07-03-2019 09:37 AM
سرايا - في رمضان الماضي خرج الآلاف من الشباب الأردنيين إلى الدوار الرابع للمطالبة بتغيير النهج الاقتصادي والسياسي في البلاد.
كان حراكاً مباغتاً، لم يكن بالإمكان صده فكان القرار بالإحتواء حتى بدا الأمر وكأنه حراك برعاية رسمية، وعكست المشاهد الرومانسية غير المسبوقة بين المتظاهرين وقوات الأمن والدرك هذا الانطباع.
أقيلت حكومة الملقي – على مضض – بعد تعاظم المتظاهرين كماً ونوعاً، إذ ولأول مرة تشهد المملكة مشاركة طبقة الكريما في تظاهرات احتجاجية.
وقع الاختيار على شخصية تحظى برصيد شعبي لا بأس به لكنها محسوبة على (السيستم) .. تأخر الإعلان رسميا عن تكليف المنظر والمفكر والباحث الدكتور عمر الرزاز، وزير التربية في حكومة الملقي،رغم تسريب الخبر فور الإعلان عن استدعاء الملك للملقي لتقديم استقالته، مما أثار الشكوك حول وجود فيتو على الرجل داخل مطبخ القرار، ليس على شخصه،بل على توقيت انتقاله لموقع الرئاسة الذي كان يعد له أساسا.
جاء الرزاز وتنفس عدد من المتظاهرين الصعداء، وعقدوا آمالهم على الرئيس المكلف المشهود بنزاهته وفكره الإصلاحي التنويري، فيما انتاب آخرون القلق حيال صفة لازمت الرزاز في جميع المواقع الرسمية التي تقلدها، فالرجل يميل للمهادنة ويفضل الانسحاب على المواجهة عندما تصل الأمور لصدام مع مراكز القوى. ويبدو أن المخاوف كانت في مكانها.
منذ يومه الأول على رأس السلطة التنفيذية كان هناك شعور بأن ثمة من يسعى لإفساد تجربة الرزاز والتيار الذي يمثله – أي التيار الليبرالي -، صحيح أن الجهات السيادية سعت لهدنة مع الحكومة الجديدة، وعملت على ذلك من خلال الضغط على وسائل الإعلام أيضا، لمنح الرئيس عطوة ( فرصة) للخروج من الأزمة التي خلفتها صيغة مشروع قانون ضريبة الدخل.
لكن، وبعد انجاز حكومة الرزاز استحقاق قانون ضريبة الدخل بأقل الخسائر رغم أن الصيغة المعدلة لم تختلف من حيث النهج مع صيغة حكومة الملقي، خرقت الدولة العميقة الهدنة فكانت البداية بانتقاد وجهته مرجعية عليا للحكومة في لقاء مع صحفيين بواشنطن، بعد إقالة لينا عناب وزيرة السياحة، على خلفية فاجعة البحر الميت، ولغياب برنامج حكومي واضح .
ثم توالت الضربات ( من تحت الحزام) عبر حرب تسريب الوثائق وافتعال الأزمات والتجييش ضد الحكومة وسياساتها وتضخيم المشاكل وبث الشائعات .. الخ.
شخصية الرئيس وأخطاء فريقه الوزاري ساعدت خصوم الرجل في تحقيق مآربهم بل واستنزفت من رصيد الرئيس لدى مريديه ومؤيديه. مارس الرزاز لعبة الرقص على الحبل، منذ البداية سعى لإرضاء الجميع حتى لو كان ذلك على حساب قناعاته ورؤيته، والنتيجة الحتمية أن خسر الجميع.
وبدلا من قيادة البلاد نحو رؤيته النهضوية، اخذ يهرول لإرضاء المزاج العام فبدا ضعيفاً ومتردداً .. بالمقابل نجح الضحايا المحتملون للنهج الجديد في كبح عربة الرزاز وأغرقوه بالمشاكل الصغيرة حتى اشغلوه عن هدفه وغايته.
الرزاز ابن السيستم صحيح لكنه ابن بالتبني لا تتطابق صفاته الجينية مع باقي إخوته، ولا ينفك الرجل عن إثبات نسبه للسيستم من خلال سياسة المهادنة وبعض القرارات التي تتعارض وقناعاته المعلنة.
بيد أن كل ذلك لم يشفع له لدى الدولة العميقة التي لا تطمئن لمشروع ليبرالي يهدد مكتسبات مراكز قوى عديدة، والتي رفعت تدريجيا الغطاء عن الحكومة، حتى بلغت ذروتها اليوم لتتجسد قناعة لدى الرأي العام بأن الوقت قد حان لإعلان فشل تجربة الرزاز وبالتالي إقالة الحكومة رغم أن الجميع يدرك حتى أكثر المتحمسين لسيناريو الرحيل، بأن البديل لن يكون أفضل حالا.
بجميع الأحوال، وحده الرزاز من يتحمل مسؤولية ما آلت إليه الأمور، فقد قبل الرجل دخول اللعبة وهو يعلم قسوة شروطها وصعوبة الاستمرار بها إلا لمن يمتلك صفات استثنائية بالتأكيد ليست الطيبة والتردد في اتخاذ القرار إحداها.
وفي ظل المخاوف الأردنية من فرض الإدارة الأمريكية تسوية غير عادلة للقضية الفلسطينية ضمن ما يعرف بصفقة القرن ،التي ستكون المملكة اكبر الخاسرين فيها، فإن ترتيب البيت الداخلي وإنهاء الصراع والاشتباك بين مراكز القوى في الدولة قد يعجل من رحيل حكومة الرزاز قبل موعد الانتخابات البرلمانية في خريف 2020، وتشكيل حكومة تكون قادرة على مواجهة تداعيات المرحلة المقبلة الحبلى بمخاطر قد تهدد الكيان الأردني.
رأي اليوم