21-03-2019 08:59 AM
بقلم : أحمد محمود سعيد
لا شكّ ان عالم المحيطات التي تشكِّل ثلاثة ارباع سطح الكرة الأرضيّة لها عالم متكامل بمياهها واحيائها ونباتاتها واشجارها واحجارها وان تلك المكوِّنات جميعها لها بيئة بحاجة الى إهتمام الإنسان بها لجعلها عنصرا فاعلا لتحقيق التنمية المستدامة في مختلف دول العالم والمقصود ببيئة قاع المحيطات وسطحها وجميع مكوناتها .
المحيطات هي الجزء الأكبر والأعظم من الغلاف المائي الذي يطوق الكرة الأرضية وهذه المياه تحتل حوالي 71% من مساحة سطح الكرة الأرضية تقريباً أي ما يعادل 510 مليون كم3. وهي تتألف من مجموع مساحات المحيطات والبحار والبحيرات بعمق يبلغ متوسطه 3800م. ويبلغ عدد المحيطات التي تطوق كوكب الأرض خمسة محيطات ,والأرض هي الكوكب الوحيد المعروف أن له محيطا (أو أي كميات كبيرة مفتوحة من الماء السائل). حوالي 72% من سطح الكوكب (~3.6x108 كم2) تغطيها المياه المالحة حيث تقسم إعتياديا إلى عدة محيطات رئيسية وبحار أصغر، حيث ماء المحيطات تغطي ما يقرب من 71٪ من سطح الأرض. تحتوي المحيطات على 97% من مياه الأرض، وقد صرح علماء المحيطات أنه لم يتم استكشاف سوى 5% فقط من المحيطات ككل على الأرض. الحجم الإجمالي يصل إلى ما يقرب من 1.3 مليار كيلومتر مكعب (310 ملايين ميل مكعب) مع متوسط عمق 3,682 متر (12,080 قدم).
ولأنه هو العنصر الرئيسي للغلاف المائي للأرض، فإن محيطات العالم تشكل جزءا لا يتجزأ من جميع أشكال الحياة المعروفة، وتشكل جزءا من دورة الكربون، وتأثيرات وأنماط المناخ والطقس, هو الموئل ل 230000 من الأنواع المعروفة، وعلى الرغم من أن كثيرا من أعماق المحيطات تظل غير مستكشفة بعد فإن التقديرات تشير إلى أنه توجد أكثر من مليوني نوع من أنواع المخلوقات البحرية. إن أصل محيطات الأرض لم يزل غير معروف، لكن يعتقد أن المحيطات قد شكلت فترة مناخ حقبة الهاديان بالفعل وربما كانت هي الدافع ل نشوء الحياة .
والمحيط الهادئ يعتبر من أكبر المحيطات إذ تبلغ مساحته نصف مساحة الغلاف المائي وأكثر من ثلث مساحة سطح الكرة الأرضية وتبلغ مساحته حوالي 165.246 مليون كم2. وفي حال أضفنا إليه البحار الفرعية التابعة له كبحر اليابان وبحر الصين فستصبح مساحته حوالي 179.679 مليون كم2. يقع المحيط الهادي بين القارة الأميركية من جهة وقارتي آسيا وأوقيانوسيا من جهة أخرى ويحتوي هذا المحيط على أعمق نقطة بحرية في العالم وهي المعروفة باسم خندق ماريانا (11521 م) بالقرب من جزر الفلبين. لكن معدل عمقه يبلغ حوالي 4282 م. ويتصل بالمحيط الأطلسي عبر مضيق ماجلان في أقصى جنوب أميركا الجنوبية وبقناة باناما في أميركا الوسطى .
وثمّ المحيط الأطلنطي أو المحيط الأطلسي يقع بين قارتي أوروبا وأفريقيا من جهة والقارة الأميركية الشمالية والجنوبية من جهة أخرى كما أنه يمتد من القطب الشمالي حتى الأنتراكتيك. وتبلغ مساحته 82.4 مليون كم2 وترتفع إلى نحو 106.4 مليون كم2 في حال أضيفت إليه البحار المتفرعة عنه كبحر المانش وبحر الشمال وبحر البلطيق وينفتح على المحيط المتجمد الشمالي. وأعمق وحدة فيه هي وحدة بورتوريكو (9219 م) أما معدل عمقه فهو 3868 م.
