11-03-2019 03:51 PM
بقلم : أحمد محمود سعيد
يقول الله تعالى: " وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ".صدق الله العظيم والماء هو أساس الحياة على الأرض،وقد يكون هو سبب دمارها .
وإنّ سبعين بالمئة من جسم الإنسان يتكوّن من الماء، كما أنّ الماء يُكوّن ثلاثة أرباع كوكب الأرض، فالماء منحةٌ ربانية، واجبنا الحفاظ عليها لنا وللأجيال القادمة ,لأنّها المكون الرئيس للدم، ولصحّة الخلايا وتكوينها، كما أننا نحتاج إلى الماء للنظافة الشخصية والنظافة العامة ، فهو الذي يمنح الطبيعة ثوبها الأخضر، وهو الذي يمنح الجو الرطوبة التي تجعل درجات الحرارة محتملة على سطح الأرض, وعلى صعيدٍ آخر نحتاج الماء لتوليد وإنتاج الطاقة, فمن خلال المولدات التي تعمل على الماء نستطيع إنتاج الطاقة الكهربائية، كما يُستخدم أيضاً لأغراض الملاحة البحريّة والنهرية، حيث يتمّ تسيير السفن والبواخر والقوارب في ماء البحار والأنهار والمحيطات.
ويجب علينا أن نتخذ جميع تدابير التوفير التي تتعلق بترشيد استهلاك الماء، مثل مراقبة صنابير الماء، ومنع تسريبها، وتجنب الإسراف والهدر الذي لا داعي له، ومن المهم أيضاً حمايتها من أيّ مصدر من مصادر التلوث, كشبكات الصرف الصحي، وملوثات المصانع الكيميائية، والمبيدات الحشرية، والملوثات العضوية، لأن أي تلوث في الماء يُسبّب خللاً كبيراً وخطيراً في النظام البيئي ،كما إنّ الماء الذي في كوكبنا ليس حكراً على أحد، وواجب حمايته والحفاظ عليه من الهدر والتلوث هو واجب الجميع، ولحسن الحظ توجد الآن آلاف الجمعيات والمؤسسات العامة والخاصة التي تم تأسيسها والإشراف عليها للحفاظ على الثروة المائية، كما أنّ الاهتمام بالماء دعت إليه جميع الدول العالميّة للحفاظ عليه للأجيال القادمة كي نحيا في بيئةٍ متوازنة.
وتعتبر السنين القادمة حافلة بالنزاع على المصادر المائيّة بين الدول المختلفة نظرا لشح المياه العذبة لإستمرار الحياة بإعتبار انّ نصيب الفرد من المياه سنويا يجب ان لا يقل عن 1000 متر مكعب لتغطية إحتياجات الفرد المختلفة سواء قي الزراعة او الصناعة او الخدمات المختلفة تعتبر الدولة التي تقلِّ فيها حصّة الفرد عن 1000م3 من المياه من البلدان ذات الندرة المائيّة وبهذا المعيار العالمي تعتبر ثلاثة عشرة دولة عربيّة من تلك الفئة .وحسب تقرير البنك الدولي لعام 1993 فإن نصيب الفرد السنوي من الموارد المائيّة المتجددة والقابلة للتجدُّد في الوطن العربي سيصل عام 2025 الى 667 م3 علما انه كان 3430م3عام 1960 اي بانخفاض مقداره 80% .
ومعدّل موارد المياه المتجدِّدة سنويا في الوطن العربي 350 مليار متر مكعب وتغطي نسبة 35% منها عن طريق الأنهار ( النيل 56 مليار م3 والفرات 25مليار م3 ودجلة وفروعه 38 مليار م3) , وتُستغل 88%من المياه في الزراعة و 7%في قطاع الخدمات المنزلية و5% في الصناعة .
كما أنّ معظم الدول العربية لا تملك السيطرة عل منابع مياهها حيث أنّ تركيا وايران واثيوبيا وغينيا والسنغال وكينيا واوغندا تتحكم في 60% من المنابع .
