حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الإثنين ,25 نوفمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 38185

وزير التخطيط الاسبق الصمادي لسرايا :في معزوفة القروض الجديدة المُخفّضة للدَّين العام!

وزير التخطيط الاسبق الصمادي لسرايا :في معزوفة القروض الجديدة المُخفّضة للدَّين العام!

وزير التخطيط الاسبق الصمادي لسرايا :في معزوفة القروض الجديدة المُخفّضة للدَّين العام!

18-03-2019 11:28 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : د. تيسير رضوان الصمادي

أثارت التصريحات الحكومية حول مساهمة القروض الجديدة في تخفيض حجم الدين العام ردود أفعال وصلت إلى حد التهكم والتشكيك في أهلية الفريق الإقتصادي! وقد تلقيت العديد العديد من الأسئلة حول هذا الموضوع وأجبت عليها بشكل مباشر، ولكن ما لمسته من استمرار التساؤل، وفي تفسير تلك التصريحات بطريقة مُضللة وبعيدة عن الموضوعية والدراية بأبجديات الإقتصاد وإعداد الموازنة العامة، دفعني للإدلاء بدلوي في هذا الموضوع بشكل موسع ومبسط، رغم ما فيه من بعض الجوانب الفنية، عسى أن يسهم ذلك في إنهاء الإرباك الذي ولّدته تصريحات الحكومة وما تبعها من تحليلات كان بعضها بعيدا كل البعد عن المنهجية العلمية المحايدة؛ حتى لا أقول بأنها كانت على منهجية "عنزة ولو طارت"!

أولا: من حيث المبدأ فإن تخفيض حجم الدين العام، من حيث القيمة المطلقة، لا يمكن أن يتحقق طالما بقيت الموازنة العامة وموازنات الوحدات الحكومية تسجل عجوزات مالية؛ علما بأن تعريف الدين العام هو "العجز المتراكم في الموازنات الحكومية على مر السنين"! والحالة الوحيدة التي يمكن أن يتراجع فيها حجم الدين العام في سنة ما، مع وجود العجز المالي، هي أن يكون صافي المسحوبات من أقساط القروض المحلية والخارجية (المسحوبات-التسديدات) سالبا؛ أي أن ما يتم تسديده في ذلك العام من أقساط الديون القائمة يفوق ما يتم سحبه من القروض، سواء من المؤسسات الدولية أو من السوق المحلي.

ثانيا: فيما يتعلق بنسبة الرصيد القائم للدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي، فإن هذه النسبة تتراجع عندما يكون معدل النمو الذي يسجله الناتج المحلي الإجمالي، بأسعار السوق الجارية، أعلى من معدل الزيادة المسجلة في الرصيد القائم للدين العام.

ثالثا: ليس من الصحيح، مطلقا، الزعم بأن الرصيد القائم للدين العام يمكن أن يتراجع في حال تم الحصول على قروض جديدة تسهم في تحقيق "فوائض" في الموازنة، بحيث يتم استخدام تلك الفوائض في تسديد جزء من القروض القائمة؛ وهو ما ورد على لسان وزيرة الدولة لشؤون الإعلام/ الناطق الحكومي باسم الحكومة في إحدى المقابلات التلفزيونية! وذلك لأن موازنة التمويل يتم إعدادها بعد احتساب عجز الموازنة العامة، حيث تفصّل هذه الموازنة مصادر القروض، الداخلية والخارجية، التي سيتم استخدامها لتغطية العجز وأقساط القروض المستحقة. وعليه فإن القول بأن الحصول على قروض جديدة يؤدي إلى خلق "فوائض" في الموازنة العامة، لا يدل سوى على فهم ركيك لآلية إعداد الموازنة العامة، وكان الأحرى بمن لا يعرف أبجديات هذا الموضوع عدم الخوض فيه، لأنه لم يسهم سوى في إثارة المزيد من الفوضى واللغط!

رابعا: إن الزعم بأن الحصول على قروض جديدة بشروط تفضيلية، أي بأسعار فائدة أقل من سعر السوق وبفترات سماح وسداد طويلة، يمكن أن يسهم في تخفيض حجم الدين العام، أمر جدلي، ويعتمد على عوامل متعددة. فالأثر الذي ينعكس على عجز الموازنة العامة، في هذه الحالة، يتمثل بمستوى الفرق بين قيمة فوائد القروض التفضيلية الجديدة وقيمة فوائد القروض التي سيتم تسديدها، والتي حصلت عليها الحكومة بأسعار فائدة عالية؛ علما بأن هذه القروض يتم سدادها خلال فترة قصيرة، وربما بدفعة واحدة، كما هو الحال في سندات اليورو على سبيل المثال وليس الحصر! ولكن في ذات الوقت لا يجوز أن نتناسى أن القروض الميسرة تسدد على فترات طويلة مع فترات سماح قد تتجاوز خمس سنوات، وبالتالي فإن هناك مدفوعات فوائد إضافية ستتحملها الموازنة؛ سواء خلال فترة السماح أو خلال فترة السداد الطويلة، وعليه فإن الأثر المنعكس على العجز المالي في هذه الحالة ليس محددا، علما بأن الأثر على الرصيد القائم للدين العام سيتأثر فقط بمقدار الفرق بين مدفوعات الفوائد على القروض الجديدة والقروض المسددة، أي بمقدار انعكاسه على حجم العجز المالي، إن وجد! وقد كان من الأفضل أن تقوم وزارة المالية باحتساب أثر القروض الجديدة على عجز الموازنة العامة، وبالتالي على حجم الدين العام، قبل إصدار التصريحات التي تتسم بالعمومية وتفتقر إلى ما يدعمها من بيانات دقيقة في هذا الإطار، وأظن أن دائرة الدين العام في الوزارة قادرة على القيام بهذا الواجب! وهذا الأثر، في حال تحققه، سيسهم في الحد من تفاقم قيمة الفوائد المترتبة على المديونية والتي بدأت تتجاوز عتبة المليار دينار!

