17-02-2019 09:15 AM
بقلم : المهندس عامر عليوي
ما أشاهده يوميا على صفحات التواصل الاجتماعي وما يكتب عليها والمتصدرون للمشهد على هذه الصفحات يذكرني بمقولة ألبرت أينشتاين حينما قال: «أخشى من ذلك اليوم الذي تسلب فيه التكنولوجيا إنسانيتنا منا، حينها سيكون العالم قد مُلئ بالأغبياء».. لقد أصاب أينشتاين بوصفه هذا، الذي ينطبق على كثير من الناس في زماننا الذي نعيش، فالبعض فقد إنسانيته وقدرته على التمييز بين الحق والباطل، والإشاعة من الحقيقة، وأخذ يدمن الطبع والقص واللصق، ولم يعد يستفيد مما ينقله، فلا هو يعبر عن رأيه، ولا هو الذي اعتبر من رأي غيره.
قال الفيلسوف الإيطالي أومبيرتو إيكو: "أدوات مثل تويتر وفيسبوك تمنح حق الكلام لفيالقٍ من الحمقى، ممّن كانوا يتكلمون في البارات فقط بعد تناول كأس من النبيذ، دون أن يتسبّبوا بأي ضرر للمجتمع، وكان يتم إسكاتهم فوراً، أما الآن فلهم الحق بالكلام مثلهم مثل من يحمل جائزة نوبل. إنه غزو البُلهاء".
وانتشرت في الغرب عبارة تقول: "لا تجعلوا من الحمقى مشاهير"، والعبارة تعكس واقعا جديدا ومرعبا تمّكن من سحب رخصة القيادة من العقلاء والحكماء والأقوياء والفضلاء وتسليم الدّفة للحمقى والأغبياء والتافهين أو عديمي القدرة أو التجربة او المعرفة، واقتبس قولا للشاعر بيرم التونسي: "لولا النقد لامتطى الاراذل ظهور الافاضل، وبقدر ما يخفت صوت الناقد يرتفع صوت الدجال".
لا شك أن السوشال ميديا أتاحت المجال لفيالق من الحمقى الذين كان يمكن إسكاتهم قبل التقنية، كما يقول إومبيرتو إيكو لكن العجيب ان يتصدر هؤلاء المشهد العام وترى الناس يتهافتون على صفحاتهم لمتابعة ما ينشرون عليها ويتسارعون لإعادة نشر و/او الاعجاب والتعليق على ما ينشر هؤلاء، وجعل بيئة المجتمع مرتعا خصبا لانتشار ثقافة القص واللصق والنميمة، والميل للانغلاق الفئوي والشللي، وهنا يستلزم أن نتساءل عن سبب تعلقنا بـ «السوشيال ميديا» بهذا الشكل، ونحن نعلم عن دورها هذا في التأثير سلبا في حريتنا وأخلاقنا وأدمغتنا واستقرارنا! وإذا أدركنا ذلك، فهل بالإمكان عزل هؤلاء الحمقى المتصدرين للمشهد العام والتخفيف من مستوى تدفق منشوراتهم، لنوفر طاقتنا ووقتنا؟
المتابع لما ينشر على صفحات فرسان الكلام على وسائل التواصل الاجتماعي يشعر باننا أصبحنا بمجتمع يعج ببعض الأشخاص الذين يعتقدون أنهم مميزون، وعلى درجة كبيرة من الذكاء، ويتمتعون بصفات رائعة، لكن هم في الواقع ليسوا كذلك؟! هم كما قال عنهم أومبيرتو إيكو فيالق الحمقى يتمعون بثقة عالية بأنفسهم. وبإجماع العلماء والفلاسفة يعتبر الأغبياء أكثر الناس ثقة بأنفسهم، وكتب بيرتراند راسل، الفيلسوف البريطاني، في أواخر الثمانينيات من القرن التاسع عشر قائلا: "إن المشكلة مع العالم هي أن الأغبياء هم الأكثر ثقة والأذكياء مملؤون بالشك". والواقع الذي أصبحنا نعيشه كل يوم يثبت أن راسل كان على حق، إذ تظهر الأبحاث أن الأشخاص الذين يتمتعون بالكفاءة في الواقع هم أكثر عرضة للتقليل من قدراتهم، والأشخاص المؤهلين حقًا أكثر إدراكًا لمدى معرفتهم، ولديهم وعي أكبر بمجال خبرتهم بشكل عام، أما الأغبياء فهم غالبًا ما يبالغون في تقييم قدراتهم وهذا بسبب ثقتهم الزائدة في أنفسهم مما يجعلهم مزعجين للغاية.
