03-03-2019 03:30 PM
بقلم : د زيد سكارنه
تعتبر الفيضانات ظاهرة هيدرولوجية طبيعية تؤثر على الإنسان وممتلكاته وتتزايد مخاطرها في المناطق الحضرية ، وتشكل تهديداً حقيقياً على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي فهي تعطل جهود وأهداف التنمية المستدامة. ناهيك عن دورها البارز في اختلال التوازن البيئي ، شهدت بعض مناطق عمان فيضانات كبيرة خلال السنوات السابقة، تأخذ طابع الفيضانات المفاجئة الجارفة التي تنتقل من نقطة الصفر الى الذروة في غضون أجزاء من الساعة أو خلال بضع ساعات، كان لبعضها اثار كارثية وخسائر بشرية ومادية. وقد تكررت هذه الفيضانات بصورة شبه سنوية خلال السنوات الخمس الاخيرة دون ان يتم ادارة مخاطرها بصورة فعّالة.
تتعدد أسباب الفيضانات والسيول فمنها ما هو بشري كالاستخدام المتعارض مع الاستخدام الأمثل للمجاري المائية والأحواض الساكبة، ومنها هو طبيعي مرتبط بالعوامل المناخية وقدرة المناخ على خلق عواصف مطرية بمقدورها إسقاط كميات كبيرة من الأمطار تفوق قدرة حوض التصريف على الحجز والتصريف كما حصل في 5-11-2015 ، فقد هطل 45 ملم في 40 دقيقة بمعدل يقارب من 70ملم / ساعة، وكذلك خلال المنخفض الجوي 28-2-2019 ، فقد كان الهطول المطري بحدود 149 ملم خلال 30 ساعة، ادت هذه الهطولات المطرية الغزيرة الى سرعة تشكل الفيضان وغمر اجزاء كبيرة من مدينة عمان لاسيما وسط البلد.
ولدراسة هذه الظاهرة لابد من الوقوف على اسبابها:
1. العواصف المطرية الغزيرة والمفاجئة التي تتميز بشدة الهطول المطري خلال فترة زمنية قصيرة، مما يساهم في زيادة حدة الفيضانات وتصريفها الاعظمي والذي يزيد عن قدرة التصريف للمنشآت المائية والعبارات والمصارف القائمة.
2. التوسع العمراني المتسارع غير المخطط له ، الأمر الذي أدى الى زيادة استجابة حوض التصريف للجريان السطحي بانخفاض قيم الفواقد من المطر الكلي للعاصفة المطرية، بالإضافة الى تغيير مسارات الأودية الطبيعية للجريان السطحي والتي استبدل معظمها بطرق معبدة كوادي عبدون وصولاً الى منطقة راس العين، مما قلل من قدرة الارض على امتصاص الماء وتخزينها في التربة.
3. ضعف كفاءة نظام تصريف مياه الأمطار ، بالإضافة الى أنها لم تصمم لاستيعاب العواصف المطرية التي يزيد هطولها المطري عن 30 ملم/ ساعة، يترافق مع عدم كفاية المعايير الهندسية والدراسات الهيدرولوجية اللازمة لتصميم المنشآت المائية والعبارات والمصارف حيث ان معظم هذه الدراسات لا تأخذ بعين الاعتبارات كل المتغيرات الحرجة التي توثر على تصريف الفيضانات.
4. اعتراض المجاري المائية الطبيعية بالمعيقات الحضرية والاعتداء على حرم الاودية، مما يؤدي الى تغيير مسارات جريان المياه واتجاهها الى المناطق المنخفضة كالأنفاق والساحات، الأمر الذي يؤدي الى تعاظم مخاطر الفيضانات.
5. غياب الدراسات الهيدرولوجية اللازمة لمشاريع التطوير الكبيرة والتي تزيد من شدة تصريف الفيضانات والاجراءات التخفيفية اللازمة للحد من شدة تصريف الفيضانات لتواكب سعة المنشآت المائية والعبارات والمصارف القائمة.
