18-03-2019 01:45 PM
بقلم : اسامة الاسعد
الجباية بالمطلق هي في عصرنا هذا تحصيل الضرائب من الاشخاص و المؤسسات بغية الإنفاق على القطاعات السيادية كالجيش و الشرطة و التعليم، او نفقاتها (الدولة / الحكومة) الناتجة عن سياساتها الاقتصادية كدعم السلع و الصرف على البنى التحتية و كذلك التأمين على البطالة.
و الضرائب تكون على دخل الاشخاص و تكون على ربح المؤسسات و في التفصيل هناك ضرائب على الثروة و اخرى على المستوردات، و هناك الضريبة على القيمة المضافة و هي ضريبة غير مباشرة يدفعها المستهلك كلما اشترى سلعة خاضعة، و هناك علم مستقل بذاته يحكم فكر الضريبة بحيث من الممكن ان تؤثر ايجابا او سلبا على الاقتصاد الوطني بحسب ادارة و ظروف كل دولة، فالضريبة من ناحية تؤدي وظيفة مالية بحتة و من ناحية اخرى تؤدي وظيفة اقتصادية تفرضها حالة السوق من انتعاش الى انكماش و هكذا، كما ان الضريبة سياسة بكل تأكيد، فهي قد تستخدم لحماية الانتاج الوطني مثلا او في حال ارتأت الدولة استخدامها لغايات جذب الاستثمار.
كما ان لها وظيفة اجتماعية لناحية تحقيق الاستقرار و العدالة الاجتماعية عن طريق اعادة توزيع الدخل بين القادر و المعسر داخل اي مجتمع.
اما عدوها الاساسي فهو التهرب مهما كانت مبرراته، سواء اخلاقية او تنظيمية بدواعي اقتصادية، و يساعد كثيرا نوع الجزاء الذي تفرضه الدولة على المتهرب و كذلك جديتها في تنفيذ الجزاء، على ان ارتفاع الأعباء الضريبية و الشعور بإنعدام العدالة يفقد المكلف بالدفع وازعه الوطني فيشرع بالتهرب، كما ان انعدام الشفافية لدى الدولة ايضا يعد سببا للتهرب إذ تنعدم الصراحة لدى المكلف بالدفع كنتيجة مباشرة، حيث يبدأ في ممارسة نشاطات اقتصادية لا يفصح عنها.
و عليه تعد الجباية / تحصيل الضرائب العمود الفقري للاقتصاد و ادارة شؤون الدولة، فإن صلحت ادارة هذا الشأن صلحت احوال الاقتصاد الوطني في الدولة، اي دولة، و العكس صحيح.
اما في الحالة الاردنية، فالجباية لم تقتصر على الضرائب المباشرة و غير المياشرة، بل تعدتها الى فرض رسوم جزافية مختلفة على انواع عديدة من الخدمات الهامة الحيوية، ما ادى الى ازدواجية جلية و اختلالات هيكلية واضحة في الوعاء الضريبي ما اضر بمصالح الافراد و المؤسسات على حد السواء فأهلكت دخولهم و ارباحهم و اسهم ذلك في تكريس التهرب و انعدام العدالة لإنعدام الشفافية، شفافية ادارة الاموال المحصلة مقارنة بالخدمات المقدمة (مرتفعة التكاليف) و تقريبا في كل القطاعات، و الاهم دون طائل يذكر، اقصد ان تضحيات المواطنين لم تعد بالنفع لا على عجز الموازنات ولا على تقليص الدين العام كما اعتقدت الحكومة و سوقت للأمر، و مصطلح تضحيات هنا و في رأيي مناسب جدا حيث ان ارتفاع الضرائب المستمر و ارتفاع الرسوم الكثيرة المستمر بدا و كأن اقتصادنا في حالة انتعاش بينما هو حقيقة في حالة انكماش ناهيك عن فقدان قطاعاتنا المؤثرة كل ميزة مشجعة كانت قد اكتسبتها في الماضي القريب، فهرب الاستثمار، حيث هرب المستثمر المحلي الى غير مكان و غادرنا المستثمر الاجنبي حيث باتت المخاطر اكثر بكثير من الميزات.
و من الممكن ان نعزو قلة "بركة" الجباية على الحكومة بما يلي، مثلا و ليس حصرا :-
- كثرة و تعدد الهيئات المستقلة و ضعف انتاجيتها مقابل انفاقها لا سيما على الرواتب.
- كثرة الصناديق العامة و الخاصة، سواءا الهادفة الى الإقراض او تلك المستهدفة للتدريب و التشغيل، و تداخل اعمالها و صلاحياتها دون طائل يذكر لناحية تحقيق اهدافها المعلنة بالقانون، حيث لا انتاجية تسجل ولا تشغيل قابل للإستدامة و التطور، اضافة الى ضعف و احيانا انعدام الرقابة عليها.
