلاثة أيام، والخادم الخاص للقهوة، فصراحة هناك بذخ غير معهود".
وفي السياق ذاته، حيث نبه العلماء على بدعية التجمع في مكان العزاء، والبقاء فيه لمن لم يكن من أهل العزاء، وذلك لما فيه من إثقال ومشقة على أهل العزاء، ويكفيهم ماهم فيه من كرب وشدة.
ويوضَح الدايَة، أن حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، "اصنعوا لآل جعفر طعامًا، فقد أتاهم ما يشغلهم" معناه أن هذا الحديث أتى بجواز صنع الطعام لمن أشغلته المصيبة فقط، وهم أهل العزاء، فكيف يستجيز غيرهم البقاء والاستئناس في منزل العزاء؟ بل وتجاوز ذلك إلى أن يكون مجلس العزاء مجلس مرح ونكات وتعليقات سخيفة.