6. غياب التخطيط الاستراتيجي والمخططات الشمولية لتصريف مياه الامطار والخطط التنفيذية قصيرة ومتوسطة وطويلة الأمد وذات مؤشرات قياس قابلة للتطبيق لمرحلة ما قبل حدوث الفيضانات ، كخطط مواجهة مخاطر الفيضانات سواء أكانت تتعلق بالإجراءات الوقائية أو خطط تتعلق بمنشآت السيطرة على الفيضانات.
للتحكم بالفيضانات لا بد من تقييم بؤر الخطر ومستوى الأضرار المتوقعة للفيضان لتقدير مستوى تدابير الحماية من الفيضانات واختيار الملائم منها، تتحدد هذه الإجراءات والتدابير بعدة عوامل أهمها المنطقة المهددة بالفيضان ومميزاتها والعوامل المسببة للفيضانات.
بعض الاجراءات والحلول المقترحة
1. وضع مخطط شمولي لتصريف مياه الفيضان في مدينة عمان كاستراتيجية قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى قابلة للتنفيذ
2. دراسة شاملة لواقع الحال لكافة المنشآت المائية الخاصة بتصريف مياه الأمطار ضمن مدينة عمان.
3. تطوير الدراسات الهيدرولوجية بالأعتماد على اسلوب النمذجة الهيدرولوجية لحساب قيم التصريف الأعظمي للأحواض الساكبة ضمن المنطقة الحضرية كحوض وادي عبدون، ليتم تحديد الأودية الاكثر تأثيرا بالفيضان الكلي وهنا لابد من اتخاذ تدابير تؤخر مساهمتها بالفيضان الكلي كمنشآت السيطرة على الفيضانات كالخزانات الاسمنتية التي تعمل ضمن نظام تفريغ للاستفادة من السعة المحدثة عند تكرار ذروة التصريف خلال العاصفة المطرية.
4. الاعتماد على الدراسات الهندسية المختصة بالتحليل الهيدروليكي لمنشآت تصريف مياه الأمطار بهدف زيادة فاعليتها وكفاءتها وتعظيم طاقتها الاستيعابية.
5. تطوير قاعدة بيانات لتوفير البيانات اللازمة للدراسات الهيدرولوجية ولتطوير الدليل الوطني للحماية من الفيضانات ، تتضمن تحضير خرائط رقمية تفصيلية لبيان المناطق المهددة بالسيول والفيضانات المتكررة، وخرائط تبين البؤر الاكثر تضررا بالفيضانات، وتطوير وتحديث نشرات شدة العواصف المطرية( منحنيات الشدة والديمومة) .
6. تضمين دراسات الاثر البيئي للمشاريع الكبيرة كالفنادق والمستشفيات والمؤسسات التعليمية ضمن المنطقة الحضرية دراسات هيدرولوجية تهدف الى تصريف مياه الامطار وتخفيف مساهمتها بالفيضان .
7. الصيانة الدورية لشبكات تصريف مياه الامطار والاودية ومجاري السيول للمحافظة على طاقتها الاستيعابية بتصريف مياه الامطار وتخفيف اثار الفيضان.
8. إنشاء أنظمة الرصد والتنبؤ للتحذير من الفيضانات، و نظم الإنذار المبكر اعتماداً على المسجلات المطرية ومسجلات الشدة المطرية، من شأنها أن توفر البيانات اللازمة لإطلاق التحذيرات المناسبة للوقاية من الفيضانات.
9. الاستخدام الأمثل للأرض، إدارة استعمالات الأرض المهددة بالفيضانات بتبني الاختيار المدروس لمواقع المنشآت والمشاريع السكنية والاقتصادية وحمايتها من خطر الفيضان، ترتكز هذه الاختيارات على دراسات احتمالية تكرار الفيضان وفترات .