11-02-2019 11:18 AM
بقلم : د. رياض خليف الشديفات
تعد التحولات الاجتماعية التي تحدث في مجتمعنا هي الأخطر على الإطلاق؛ لأنها تصيب النسيج الاجتماعي في مقتل، ولا أبالغ إذا قلت بانها هذه التحولات تنسف الأسس الاجتماعية التي يقوم عليها المجتمع، وهي الأخطر في تاريخ هذه المجتمعات المحافظة التي حافظت على كياناتها رغم التحولات السياسية التي كانت تعصف بالمنطقة، فالثابت الوحيد في تلك المعادلات هو النسيج الاجتماعي عبر محافظته على مورثه الاجتماعي بعاداته وتقاليده على ما فيها سلبيات.
فالمجتمعات الإنسانية في كل الأزمنة تسعى إلى استمرارها وبقائها واستقرارها بقيمها وعاداتها، والأنظمة السياسية والثقافية تهدف لنفس الغرض بنقل القيم والعادات من جيل إلى جيل، والسلوك الاجتماعي في المجتمعات يعبر عن هذا الأمر بجلاء ووضوح، ومقارنة بسيطة بين حال مجتمعنا وحال العديد من المجتمعات يدل على حجم هذه التحولات وخطورتها على سلامة المجتمع وتماسكه وأمنه واستقراره وقدرته على الاستمرار والبقاء والاستمرار مع وجود هذه التحولات التي زعزعت الأسس الاجتماعية لدى الفرد والأسرة والمجتمع.
ولعل أخطر ما في الأمر أن السيطرة الاجتماعية التي كانت توفر المناعة الاجتماعية والثقافية لم تعد موجودة، فالثقافة النفعية هي السائدة والغالبة، والنزعة التبريرية لكل السلوك والقيم تتعزز لدى قناعات الناس وسلوكهم، فالسرقة مبررة، والخيانة مبررة، والتهاون في الواجبات الشرعية والاجتماعية والوطنية مبررة، وتبدل المواقف والمبادئ مبرر، والفساد بكل صوره مبرر في ثقافة مجتمعنا، والأغرب والأعجب أنك تجد من يبرره ويدافع عنه، ومحاولة تطويع المجتمع لتقبل ونسف كل الثوابت الثقافية والاجتماعية تجري على قدم وساق عبر الإعلام والسياقات الاجتماعية والاقتصادية والمنظمات الدولية تحت غطاء العمل الإنساني والاجتماعي.
ويقف خلف هذه التحولات الاجتماعية عوامل منها: دور الإعلام، وضعف الإدارة العامة التي تسببت في الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية وتراكم ملفات الفساد التي انعكست على القضايا الاجتماعية، وغياب العدالة الاجتماعية ، وعدم الإحساس بالمسؤولية ، والشخصية المزدوجة ، وغياب دور التربية الحقيقي في عملية التوجيه والتوعية ، واقتصارها على البعد الشكلي الذي يركز على الكم على حساب النوع ، وعدم فعالية التعليم العالي في تنوير المجتمع وتوفير المناعة العلمية والثقافية والوطنية ، إضافة إلى الجهل بخطورة هذه التحولات ، والفقر الذي يحجب المسؤولية الاجتماعية، وعدم الفصل بين التحديات الخارجية والداخلية ، وتتحمل النخب السياسية والثقافية والإعلامية والتربوية الجزء الأكبر من هذا الواقع المؤلم .
د. رياض الشديفات / 10/ 2/ 2019م