26-02-2019 01:45 PM
بقلم : بسام الكساسبة
لإعتقادي الجازم أن مهمة الكاتب أو المفكر الحقيقي ليست التعليق على الأحداث إبان وقوعها، بل إستشعارها قبل حدوثها والتنبيه لخطورتها والدعوة لإيجاد حلول مسبقة ووقائية لها، كي لا يوصف بكاتب التدخل السريع، وإنطلاقاً من ذلك فقد سبق لي أن طرحت على الجهات الرسمية أزمة البطالة ليس بمقالات فحسب، بل وفي أبحاث علمية الأول صدر عام 2005، والثاني في عام 2008، وزعا على كبار مسؤولي الدولة حينها لكن دون جدوى، والثالث جاء ضمن داسة شاملة للاقتصاد الأردني بعنوان: (الاقتصاد الأردني 2000 إلى 2016 الأزمات، الإستتاجات، الأسباب، التوصيات)، التي إستغرق العمل فيها سنة ونصف تقريباً، وقد أنجزتها بمنتصف عام 2017، وتقع في 207 صفحات، وتغطي جميع القطاعات الاقتصادية: المالية العامة، والنقود والمصارف، الدين العام، التجارة الخارجية، الإستثمار، الطاقة، البطالة، الفرص الاقتصادية الإستراتيجية الواعدة التي أضاعها على الوطن كبار صناع القرار، أزمات الاقتصاد الأردني وأسبابها، الإستنتاجات، وأخيرا التوصيات.
ونظراً لأهمية موضوع التشغيل والبطالة وخطورته على الأمن الاقتصادي والإجتماعي للوطن، ولإرتباطه بحقوق الإنسان الأساسية، فقد خصصت لها فصلاً كاملاً من الدراسة، حللت واستعرضت فيه قوة العمل الأردنية وتركيبها، وأخطاء الجهات الرسمية في إحتسابها، حينما إستهدفت إظهارها بأقل من معدلاتها الحقيقية، كما أبرزت الأسباب الحقيقية للبطالة وفي مقدمتها فشل الجهات الرسمية بتحقيق التنمية الشاملة الراسخة والمستدامة ، وتداعيات البطالة الخطيرة على الأمن الاقتصادي والإجتماعي للوطن، كما تطرق البحث لإرتفاع نسبة البطالة بشكل أعلى لدى الإناث، في الوقت الذي تتباكي كثير من الجهات الرسمية على حقوق المرأة، ويتظاهر العديد من المسؤولين والمسؤولات بالسعي لتمكينهن من حقوقهن وذلك من قبيل الإستهلاك الشعبوي والدعائي.
طالبنا الحكومة في هذه الدراسة بتحمل مسؤولياتها في مواجهة أزمة البطالة من خلال تحقيق تنمية اقتصادية واستثمارية حقيقية وناجحة ومستدامة، تتولاها قيادات وكفاءات وطنية مؤهلة عملياً وعلمياً ومعروف عنها قدرتها على إنجاز المهام الصعبة وليس كفاءات شكلية وديكورية ممن تشكل عبئا على صناعة القرار الاقتصادي والاستثماري والتنموي، وأن تضع الحكومة إنجاز هذا الهدف الإستراتيجي في مقدمة أولوياتها وأهدافها الوطنية، وأن ينعكس ذلك فعلياً على معيشة المواطنين، وأن يتمكن القطاعان العام والخاص من توفير فرص عمل بأجور عادلة ومجزية للأيدي العاملة المحلية، وبغير ذلك تكون الحكومة قد إنتهكت أهم حق من حقوق الإنسان التي تضمنها الدستور الاردني، وتضمنها الميثاق العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة، الذي جاء في مادته رقم (25): (لكل شخص الحق في مستوى من المعيشة كاف للمحافظة على الصحة والرفاهية له ولأسرته، ويتضمن ذلك التغذية والملبس والمسكن والعناية الطبية وكذلك الخدمات الإجتماعية الإلزامة، وله الحق في تأمين معيشته في حالات البطالة والمرض والعجز والترمل والشيخوخة وغير ذلك من فقدان وسائل العيش نتيجة لظروف خارجة عن إرادته)، كما أكد الميثاق على حق الإنسان في العمل حيث نصت المادة رقم (23) منه على:
1. لكل شخص الحق في العمل، وله حرية إختياره بشروط عادلة مرضية كما أن له حق الحماية من البطالة.
2. لكل فرد دون أي تمييز الحق في أجر مساو للعمل.
3. لكل فرد يقوم بعمل الحق في أجر عادل مرضي يكفل له ولأسرته عيشة لائقة بكرامة الإنسان تضاف إليه، عند اللزوم، وسائل أخرى للحماية الإجتماعية).