كما ان تركيا واسرائيل إقترحت ظلما تسعير المياه وبالتالي لتتمكّنا من بيع المياه الدولية للدول الأخرى وللأسف وافقت بعض المنظمات على ذلك منها البنك الدولي ومنظمة الأغذية والزراعة (الفاو)وستقع الدول الفقيرة لمشاكل كبيرة جدّا قد تصل الى حد الخطورة على سيادتها .
وبالرغم من أنّ مساحة الوطن العربي حوالي 10% من مساحة اليابسة في العالم ولكن نصيبه لا يتعدّى حوالي 1.5% من اجمالي الأمطار في العالم بينما المشرق العربي نصيبه فقط2,. % .
كما ان العالم العربي يواجه العديد من التحديات , وكمثال على ذلك مياه دجلة والفرات المشتركة فيما بين سورية والعراق وتركيا تواجه افكارا ومشاريع تركيّة ليست من مصلحة الشعبين السوري والعراقي, وكذلك مطامع اسرائيل في نهر الأردن ونهر اليرموك والتي لها إجراءات عدوانيّة على النهرين وروافدهما إضافة لإجراءات إسرائيليّة عدوانيّة على الينابيع في الجولان المحتل وما زالت إسرائيل تعتدي على منابع ومجاري انهار الليطاني والحاصباني والوزاني في لبنان وكذلك تقوم اسرائيل منذ عدوان 1967 بسرقة المياه من الضفة والقطاع في فلسطين .
ويواجه العرب الشح المتزايد في مصادر المياه العربية مترافقة مع التزايد السكاني الذي يتطلب تحديد اولويات توزيع الموارد المائيّة و ترشيد استثمار واستهلاك المياه , و تنمية الوعي البيئي لمخاطر التلوُّث , ويجب عل العرب الإعتماد على الأساليب التكنولوجية الحديثة والعمل على مكافحة التصحر, والتكيُّف مع التغيُّر المناخي والحد من عوامله الضارّة , والإعتماد على المشروعات الإسستراتيجية الكبيرة مثل تكرير وتحلية المياه .
وتعمل كل الدول على توفيرحد الأمان المائي لشعبها مهما كلّف ذلك من مال او نفقات في السلم والحرب , وقد توقعت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم وكذلك المركز العربي لدراسة المناطق الجافة والأراضي القاحلة (أكساد) ظهور عجز مائي في المنطقة العربية يقدر بحوالي 261 مليار م3 عام 2030 والتي قدرت الأمطار الهاطلة في الدول العربية حوالي 2238مليار م3 منها 1488 مليار م3بمعدل هطول 300ملم على 20% من مساحة الوطن العربي وكذلك حوالي 406 مليار م3 على مناطق اكثر جفافا والهطول 100-300ملم بينما لا يتجاوز هذا المعدل عن 100 ملم في المناطق الأخرى .
وحسب نقاش وزراء الزراعة والمياه العرب فان الوطن العربي يملك مخزونا كبيرا من المياه غير المتجددة وتعتبر هذه المياه احتياطي استراتيجي ويُستثمر منها حاليا 5% فقط , وتقدر كمية المياه المحلاّة حوالي 11بليون م3 سنويا منها 4.5 بليون م3 محلاة وحوالي 6.4 بليون م3 مياه صرف صحي زراعي وصناعي .
اما حاجات الوطن العربي المائية ستزيد مع زيادة السكان التي من المتوقع ان تكون 753 مليون نسمة عام 2030 مقابل 221 مليون نسمة كانت عام 1991 , ويجب ان تكون تنمية الموارد المائية والأمن المائي من اهم اولويات الوطن العربي مستقبلا, ومن المتوقّع ان يصل العجز المائي في المنطقة 130 مليارم3 عام 2030 .
ولكي تكون هناك إدارة رشيدة لإدارة الموارد المائية وتعمل على ترشيد استهلاك الموارد المائية المتاحة ورفع كفاءة وصيانة وتطوير شبكات نقل وتوزيع المياه وكذلك تطوير انظمة الري ورفع كفائتها في الحقل وتغيير التركيب المحصولي وزرع انواع قليلة الحاجة للماء , و تنمية الموارد المائية المتاحة , والإهتمام بمشاريع السدود والخزانات والحفايروالعمل على تقليل فاقد التبخر , واضافة موارد مائية جديدة والمحافظة على الموارد المائية التقليدية السطحية والجوفية والبحث عن الموارد المائية غير التقليدية كمياه الصرف الصحي والتحلية . ومع ان كثيرا من الدول العربية تقع على البحار والمحيطات ويمكن تحلية مياهها, فدول الخليج عامّة تستخدم 75% من مياهها محلاّه اما الكويت فنسبة 95% من مياهها محلاّة .
