17-01-2019 04:08 PM
بقلم : الدكتورة ردينة بطارسة
أبيض كالثلج هو قلبي.. قال لها وكأنه يعتذر.. أسهمت وقالت في نفسها.. نعم صحيح... أبيض لأنه خالي من الحب... وبارد كالثلج ...الثلج.. ذلك الزائر الذي يوهمنا بصفاء نياته برداءه الأبيض المخادع .. يأتي على متن رياح تقتلع السكون .. يغلق الطرقات ويسد السبل.. وفي ذات الوقت أبيض.. بلون البراءة... كنت اعشق الثلج وانا صغيره.. ارقص فرحا عند اعلان عطلة الثلج... واليوم وقد كبرت وفهمت ما معنى كلام أمي حفظها المولى عن الثلج.. كانت تقول.. المجد لك يالله.. الثلج ضيقه ولزبه.. انشالله ما تثلج...صدقت يا أمي.. الثلج وان حمل لون الصفاء..لكنه يخفي تحته السواد والحقد والتلوث ...يغطي الجراح ولا يشفيها ...يبرد نيران الشوق ولا يطفئها ...هو الثلج بخارمتكثف ...وماء متجمد .ولكنه نهر متدفق من التحديات .. ليتني لم أستغرق كل هذه السنين... لأستوعب صدق كلماتك يا حبيبة... وأرى كم من قلوب حولي... بيضاء كالثلج فعلا ... فارغة وباردة...وكأنها ركن من زوايا ثلاجة الموتى ...نجلس اليوم نطالع ونراقب صور مؤلمة
لأطفال و نساء يموتون جوعا وبردا في مخيمات التشرد والتسلط. .صور أخرى لحوادث مفجعه لضباط أمن عام استشهدوا أثناء مهمات هدفت إلى حماية أولادنا من سموم المخدرات واحقاد المجرمين ...تاركين خلفهم أطفال وزوجات وأمهات مكلومات بجراح لا تشفى ... وغيرها الكثير من مشاهد الموت والفقر والمرض والجوع ..بقلوب متحجرة ..نقلب صورهم على صفحات مواقع التواصل...نحزن لبرهه ..ثم نستطرد نطالع صفحات ..رداحين السياسة و الفنانين وعارضات الأزياء ووصفات الطبخ ...وسخافات وفلسفات كثيرة .
كنت صغيره... ذكريات أيام الثلج تعيدني الى شوارع بلدتي الضيقة.. المتربعة على جبال سوف الحبيبة .. أراني الان.. أقبض بكلتا يدي على تلك الأطباق المغطاة الساخنه التي تحملني إياها أمي ..لأبعث بها إلى جارتنا الكبيرة بالسن ...أركض مسرعة حتى أعود وأحمل غيرها الى جارتنا التي ولدت من وقت قريب ...نعود ونذهب متلهفين الى بيت جدي وجدتي ..نطمئن عليهما ونتلذذ بالحلويات التي تخبئها لنا جدتي في خزائنا.. نلعب مع اولاد وبنات حارتنا.. نطلق صيحات حماسية عند انضمام والدي الى ميدان اللعب معنا.. نقفز بروح الانتصار عند الانتهاء من صنع رجل الثلج ذات الأنف الاعوج ..اين نحن اليوم يا أمي من هذا كله ...طقوس قروية رائعه ..طقس قارس البرودة وقلوب تفيض بالحب ..
اليوم نجلس في بيوتنا المريحه ..نستمتع بالتدفئة وانواع عدة من الأطعمة...نحمل هواتفنا نتكلم في السياسة والاقتصاد والادب ونستمع اخبار كل بلاد العالم ... ولا نفكر إلا ما ندر أن نفتقد جيراننا في البيوت الملاصقة لبيتنا ...كيف هي أحوالهم ..هل هم بخير وصحه واكتفاء ...قد يفعلها البعض منا ..ولكن كثيرون لا يفكرون فيها حتى .
كم نحن فقراء اليوم ...كلنا احتياج.إلى قوة من نوع الهي لتحول الثلج الساكن في قلوبنا ..الى كرات من حب مشتعل ..
أيها الثلج البارد ...قد يكون عمرك قصير في الطرقات والجبال ..ولكن صقيع قسواتك وتحجر سطحك يبقى يسكن قلوب كثيرة سنين وسنين .
في هذا اليوم الكانوني البارد ..أصلي للعلي القدير ..أن يمسح لون الحزن عن الأمهات المكلومات ويحول لون الحقد والسواد في قلوب الكثيرين الى فرح وتفاؤل ....ثلج بنكهة عيد الحب أتمنى لكم جميعا ..وكل عام وانتم بخير... ردينة
...