لذلك؛ فحقوق الإنسان الأساسية ينبغي أن لا تُصَغَر وتُهمش، وتختزل بحقوق الناس في السجون والمراكز الأمنية وفي قاعات المحاكمات، بل أهم من ذلك ألف مرة هو ضمان حقوق الإنسان من خلال عمل السلطات الرسمية بكل جهودها لتوفير الحياة الحرة الكريمة لجميع المواطنين، وتوفير فرص العمل للباحثين عن عمل من مختلف التخصصات العلمية والمهنية وباجور مجزية تغطي كامل متطلبات معيشتهم الحياتية واليومية، وبغير ذلك تكون السلطات الرسمية هي المنتهك الأول والرئيسي لحقوق الإنسان.
لقد وزعنا نسخاً عديدة من هذه الدراسة على كبار مسؤولي الدولة الأردنية، ومنهم كبار مسؤولي الديوان الملكي، ورئيس الوزراء السابق، وعدد من الوزراء والمسؤولين الآخرين، لكن دون جدوى، لأن ما يميز كبار المسؤولين في الأردن عن نظرائهم في الدول المتقدمة اقتصادياً وصناعياً وتنظيمياً هو عداوتهم الشديدة للدراسات والأبحاث العلمية وخصوصاً الاقتصادية منها، لأنها تكشف حقيقة أدائهم الضعيف وفشلهم في إدارة شؤون الدولة الأردنية، وخصوصاً في الجوانب الاقتصادية والتنظيمية والإستثمارية، وثانياً إفتقارهم لحس المسؤولية والمبادرة لحل أزمات الوطن والتحديات الخطيرة التي يواجهها المواطنون، الذين لا يستجيبون لحل الأزمات (إن كانو حقاً مؤهلين لذلك) إلا تحت الضغط الشعبي القوي والمؤثر، لذلك نمت الأزمات الاقتصادية والإجتماعية وترعرعت شيئاً فشيئاً وتطورت وتكالبت على الوطن والمواطنين وازدادت حدتها وفي مقدمتها ازمة البطالة، التي بلغ معدلها في السنة الماضية 18.5% من قوة العمل، وبلغ عدد المتعطلين عن العمل 338 ألف شخص، هذا العدد الهائل والمرعب الذي له تأثير سلبي وخطير على عدد أكبر من السكان، وهم أقارب المتعطلين عن العمل كالزوجات والأبناء والآباء والأمهات والأشقاء القصر، خصوصاً وأن الحكومة الأردنية لا توفر إعانات بطالة إسوة بما تقدمه الدول المتقدمة اقتصادياً وتنظيمياً للمتعطلين عن العمل لديها.
إذا من حق المتعطلين عن العمل، ممن ساروا على أقدامهم من مختلف المحافظات إلى العاصمة عمان مواصلة إحتجاجهم السلمي ورفع أصواتهم عالياً في وجه المسؤولين، للمطالبة بحقوفهم في التوظيف والتعيين، الذي أكده الدستور الاردني، وأكدته الشرائع الدولية وفي مقدمتها الميثاق العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة، الذي جاء في مادتيه "23" و " 25" المذكورتان سابقاً، كما حث الميثاق في مقدمته على أهمية مطالبة الناس والمجتمعات بحقوقهم الإنسانية، فقد جاء في هذه المقدمة ما نصه الحرفي: (يولد جميع الناس متمتعين بحقوق متساوية غير قابلة للتصرف وحريات أساسية، وقــد التـزمت الأمـم المتحـدة بدعـم وتعزيـز وحمايـة حقـوق الإنسـان لكـل فـرد، وينبـع هــذا الإلتـزام مـن ميثـاق الأمـم المتحـدة الذي يؤكـد مـن جديـد إيمان شعوب العالم بحقوق الإنسان الأساسية وبكرامة الإنسان وقيمته، وفي الإعلان العاملي لحقوق الإنسان، ذكرت الأمم المتحدة بعبارات واضحة وبسيطة الحقوق التي يتمتع بها كل فرد بالتساوي مع غيره: "أنت صاحب هذه الحق، إنها حقوقك، إعرف حقوقك، وساعد في الدعوة لها، والدفاع عنها من أجلك أنت، ومن أجل الناس إخوانك")
لقد أوجد سير الباحثين عن عمل من الطفيلة والعقبة ومن باقي المحافظات نحو العاصمة، حرجاً كبيراً لكبار المسؤولين، الذين أغفلوا هذه الأزمة وتجاهلوها على مدار العقد الأخير، كما أخرج هذه الأزمة من حالتها الساكنة المتسترة إلى حالتها الفاعلة النشطة، ونأمل أن لا يكون هذا الإهتمام الرسمي من قبيل الفزعات الآنية التي سرعان ما تخبوا وتتلاشى، التي هدفها إسكات المحتجين وإمتصاص الغضب الشعبي المساند للمتعطلين عن العمل، فما يحتاجه الوطن والمتعطلون عن العمل هو عمل حكومي منتظم ومستدام من اجل توفير فرص عمل للمتعطلين عن العمل وبأجور مجزية.