29-01-2019 09:59 AM
بقلم : د. منذر الحوارات
لبغداد سحرها الخاص عندم يقع اسمها على سمع اي منّا، ففيها ماض تليد، وحداثة بشرت ذات يوم بأحلام لم تتحقق، وحاضر مؤلم تشي عن فجاعته كل نشرات الأخبار التي عُرضت على رأس كل ساعات العقدين المنصرمين، ومستقبل مأمول يحاول الساعون اليه تجاوز الدمار والموت لبلوغه.
ومدينةً آخرى عمان لصداها في القلب رجفات العشق، ربطها ببغداد حبلٌ سريّ، غذى كلاهما بحب وحياة، لم ينقطع ولكن ربط طرفيه علّهُ يتحلل ويتلاشى، ولكن ذلك لم يحدث، فرصيد الحب الكامن فيه غذى بقاءهُ ولو بأقل قدر من الحياة، لكنهُ لم يمت.
لكن ما الذي يجعل مدينتين بهذا القدر من التقارب يتباعدان؟ ورغم ألشك بأن سبب ذلك ليس أصيلاً فيهما لكن السياسة والحروب والحقد الدفين داخل أمم لا تسعى إلا الى مصالحها، قد يستثمر فرقة الآخرين ليحقق ذاته، فهؤلاء لا يستطيعون التطاول إلا بتقزيم غيرهم، وللأسف لا زالوا موجودين ومستمرين في سلوكهم الذي عُهد سابقاً.
فزيارتين ملكيتين لبغداد الفاصل بينهما عقد من الزمن، سبق الزيارة الاخيرة لقاء مع الرئيس العراقي وزيارة رئيس الوزراء لبغداد، ينبغي ان تكون كلها كافية لتحقيق الوصل الكامل، قد يجوز هذا الكلام فيما لو كان الامر متعلق بالطرفين الأردني والعراقي، ولكن في الساحة أطراف اخرى لربما لها رأي مختلف فما هو؟
في العادة يتم اتخاذ القرار السياسي الأردني متكيفاً مع حالة الإقليم وطبيعة التوازنات بين القوى الكبرى ومتسقاً مع مصالحها، فثلاث زيارات لعمان من قبل مسؤولين دوليين وأقليميين كبار، الرئيس المصري ووزير الخارجية الاميركي، ووزير الخارجية الفرنسي، ربما كانت كفيلة بوصول عمان لقناعة ان الزيارة مفيدة للإقليم كما هي لمصالح الاْردن.
اذاً فأحد الاطراف المهمة في العراق ليس لديه اي اعتراض اعني الولايات المتحدة الاميركية، فما رأي الطرف الاخر اعني ايران؟ وهذا بيت القصيد، فإيران التي يُعتبر توسعها الإقليمي وبرنامجيها الصاروخي والنووي هدفاً استراتيجياً للولايات المتحدة بإعتباره مزعزعاً للامن والاستقرار في المنطقة، وهي لأجل ذلك تسعى لإنشاء حلف غايته التصدي لها، والأردن واحد من الاطراف المرشحين كي يكون احد الأضلاع الرئيسة فيه.
فإيران احد اهم المحددات الرئيسية في علاقة اي دولة مع العراق، لما لها من تشابكات مهمة داخل النخبة السياسية، ووجود لوجستي على الارض يمكنها من ان تكون شريكاً مهماً للعراق في مجمل علاقاته الخارجية، وهذا يقودنا الى سؤال اذ طالما لإيران هذه المكانة، فهل ستكون راضية عن علاقة منفتحة وصحية بين الاْردن والعراق؟
المعطيات تشير بالسلب، فالذاكرة الايرانية محملة بمواقف سلبية عن الاْردن، فوقوفه الى جانب العراق في حرب الثمان سنوات، والتحذير الأردني في العام 2002 من خطر تكون هلال شيعي، بالاضافة لمخاوف إيرانية من استعادة العراق لعلاقاته العربية لما لذلك من اثر محتمل لاضعاف دور ايران في العراق.
فالمشاريع الاقتصادية المطروحة الان هي نفسها التي تقرر تنفيذها قبل عشر سنوات، ولم تزل بسب رفض ايران ومعارضتها وجعل الاتفاقات التي وقعت لا تغادر مكانها، ولا ترى طريقاً للتنفيذ، فهل تغير شيء؟
ربما من اهم المتغيرات ان لدى النخبة السياسية في العراق الان قناعة كبيرة ان ايران لن تكون الشريك الأمثل للعراق في التخلص من تداعيات المرحلة السابقة بإخفاقاتها الكبيرة، سواء على صعيد اعادة الإعمار او استعادة حياة سياسية بعيدة عن الاستقطابات الطائفية، كما ان العقوبات الاميركية على ايران حدّت كثيراً من فرص التعامل بدون قيود مع ايران، فحاجة العراق للطاقة الكهربائية مثلاً باتت تواجه صعوبة كبيرة كون مصدرها ايران، فبسبب العقوبات اصبحت الحاجة ملحة للبحث عن مصادر اخرى والأردن احد الخيارات المتاحة.
وغير ذلك الكثير من القضايا التي اصبحت تحتم على الساسة في العراق ايجاد خيارات موازية للخيار الإيراني، ربما بسبب الحالة الإقليمية والدولية التي اصبحت ترى في ايران خطر وفرصة اندلاع صراع مسلح معها ليس مستبعداً الى مالانهاية.
ورغم ذلك فلم يفت الاْردن إرسال رسائل مطمئنة لإيران، فاللقاء الملكي مع السيد عمار الحكيم ربما كان رسالة أردنية ان عمان ليس لديها تحفظ للتعامل مع اي من المكونات السياسية العراقية سواء من ترى في ايران حلّاً او من تراها عقبة، وربما يكون لهذه الاستراتيجية الاردنية دوراً مهماً في تذليل العقبات التي قد تضعها ايران في وجه اي تقارب عراقي اردني.
ومع اهميةً الزيارة وأهمية كل ما يمكن ان تحققه، فإن الوقوف عندها لن يكون خطوة صائبة فالأمر بحاجة الى زيارات وزيارات لتذليل الحجم الهائل الذي وضع في وجه العراق كي لا يستعيد مكانته الإقليمية والعربية، لأن في تلك العودة خطراً على من يستفيدون من بقائه رهيناً للحرب والضعف، لذا فالاردن مطالب بما هو اكبر من استعادة العلاقات الاقتصادية وربما السياسية، بل بإستعادة العراق إلينا واستعادتنا الى العراق.