وكمثال على الدول العربيّة التي اختلطت فيها تحديات كبيرة فيما بين شح المياه والمال والحروب وتبعات تلك الحروب من تدفق اللاجئين عليها هي المملكة الأردنيّة الهاشميّة , الذي استطاع ان يوصل خدمات المياه لحوالي97% - 94% من التجمعات السكنيّة .
وبالرغم من أنّ الحاجة الفعلية غير المعلنة للفرد من المياه سنويا 1700م3بينما الكميّة المتاحة فعلا للفرد سنويا 150م3 والتي هي اقلُّ من 10% من حاجته الفعلية , حيث كانت حاجة البلد عام 2009 من المياه 9,7بليون م3 والمتاح 1,9 بليون م3 والعجز 7,9 بليون م3 وقد تضاعف عدد السكّان منذ ذلك الحين , وقد وضعت الحكومة الأردنيّة استراتيجيّة وطنيّة للمياه للفترة 2016-2030, حيث بينت ان كمية المياه المتاحة 995مليون م3 والعجز 216 مليون م3 , وان التزويد المائي السطحي 27% من اجمالي التزويد الذي كان عام 2013 يبلغ259 مليون م3 وسيصل الى 280مليون م3 عام 2030 , وقد بلغت كمية المياه المتجددة العذبة المتوفرة 533 مليون م3 عام 2014,وبلغت حصة الفرد منها 95 م3 عام 2014 , وستكون حاجة الأردن من المياه في السنة 1211 مليون م3 بينما معدّل المتاح من مياه التزويد المتجددة اقل من 848 مليون م3, وتساهم المياه الجوفية من حوض الديسي حوالي 100 مليون م3 , بينما تساهم مياه الصرف الصحي المعالجة حوالي 125 مليون م3 , علما بان عدد الأحواض الجوفية 12 حوض (6 آبارفيها ضخ جائر ,4 آبار تضخُّ وفق طاقتها , 2آبار مستغلان) , وبلغ التزويد المائي للأغراض البلدية من الشبكات 429 مليون م3 عام 2014 حيث وصل للفرد منها 62 لتر يوميا من إجمالي معدل امداد 126 لتر للفرد اي ان الضياع والفاقد كان 64 لتر من الحصة اليومية .
وقد ارتفع عدد سكان الأردن من حوالي 6 مليون نسمة عام 2006 الى حوالي 10 مليون نسمة عام 2016 بسبب تدفق اللاجئين السوريين وكان العجز المائي حوالي 450 مليون م3 سنويا .
وتقع العقبة جنوب الأردن على البحر الأحمر تبعد حوالي 350 كم عن عمان ويكلف تحلية المتر المكعب وضخُّه ونقله حوالي ثلاث دولارات, وكان من المتوقّع ان يقوم مشروع ناقل البحرين بتوفير 100 مليون م3 بالمرحلة الأولى , وكذلك يمكن الإستفادة من التحلية لضخ 100 مليون م3 من نتائج التحلية لرفع مستوى البحر الميِّت ذات المياه المالحة .
سعة السدود العشرة الرئيسة في الأردن حوالي340 مليون م3 , وسعةالبرك والحفاير حوالي 100 مليون م3 , ومن اهم المشاكل كبر نسبة التبخُّر من تلك المياه إذ يبلغ معدّل التبخر 92% يستفاد من 8%(4%في الأرض و4% في السدود ) , ويستهلك القطاع الزراعي 510 مليون م3( 53% من المياه السطحية و61% من المياه الجوفية ),وقد بلغت خسارة الدولةبالمياه من الآبار غير القانونية حوالي ثلاثون مليون م3,وتمثِّل الأحواض الجوفية 70% من موارد مياه الشرب في الأردن .