الاغبياء يتوهمون بأنهم أفضل من غيرهم وغير المؤهلين لا يتقبلون فكرة وجود اشخاص أفضل منهم ويمتلك بعض الاغبياء ثقة عارمة معتقدين بأنهم عباقرة، الا انه يصدق فيه قول شكسبير: "الاحمق يعتقد انه ذكي" وينطبق عليه ما يسمى تأثير داننغ-كروجر والذي اطلق عليه علماء النفس المعاصرين ميتاكوغنيشن Metacognition (إدراك الادراك): انحياز معرفي يشير إلى ميل الأشخاص غير المؤهلين للمبالغة في تقدير مهاراتهم وتضخيم معلوماتهم وقدراتهم بسبب عدم قدرتهم على التنافس والمعرفة والتفريق بين الشخص الكفء وغير الكفء أو الأشخاص الذين يعانون من وهم التفوق. حيث أن هناك علاقة عكسية بين المعرفة في مجال التخصص «الخبرة» من ناحية والثقة بالنفس من ناحية أخرى حيث نجد أن الأشخاص الذين ليس لديهم معرفة كافية في مجال تخصصهم يزداد لديهم وهم التفوق والثقة بالنفس لدرجة أنها قد تصل إلى نسبة 100% وهؤلاء ينطبق عليهم ما قاله عالم الاحياء الشهير داروين: "الجهل يولد الثقة على نحو أكثر مما تفعل المعرفة".
كل هذا يدفعني للتساؤل ما هو الحل وكيف نوقف هؤلاء الحمقى؟ مجتمعنا سفينة نقودها نحن نحو بر الأمان ولكن فيها من يحرفها عن مسارها ويودي بها لأعماق سحيقة مظلمة، فلنكن أذكى من أن نسلِّم مقود السفينة للمشاهير الحمقى ونودي بأنفسنا للتهلكة. الأغلب سيقول: "أنا وحدي لن أصنع فارق" وأنا أقول: "ابدأ من نفسك" توقف عن متابعة حمقى السوشيال ميديا واضغط على زر "unfollow"، توقف عن مشاركة صورهم، توقف عن إبداء إعجابك بكل ما ينشروه ولا تضغط زر "like" أنت وكيانك وعقلك ومستقبلك وعائلتك ومجتمعك أولى بما تنفقه من وقت ودعم واقتداء بحمقى هم من دونك أنت لا يملكون شيء! لنتوقف عن جعل الحمقى مشاهير!
كما انني شخصياً انظر الى حمقى السوشيال ميديا بأنهم أدوات للتضليل والتشتيت والاستخفاف بعقولنا لا سيما شبابنا وأطفالنا ووضع لذلك خطة استراتيجية تكتيكية من دول العالم الأول لإبقائنا في الظلام، في مؤخرة العالم، متخلفين عن أقراننا من الأمم النامية والمتقدمة، ولم أكن أتوقع في يوم من الأيام إن السوشيال ميديا ستتحول إلى فوضى حقيقية، وسيصبح هناك قادة للبلوجرز والفيس والتويتر يعملوا على تقديم صحافة صفراء دون فلترته أخلاقية وقيمية ومجتمعية وفكرية من اجل الحصول على أكبر عدد من الإعجابات واعادة المشاركة (التشيّر) الأمر الذي أدى لأن تكون السوشيال ميديا ساحة وميدانا للنميمة والغيبة والذم والقدح واغتيال الشخصية كما شخصها جلالة الملك عبد الله الثاني في مقاله بعنوان: "منصات التواصل أم التناحر الاجتماعي؟" والذي أشّر فيه جلالته بقوة الى مواطن الخلل، وشخّص بدقة مكامن الخطورة في هذه الشبكات، إذا ما تحولت الى وسائل للتناحر الاجتماعي بدلا من أن تكون كما خُطط لها وسائل للتواصل الاجتماعي.
يستهين الكثيرون بتأثير الشائعات عبر وسائل التواصل الاجتماعي لكن الحقيقة أن مجرد المنشور الممتلئ بالأكاذيب المنتشر وسط مشتركي وسائل التواصل الاجتماعي ينجم عنه آثار متعددة مختلفة متفاوتة حسب صلة المتلقي بالموضوع والمنشور، كما تأثر عليه حسب الاستعدادات النفسية للمتلقي من شعوره بعدم المساواة في التنمية وعدالة التوزيع، بالإضافة إلى الظلم والفساد مما يهيئ أرضية خصبة للإشاعة بانتشارها وانتقالها على نحو واسع بين فئات المجتمع المختلفة الذين يتقبلونها بتغليب العاطفة على إرادة العقل مما يؤدي بالضرورة إلى نهج سلوكيات لها أثار مجتمعية وسياسة وأمنية. وتصف الكاتبة الأمريكية فرانسيس بوث في كتابها: (مصيدة التشتت: كيف تركز في فوضى العالم الرقمي) حالة التشتت الرهيبة التي يعيشها الجيل الحالي بسبب الإنترنت فتقول: "تجذب الهواتف الذكية انتباهنا بمهارة بعيدًا عن أي شيء وتشتتنا بالكامل. انظر! هناك ضوء يومض! حالة طارئة على كوكب العقل! إذا كانت هناك رسالة جديدة لا نستطيع مقاومة تفقدها، فالرسالة تعطينا مكانة، وتزيد من غرورنا بأنفسنا، شخص ما يحبني! رسالة واردة! يجب أن أراها!" فما بالكم وكيف سيكون حالنا اذا كان فرسان هذه الوسائل هم فيالق من الحمقى؟!!!!!!!!!!!!!!.
وختاما اتسأل: متى سنرى وعيا وصحوة ضمير بالأردن ونعمل حملة لرفض المشاهير الحمقى الخارجين عن عاداتنا وتقاليدنا وعدم متابعتهم أو تداول منشوراتهم مما سيؤدي الى انهاء هذه الظاهرة المريضة الغازية لمجتمعنا؟
ودمتم بحفظ الله .