- ضخامة الجهاز الاداري في البلاد في العدد لا في النوعية، ما اضعف من جودة الخدمة مقابل ثمنها المرتفع، و أرهق الموازنات العامة أيما إرهاق.
- ضعف الادارة العامة لناحية التخطيط السليم و القياس، قياس النتائج و المتابعة.
- سياسة الإقتراض المرافقة للعجز الدائم، إذ يذهب جله الى بنود الرواتب و التقاعد و سداد فوائد الدين، و ليس للإنتاج، ما يفاقم من المشكلات الاقتصادية سيما مع ما رافق من سياسات ضريبية يثبت فشلها في كل حين، على الخزينة و على المكلفين، و بالنتيجة على الاقتصاد الوطني برمته.
- سياسات استثمار فاشلة، اثمرت عن شركات مملوكة غالبيتها فاشلة ايضا بطبيعة الحال، و في هذا هدر معتبر للموارد.
- الآثار السلبية للخصخصة المتعجلة على افضل وصف لها، اقتصاديا و اجتماعيا.
- هروب الاستثمارات بسبب الضرائب المبالغ بها و ارتفاع كلف النشاطات الاقتصادية (خاصة الطاقة، النقل و تعدد الرسوم المرتفعة)، ما فاقم من البطالة و عمق من المشاكل الاجتماعية ناهيك عن هروب الكفاءات من بلد محدود الموارد، تعد الكفاءات من اهم موارده.
- عدم معالجة ملف الطاقة كما يجب لغاية الآن، على اهميته القصوى.
- تبني سياسات ريعية عفا عليها الزمن لا وصف لها سوى الهدر و مجددا زيادة نسب البطالة و كذلك البطالة المقنعة و هي اخطر على المدى البعيد، اقتصاديا و اجتماعيا، و هي قطعا ليست حلول.
- سياسة الفزعة التي لا تحل المشاكل بقدر ما تعقدها، فيما يراه اي مراقب لا اكثر من ردات فعل، فهي لن تعيد الاموال المنهوبة و لن تعالج التهرب الضريبي المتجذر و قطعا لن توقف سرقة الماء و الكهرباء.
- آخذين كل ما تقدم بالإعتبار و بالنتيجة، الترهل و الفساد، و انعدام الثقة بين الاطراف المعنية.
- و الأهم غياب الاحزاب الفاعلة في ظل غياب تام للحياة السياسية عن المشهد، فالبرلمان الأحزابي هو المشرع المرجو و هو الخبير في مثل هذا الشأن الذي نبحث، و هو الذي يضمن التوازن بين الجباية و الخدمات كما و نوعا، و هو الذي يشكل الحكومة و تجري محاسبته بحسب فكره و برنامجه الذي فاز بناءا عليه.
ان غياب المؤسسات المدنية الحقيقية التي تخطط و تبني للأجيال، و على رأسها البرلمان، كنتيجة مباشرة لغياب الحياة الحزبية الفاعلة هو المعطل الرئيسي للنمو و التقدم، قولا واحدا، إذ ان ذلك اساس راسخ لبناء الدولة المدنية لا بديل عنه، بل و من غير المعقول ان يستمر تعامل الحكومات المتعاقبة مع كتب تكليفها و التوجيهات الصريحة لها على انها روتين، فهي حتما ليست كذلك، فجلها وجه لتكريس سيادة القانون، العدالة، الاهتمام بالشباب و تحسين الاوضاع الاقتصادية من بين الكثير الكثير من البنود الهامة الأخرى، و منها ما وجه مباشرة للتخطيط للمستقبل بما في ذلك الوصول الى حكومات برلمانية تتأتى من حياة سياسية حزبية حقيقية و برامج تتنافس على تحقيق المصالح العليا للبلاد لا المصالح الضيقة لفئة قليلة من الشعب. و هنا اشير الى الورقة الملكية النقاشية الخامسة حول "تعميق التحول الديمقراطي : الاهداف و المنجزات و الاعراف السياسية"، التي اسهبت في طرح مسألة الحكومة البرلمانية كأولوية من ناحية و كحل لمعظم المشكلات و التحديات التي تواجه الاردن من ناحية اخرى، و كذلك الامر كممارسة سياسية لابد منها للتشاركية في صنع مستقبل الوطن، تلك التي ما تزال حبرا على ورق، بينما الأولى بالسلطتين التنفيذية و التشريعية البدء في العمل الجاد في هذا الاتجاه فورا، حيث لن يصح إلا الصحيح.