ويعمل الأردن جادّا لطلب مساعدة الدول في دعم الإقتصاد عن طريق قروض ومنح لتنفيذ عدد من المشاريع الإستراتيجيّة ويقوم بتنظيم مؤتمرات وورش عمل داخل الأردن وخارجه ومنها :
مؤتمر مبادرة لندن 2019/ بعنوان الأردن نمو وفرص/ في لندن
طرح الأردن خلاله مشاريعه المائية الإستراتيجية ذات الأولوية للأمن المائي الأردني وعلى رأسها مشروع تحلية مياه البحر في العقبة بمشاركة سبع دول كبرى وصديقة .
قدمت مشاريع مائية كبرى بنظام BOT ( Build+Operate+ Transfer),وبكلفة اجمالية 1,5 مليار دينارللمشاريع الخمسة ومن المتوقّع ان ينتهي العمل بتلك المشاريع قبل نهاية عام 2022 .
وحيث ان اسرائيل تتباطئ في اقرار مشروع ناقل البحرين مع فلسطين والأردن منذ عام 2005 ستسارع الأردن لتنفيذ مشاريع منها تحلية مياه البحر في العقبة وبكميات تبلغ 30 مليون م3 لمنطقة العقبة أوّلا و70 مليون م3 لباقي محافظات المملكة سنويا مؤتمر
اسبوع المياه العربي الخامس /بعنوان نحو تنمية مستدامة لقطاع المياه والصرف الصحي/ في منطقة البحر الميت ,بمشاركة حوالي خمس واربعون دولة عربية وعالمية ومنظمات متخصصة وهو من تنظيم الجمعية العربية لمرافق المياه(اكوا ) بالتعاون مع وزارة المياه والري والشركاء الداعمين وقدمت اكثر من 39 ورقة عمل حول كيفية تنفيذ مشروع الصرف الصحي للملايين وماهية استغلال المياه العادمة والحمأه وغيرها .
وفي شهر تشرين اول 2018 عقد المؤتمر البيئي الثامن حول مصادر المياه وحمايتها في الشرق الأوسط وجنوب افريقيا ونظمه قسم الجيولوجيا بالجامعة الأردنية بالتعاون مع المنتدى الألماني العربي للدراسات البيئية
ومن المشاريع المستقبلية
1- فإنّ وزارة المياه تعمل على التحسينات اللازمة لزيادة الكفاءة والحفاظ على المياه العذبة واعادة استخدام وتدوير كل المياه المتاحة , والإستخدام الأمثل للموارد والحد من الفاقد الفني والإداري وكذلك على تحسين كفاءة استخدام الطاقة في معالجة وتوزيع المياه وادخال الطاقة المتجددة في المشاريع .
2- مشروع تحلية المياه الجوفية المالحة في آبار حسبان العميقةبطاقة 10- 15 مليون م3 سنويا .
3- مشروع تحلية المياه الجوفية المالحة العميقة في الحسا وبطاقة 20 مليون م3 سنويا على مرحلتين والمرحلة التالية بطاقة 50 مليون متر مكعب سنويا وعمل محطة تحلية في سواقة .
4- مشروع التوسعة الإضافية لمحظة خربة السمرا لإستيعاب 100 الف م3 اضافية وبذلك سيتم رفع الطاقة الإجمالية من 365 الى 462 الف م3 يوميا .
ومن اجل المحافظة على المصادر المائيّة المتوفِّرة يجب ان تتضافر الجهود الرسميّة والشعبيّة للمحافظة على الموارد المائيّة ومصادره من اي هدر او تلوُّث او ضياع اواستغلال او سرقة او إعتداء وتأتي مسؤوليّة الدولة والأجهزة الرسميّة فيها من خلال التشريعات والمتمثِّلة بالقوانين كقانون المياه وقانون البيئة وقانون العقوبات وغيرها وكذلك توفير اجهزة كافية للرقابة والتقتيش عن من يقوم بسرقة المياه او تخريب الشبكات او حفر آبار غير قانونيّة او بيع مياه بشكل غير قانوني وكذلك على الدولة تكثيف برامج التوعية والإ رشاد ودعم ترشيد ستهلاك المياه عن طريق تشجيع اسنيراد ادوات الترشيد بلا جمارك كما على الدولة دعم وتشجيع المبادرات والأبحاث والدراسات بخصوص تحسين إدارة المصادر المائيّة .
