11-03-2019 03:44 PM
بقلم : د. فيصل الغويين
ثانياً: المناهج والكتب المدرسية
إذا كان اكتساب المعرفة والتكيّف مع المجتمع، وتنمية الذات والقدرات الشخصية هي غايات أساسية لأي نظام تربوي في كل عصر من العصور، فإن عصر المعلومات قد أضاف بعداً تربوياً رابعاً ألا وهو ضرورة إعداد الإنسان لمواجهة مطالب الحياة في ظل عصر المعلوماتية وما بعدها.
وبالرغم من ذلك فإن معظم مناهجنا الحالية لا تزال تقليدية في محتوياتها، وتكتظ بمادة تعليمية متضخمة على حساب تنمية مهارات التفكير، ويغلب عليها الطابع النظري والتلقين المعرفي على حساب الجانب التطبيقي المهارى، كما أنها ضعيفة الاتساق بين محتوياتها وأهدافها وبين قدرات الطلبة ومهاراتهم وميولهم وواقع المجتمع ومشكلاته وحاجاته، وعدم الاهتمام عند التقويم بالمستويات المعرفية العليا، هذا إلى جانب قصورها عن إعداد الأفراد للتعامل مع معطيات العصر ومستجداته بوعي وعقل نقدي.، فالعمل على تنمية المهارات الذهنية الأساسية كالاستنباط والاستقراء، والتحليل والتركيب علاوة على مهارات التواصل كتابة وشفاهة واستماعاً هي بمثابة البنية التحتية التي تقام عليها البنى المعرفية.
وعلى الرغم من الجهود الكبيرة التي تبذلها الوزارة من خلال إدارة الكتب والمناهج في تأليف الكتب وإخراجها والتكاليف المالية المرتفعة لطباعتها وتوزيعها بالمجان، فلا يزال كثير من الكتب الدراسية ضعيفاً من النواحي المعرفية والتربوية مقارنة بما نشاهده في الكتب الدراسية Text books)) التي تنشرها المؤسسات ودور النشر العالمية، لصالح المؤسسات التعليمية في الدول المتقدمة، مع تزويدها بكافة الوسائل التي يمكن أن يوظفها المعلم بهدف إيصال المادة العلمية بطريقة تربوية صحيحة.
إنّ سبب تواضع الكتب الدراسية المؤلفة يعود الى أن صناعة تلك الكتب بقيت في إطار هيمنة الوزارة التي تقوم بتكليف المختصين بتأليف تلك الكتب ضمن آلية بيروقراطية بطيئة التغيير والتطوير، ودون إعداد فني وإداري مناسبين، ومن ثم تدفعها إلى المطابع بالصورة التي تم تأليفها بها، مما يفقد العملية مقومات التجديد والإبداع، والتي يمكن أن تتحقق لو أوكلت عملية التأليف إلى دور نشر محلية ودولية مختصة، بناء على معايير المناهج والخطوط العريضة المعتمدة من قبل الوزارة.
ومن هنا جاء إقرار نظام تأسيس المركز الوطني لتطوير المناهج رقم (33) لسنة 2017 خطوة في الإتجاه الصحيح، وهو مركز يتمتع بالاستقلال المالي والاداري.
و حددت مهامه المتضمنة تطوير المناهج والكتب المدرسية والامتحانات وفقاً لأفضل الأساليب الحديثة، وبما يتماشى مع احتياجات المملكة ومسيرة التعليم الأمثل وفلسفة التربية والتعليم وأهدافها الواردة في القانون، وذلك من خلال:
أ- مراجعة وتطوير الإطار العام للمناهج والتقويم ابتداء من مرحلة الطفولة المبكرة وحتى الصف الثاني عشر، بما في ذلك النتاجات التعليمية العامة والخاصة بالمباحث جميعها واستراتيجيات التدريس والتقييم والتقويم.
ب- تطوير مؤشرات الأداء الرئيسة للمناهج وإجراءات التقييم والتقويم مع التركيز على النتاجات التعليمية للطلبة لكل مرحلة دراسية.
ت- تطوير الكتب المدرسية والمواد التعليمية وأدلة المعلمين.
ث- التنسيق مع الجهات المسؤولة عن تدريب المعلمين لتمكينهم من تطبيق المناهج بما في ذلك المواد التعليمية وإجراءات التقييم والتقويم.
ج- تطوير الاختبارات وامتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة وغيرها من التقييمات المستحدثة للطلبة. وقد بدأ العمل بهذا النظام من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية بتاريخ 15/4/ 2017.
وعلى الرغم من الجدل الذي دار ولا يزال حول المركز ومدى علاقته بالوزارة، وآليات عمله فانه من المبكّر الحكم على الفكرة قبل بدء العمل بإنتاج مناهج جديدة، وإن كانت المؤشرات الأولية تجعل تفاؤلنا حذراً.
ولذلك يجب الإعداد لموضوع المناهج والكتب المدرسية، وماذا نريد منها، ومواصفاتها، ومن يعدها، ومدى كفاءتهم العلمية والفكرية، من خلال حوار وطني يشارك به، المعلمون، والمشرفون المختصون، وأساتذة الجامعات، ومؤسسات المجتمع المدني، والمفكرون والمثقفون، للوصول إلى رؤية وطنية توافقية، تكون نقطة البدء لعمل مبني على تخطيط وإعداد جيدين، وإلا سنظل محكومين لرؤى فردية أحادية النظرة، متعالية على الواقع، ومنظرة عليه لا له، فالتعليم قضية وطنية، ويجب التعامل مع كل تفاصيلها من هذا المنظور.
ولكي تتوافق المناهج المطلوبة مع توجهات الفكر التربوي المعاصر، وتكون قادرة على الإسهام في بناء الانسان القادر على التعايش في ظل التحولات المجتمعية المحلية والعالمية فإنها يجب أن تسعى لتحقيق ما يلي:
1- تحديث مناهج التعليم باتجاه فتح مضامينها على ثقافة وقيم التسامح والمشاركة، واحترام الآخر، ونبذ العنف، والإعتراف بالحق في التنوع والاختلاف، وتأكيد مبدأ المواطنة، وإعلاء روح الجماعة والمصلحة العامة للحد من مظاهر الفردية والأنانية والتطرف والانغلاق.
2- أن تكون قادرة على إقامة توازن عقلاني بين الكم والكيف، وبين المعارف والمهارات، وبين ما ينبغي أن يظل مرتبطاً بالواقع المحلي والوطني والقومي من جهة، وبين ما ينمي القدرة على التفاعل مع المتغيرات المعرفية والقيمية العالمية.
3- أن تركز على تدريب الطلاب على تطبيق منهج النقد المجتمعي الذي يعتمد الدقة والموضوعية، وتنمية مفاهيم ومهارات النقد المعرفي والعلمي لدى الطلبة.
4- أن تؤكد على ضرورة إعادة قيم الانتاج المجتمعي، وتقديم ثقافة واعية بمشكلات المجتمع، بغية تكوين إنسان لديه وعي اجتماعي وقادر على المشاركة الإيجابية في حل مشكلات مجتمعه.
5- الابتعاد عن أساليب التلقين والحفظ، والتركيز على مهارات النقد البناء، والتنويع في الاستراتيجيات والأساليب التي تنمي التفكير العلمي لدى الفرد لتعينه على التفكير الإبداعي....يتبع