خامسا: تشير تطورات الدين العام، حسب البيانات الصادرة عن وزارة المالية، بأن إجمالي الرصيد القائم للدين العام قد ارتفع من حوالي (27.3) مليار دينار في نهاية عام 2017 ليصل إلى قرابة (28.3) مليار دينار في نهاية العام الماضي؛ أي أنه قد سجل تضخما يزيد قليلا عن (1.0) مليار دينار ونسبته (3.7%)! وبالتالي فإن الحجم المطلق للدين العام قد ارتفع، ولم يتراجع!


أما مؤشر نسبة الرصيد القائم للدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي، فقد تراجع بصورة طفيفة من (94.3%) في عام 2017 إلى (94.0%) في نهاية العام الماضي، علما بأن النسبة المسجلة في نهاية عام 2018 ما تزال نسبة "مقدرة" وليست "فعلية" لأنها تستند إلى رقم الناتج المحلي الإجمالي "المقدر" من قبل الحكومة لعام 2018. وعليه فإن النسبة الفعلية لن تظهر قبل إصدار بيانات الناتج المحلي الإجمالي لعام 2018 كاملا! وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذه النسبة قد ترتفع استنادا للمؤشرات المتاحة؛ فقد نما الناتج المحلي خلال الأرباع الثلاثة الأولى من عام 2018، بأسعار السوق الجارية، بنسبة (3.8%) وهي نسبة مقاربة للنمو المسجل في الرصيد القائم للدين العام، مما يعطي مؤشرا أوليا على أن معدل النمو السنوي سيبقى يراوح حول هذا المستوى، في أفضل الأحوال، في ظل عدم تسجيل تطورات قطاعية استثنائية خلال الربع الأخير من العام الماضي! علما بأن تحقيق نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي التي تتحدث عنها الحكومة، أي (94.0%)، تتطلب نمو الناتج المحلي الإجالي، بأسعار السوق الجارية، في الربع الأخير من عام 2018 بنسبة لا تقل عن (5.2%)، ونرى أن من الصعوبة بمكان تحقيق ذلك في ضوء البيانات القطاعية والسعرية المتوفرة!

وفي هذا المجال لا مفر من الإشارة إلى أن بعض المسؤولين ومنهم وزراء عاملون يخلطون، عن قصد أو عن جهل، بين مؤشر الحجم المطلق للدين العام وبين مؤشر نسبته إلى الناتج المحلي الإجمالي، مما يخلق جوا من الإرباك والتضليل! ويحدونا الأمل بأن يتوقف هذا الخلط، وإلاّ سنضطر للإشارة إلى المسؤولين الحاليين والسابقين الذين يخلطون بين المؤشرين بالإسم الصريح؛ حيث لا مجاملة في العلم وأبجدياته!

أخيرا، ففي الوقت الذي نأمل فيه أن تتحقق توقعات الحكومة في تراجع مؤشرات الدين العام، في العام الحالي، سواء من حيث الحجم المطلق أو كنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي، فإننا لا نجد مؤشرات على وجود تطورات نوعية في الإقتصاد الوطني تدعم هذا التوجه، خصوصا مع الضغوطات التي بدأت تمارسها الولايات المتحدة لتقليص أو وقف الدور الأردني في إعادة إعمار سورية، وبطء أثر إعادة فتح الحدود مع العراق على الأداء الإقتصادي. ناهيك عن أن الواقع الذي تعيشه القطاعات الإقتصادية المختلفة والذي يتسم بارتفاع تكاليف الإنتاج وتزايد معدلات الضرائب والرسوم، وتراجع القوة الشرائية لدى المستهلكين والمنتجين وانعكاسات ذلك على تباطؤ أو تراجع الطلب المحلي الإستهلاكي والإستثماري، واستمرار ظروف عدم اليقين حول البيئة الإستثمارية في ظل البيئة الإقليمية المضطربة وعدم استقرار البيئة التشريعية وتباين التصريحات الحكومية، إلأى جانب إشارات مجتمع المانحين إلى نهاية عصر المساعدات والتوجه نحو المزيد من الإقتراض الداخلي والخارجي! كل ذلك يلقي بظلال من الشك على إمكانية تحقيق انطلاقة جديدة في معدلات النمو الإقتصادي وعلى إمكانية ضبط العجز عند مستواه المقدر في الموازنة العامة، وعليه فإن احتمال تراجع مؤشرات الدين العام يبقى أقرب إلى "الأماني" منه إلى مؤشرات وتقديرات ذات مصداقية!








طباعة
  • المشاهدات: 38185
برأيك.. ما خيارات ترامب للتعامل مع إيران بعد فوزه بانتخابات الرئاسة الأمريكية؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم