14-03-2019 11:52 AM
بقلم : اسامة الاسعد
كثر الكلام حول السلبية و الإيجابية لا سيما من مواطنين حاليين و لكنهم مسؤولين سابقين و بالتالي النقد أو الدفاع لديهم مبني على أسس مختلفة غير موضوعية في احيان كثيرة، و تنظيرية على احسن تقدير. الأهم ان هؤلاء المواطنين شرعوا في تصنيف الناس على تلك الأسس دون اي داعي او اي تفويض، و كأن النقد نقيض الوطنية و المديح هو الوطنية بعينها، و الحديث هنا ليس عن النقد الشائع غير العلمي و غير الواقعي أيضاً إذ قد يكون حول شائعات ملئت ارجاء البلاد بسبب الفراغ الذي فتحته الحكومة على مصراعيه، و لكن المقصود هنا هو النقد البناء الذي يصف المشكلة و أحياناً يطرح لها الحل، فذلك أمر غير لائق و تصنيف أصحابه غير لائق أيضاً، سيما و ان هؤلاء المسؤولين السابقين يرون ان مثل هذا النقد يبعد الاستثمار ! و كأن المستثمر يهتم سوى بالبيئة التشريعية المشجعة المستقرة لإستثماره، او كأن المستثمر يهتم بما عدا الربح و هذا حقه بكل المقاييس، و هنا نتحدث عن كل المستثمرين و عن كل أنواع الاستثمار.
إذ لا يحق لأحد ان يكمم قولاً طيباً ينتقد و يقدم البديل، و لا يحق لأحد ان يصنف الناس على هواه، كما لا يحق لأحد ان يهاجم المسؤولين السابقين فقط لأنهم على قيد الحياة، الاحترام المتبادل مطلوب و النقاش الموضوعي مطلوب و صحي و مفيد لأصحاب القرار إن شاء احدهم ان يقرأ.
إن الركض خلف اي قرار حكومي يصيب العامة و الدفاع الأعمى عنه ليس من الوطنية في شيئ، على ان مديح الحكومة في اي قرار جيد ليس مطلوباً و ليس مهماً، فلا احد يشكر المواطنين الذين التزموا بقوانين الجباية الجائرة بالمقابل، بل و مجازياً يتم شكر غير الملتزمين من الناس بكثرة قرارات العفو ناهيك عن كثرة الاستثناءات التي تصب في صالحهم و أمثلة سرقة الماء و الكهرباء صارخة الوضوح شأنها شأن المتهربين من كل التزاماتهم الضريبية ولا احد يحرك ساكن، فهل هذه هي الإيجابية ؟ و هل هذه هي الرسالة التي علينا ان نوصلها للمواطن الملتزم ؟
الطامة الكبرى اليوم هي ان الغالبية العظمى من المواطنين يدفعون ثمن ما تقدم من سرقة، ناهيك عن دفعهم ثمن الفساد الإداري و المالي المستشري الذي يستعصي حله بالأدوات المتوفرة، على الأقل هذا ما نشهده جلياً واضحاً وضوح الشمس و من لا يراه فهو اعمى ولديه مشكلة، فهل الحل لمن لا يرى بإرادته ان يهاجم المنتقد البناء على انه سلبي و يهرب المستثمر ؟ اي منطق غريب عجيب هذا ؟
و في رأيي و مجددا فإن هذه الفوضى العارمة لا حل لها سوى قيام احزاب وطنية حقيقية و ليست ديكور، تبني برامجها المتكاملة و تطرحها على الناخب و تقنعه أو لا تقنعه، و تدخل البرلمان على أساس فكرها ولا شيئ آخر أبداً، فإن نجحت بأغلبية تشكل حكومة و تحاسب على ذات الأسس، أما الفريق الخاسر فيبدأ يعد العدة للقادم من الانتخابات و هكذا تتم المنافسة المحمودة و هكذا يفوز الوطن و تتكرس سمعته في الخارج و تقوى، حيث ستختلف الأحزاب المتمرسة فيه فقط على أساليب إعلاء شأنه، أما ان نستمر بدفن الرؤوس في الرمال في هذا الزمان، فهذا من الصعب ان يستمر.
ان الآليات و الأدوات البالية التي تدار بها الشؤون العامة اليوم في مختلف القطاعات، هي سبب كل المفاهيم المهترئة التي باتت ثقافة مجتمع مع كل آسف، و إن لم تتدارك السلطات الامر و تسعى هي دون غيرها لتجهيز كل ما يلزم من تشريعات لحياة سياسية حزبية حقيقية تطال حتى تعديل مناهجنا التربوية فتدخل الديمقراطية في ثقافة أطفالنا منذ اللحظة الاولى؛ فإن شيئاً لن يتغير، و دون ذلك لن ننعم لا بالعدالة ولا بسيادة القانون، و هذه المسؤولية الكبيرة مناطة بالسلطتين التنفيذية و التشريعية في هذه المرحلة و ليس صعباً إن أرادوا تجهيز خططهم و برامج زمنية لها مهما طالت و أساليب قياس موضوعية للنجاح و الفشل، و من ثم قد ندخل في الطريق الصحيح للنهضة و استشراف المستقبل لأولادنا و لأولادهم من بعد و هكذا.
لا شك بأن هناك معيقات و قوى شد مضاد لما لها من مصالح ضد اي تغيير، و لكن المستقبل لا ينتظر و الاجيال من الشباب تستحق العيش الكريم و المشاركة في صنع هذا المستقبل لهم و لوطنهم.