وتاتي مسؤوليّة الأفراد من خلال جمع مياه الأمطار وتخزينها لإستخدامها في الأعمال المنزليّة وريّْ المزروعات وكذلك إعادة استخدام مياه الأمطار في قطاع الإنشاءات وتشجيع تصميم وتنفيذ الأبنية الخضراء واستخدام الأدوات والمواد المساهمة في ترشيد الإستهلاك المنزلي .
ولعل ما سبق وصف للحالة المائيّة في العالم العربي وكمثال صارخ الحالة الأردنيّة ولكن يقال بان حروب القرن العشرين كانت حول البترول فإن حروب القرن الحادي والعشرين ستكون حول المياه حيث وضعت الباحثة والناشطة الهندية فاندانا شيفا كتابها “حروب المياه”، وتضع أمامنا مجموعة من الأرقام والاحصائيات المقلقة، فمن المتوقع في عام 2025 ان تكون هناك 56 دولة حول العالم تعاني ندرة المياه، وكان الرقم في 1998 حوالي 28 دولة، وسوف يكون هناك 817 مليون نسمة يعانون ندرة المياه في السنة نفسها، بينما كانوا 131 مليونا في سنة 1990، وفي العموم انخفض النصيب العالمي للفرد من المياه بمعدل الثلث منذ عام 1970، والسبب يعود الى زيادة عدد السكان في العالم، فضلا عن الافراط في استهلاك المياه، فقد تبين ان استهلاك المياه فاق بمرتين ونصف المرة معدل زيادة السكان، ويقال لدولة ما إنها تعاني نقصا حادا في المياه، إذا قل نصيب الفرد فيها عن 1000 م3 سنويا من المياه، أما إذا قل عن 500 متر مكعب، فإن حياة الأفراد وبقاءهم يكون مهددا, وفي بلد مثل الهند كان متوسط نصيب الفرد من المياه المتاحة سنويا 3450 م3، ولكنه انخفض في نهاية القرن العشرين إلى قرابة الثلث، حيث بلغ 1250 م3، ومن المتوقع أن يبلغ 760م3 في عام 2025.
إن الصراع على الموارد الطبيعية يشكل نقطة محورية في الصراعات العالمية قديم الزمان و حتى يومنا هذا، و هذه الصراعات تأخذ أشكالاً متعددة مثل الصراعات المسلحة و منها الباردة على شكل عقوبات اقتصادية و غيرها، تسعى من خلالها الدول الكبرى إلى فرض هيمنتها على دول العالم الأخرى، فقي فترة الاستعمار كانت الموارد الاقتصادية و الأيدي العاملة الهدف الاستراتيجي التي سعت إليها الدول الاستعمارية، و بعد الحرب العالمية الثانية تشكلت كتلتين عالميتين هما الكتلة الرأسمالية بقيادة الولايات المتحدة و الكتلة الشيوعية بقيادة الاتحاد السوفيتي السابق و هاتين الكتلتين حولتا الصراع إلى السيطرة على مراكز القوة و نشر إيديولوجيتيهما على نطاق أوسع، لكن سقوط القطب الشيوعي بنهاية الثمانينات من القرن الماضي سهّل للولايات المتحدة حق الاستفراد بالقرار العالمي ليتجه معها الصراع إلى تأمين مصادر الطاقة و فتح الأسواق العالمية أمام تجارتها تحت غطاء منظمة التجارة العالمية و غيرها من الأساليب المتنوعة.
إضافة إلى الأسباب الطبيعية حول استهلاك المياه و التي تتحول تدريجياً إلى أسباب لخلق صراع دولي و إقليمي، فإن الدول صاحبة المصالح تسعى أيضاً إلى خلق الصراع في الشرق الأوسط عبر الحديث عن أزمة للمياه في هذه المنطقة، و تسعى إلى تجسيد هذا الصراع عملياً عبر خلق أزمة مياه في كل من سوريا و العراق بإقامة سدود ضخمة في تركيا و حرمان هاتين الدولتين من حصتيهما الطبيعيتين من مياه نهري دجلة و الفرات و محاولات إسرائيل المتكررة حرمان لبنان من مياه أنهار (الليطاني و الوزاني والحاصباني)، و المساعدة الإسرائيلية لإثيوبيا في بناء سدود ضخمة على نهر النيل مقابل سماح الأخيرة بهجرة يهود الفلاشا إلى الأراضي الفلسطينية، وقد تسبب محاولة بناء سد إثيوبي ضخم مؤخراً بتوتر شديد بين مصر و السودان من جهة و إثيوبيا من جهة أخرى كادت أن تفجر حرباً ساخنة بينها لولا تراجع الأخيرة عن قرارها بتعديل حجم السد بما يناسب الحفاظ على مخزون السدود في مصر و السودان ..
الصراع على المياه في الشرق الأوسط ربما يكون الصراع القادم و الطويل الأمد و هو سمة المستقبل لأن تحقيق الأمن المائي من الأولويات التي تفرضها المرحلة المقبلة، ففي دراسة حول الشرق الأوسط لمعهد الدراسات الإستراتيجية في لندن في العام 1989 جاء أن السنوات العشرة التالية ستشهد حرباً للسيطرة على مصادر المياه بسبب تزايد عدد سكان المنطقة و زيادة برامج النمو الاقتصادي و تراجع و نقصان الكميات المتوفرة من المياه، و هذا النزاع سيؤدي إلى تحطيم الروابط الهشة بين دول هذه المنطقة، و تطرق مساعد و زير الخارجية الأمريكية (هارولد سوندرز) في تقرير له حول الشرق الأوسط إلى أن الخطر لا يأتي فقط من النزاع على النفط بل إن هناك مصدراً آخر للقلق في المنطقة و هو ندرة المياه، مضيفاً أن هذه المسألة سوف تحظى باهتمام القادة السياسيين على نحو متزايد خلال السنوات القادمة, وأشار الكاتب الأمريكي جول كولي في كتابه (حرب المياه) إلى أن منطقة الشرق الأوسط سوف تشهد حرباً على المياه بعد نفاد النفط ، حيث أن خطط التنمية سوف تعتمد على المياه فقط ، و جاء في مقال لنائبة رئيس معهد الموارد المائية الأمريكية أن أي اتفاق سلام لا يعالج مشكلة المياه بين إسرائيل والدول العربية لن يكتب له النجاح لأنه سيتسبب في صراع باستمرار ,لذلك فإنّ تأمين المستلزمات المائية و تحقيق الأمن المائي يشكل تحدياً كبيراً للقادة السياسيين في المستقبل القريب و هاجساً يشغل العارفين بخفاياها و أخطارها و هي أزمة قديمة متجددة ستتفاقم مع التزايد السكاني الحتمي الذي يرافقه تزايد في الحاجة إلى الماء، الأمر الذي يضع الأمن المائي في مقدمة الأولويات الملحة باعتباره رافداً للأمن الغذائي و التفوق العسكري و التنمية الاقتصادية و التطور الاجتماعي، و ذلك بوضع خطط من شأنها المساهمة في تقليل الصرف الآني عبر ترشيد الاستهلاك و اعتماد الوسائل الحديثة في الزراعة التي تقلل من صرف المياه، و التوجه إلى المواطن من خلال برامج إعلامية تثقيفية تهدف إلى إظهار مساوئ هدر المياه و تشجع ثقافة الصرف ضمن أقصى الإمكانات التوفيرية الممكنة، و البحث عن مصادر أخرى تمدنا بالمياه العذبة بتكرير مياه الصرف الصحي و إعادة استخدامها في الزراعة و تحلية مياه البحر للاستخدامات البشرية .
و إذا كانت الدول الغربية خاضت وتخوض حروباً الآن من أجل السيطرة على آبار النفط في عالمنا العربي، فإنها ستخوض حروبها المستقبلية من أجل الاستيلاء على منابع المياه الوفيرة .
حمانا الله من طمع الأعداء وحروبهم العدوانية وحفظ الله ثرواتنا واهمها المياه هبة الله لخلقه ,وكان الله في عون الآردن شعبا وقيادة في مواجهة التحديات الصعبة .
أحمد محمود سعيد
البناء الأخضرللإستشارات البيئيّة
ambanr@hotmail.com