وثم المحيط الهندي يقع بين قارة أوقيانوسيا من الشرق وقارة آسيا من الشمال وقارة أفريقيا من الغرب فهو لا يتصل بالمحيط المتجمد الشمالي وتبلغ مساحته حوالي 73443 مليون كم2 وقد تصل إلى 74917 مليون كم2 إذا أضفنا إليه بحر عمان والخليج العربي وخليج البنغال وبعض البحار الفرعية الأخرى وأعمق وحدة فيه هي وحدة جاوة البالغ عمقها 7455 م. أما معدل عمقه فهو 3963 م. ويتصل بالمحيط الهادي عبر مضائق عديدة موجودة في شرقه أهمها مضيق باس في أستراليا.
وكذلك المحيط المتجمِّد الشمالي حيث يشكل القطب الشمالي للكرة الأرضية ويحيط به على مساحة تبلغ حوالي 14 مليون كم2 تقريباً يغطيه الجليد بصورة دائمة وهو جليد دائم لا يرتكز على أية أرض يابسة فيه بعض الجزر التابعة لقارة أوروبا وأمريكا الشمالية وآسيا وفيه درجة الحرارة الأكثر انخفاضاً في العالم قد تصل الحرارة إلى 70 درجة تحت الصفر أعمق وحدة فيه بحدود 5440 ومعدل عمقه 1526 م.
واخيرا المحيط المتجمِّد الجنوبي حيث يتكون من الأجزاء الجنوبية للمحيط الأطلسي والمحيط الهادي والمحيط الهندي التي تحيط بقارة القطب الجنوبي وتقع مناطقه بعد خط عرض 45 جنوباً من كل محيط حيث تخف أو تنعدم كل التأثيرات المدارية وتتجمد مياهه معظم أيام السنة وأعمق وحدة فيه تصل إلى 6972 م، وتبلغ مساحته حوالي 20 مليون كم مربع .
تلك هي المحيطات الخمسة الرئيسة في الكرة الأرضية وقد خلق الله تلك المحيطات لتكتمل دورة الحياة والتنمية ببقيّة عناصر البيئة المختلفة على كوكب الأرض , وقد اهتمّ العالم بالبيئة بشكل جاد في مؤتمراستوكهولم (عام 1972) وبعد عشرين سنة اتفق زعماء العالم اجمع على ربط البيئة بالتنمية في مؤتمر ريو دي جانيرو (عام 1992) وشكّلت الأمم المتّحدة الهيئات الدوليّة المتخصِّصة بالبيئة والتنمية وكذلك اصدرت الأمم المتحدة المعاهدات والإتفاقات الدوليّة المختلفة وخاصّة المتعلِّقة بمكافحة التصحُّر والتنوُّع الحيوي والتغيُّر المناخي وانجزت العديد من البروتوكولات مثل حماية طبقة الأوزون وبرتوكول كيوتو والسلامة الإحيائيّة وغيره واصدرت الكثير من الدول استراتيجياتها وبرنامج عملها للقرن 21 واستمرّإهتمام العالم بالتنمية وخصوصا ما عُرِّف بمفهوم التنمية المستدامة وقد نشرت الأمم المتّحدة 17 هدفا للتنمية المستدامة وهي كبرنامج عمل للعالم لسنة 2030 وما يهمنا الهدف رقم 14 المتعلِّق بالحياة تحت سطح الماء واهمُّها المحيطات .
وأهميّة هذا الهدف 14 تكمن حيث يعتمد أكثر من ثلاثة بلايين شخص على التنوع البيولوجي البحري والساحلي فيما يتعلق بسبل معيشتهم .
وعالميًا تُقدر القيمة السوقية للموارد والصناعات البحرية والساحلية بمبلغ 3 تريليونات من الدولارات سنويًا، أو نحو 5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي .
وتحتوي المحيطات على زهاء 000 200 نوع محدد، ولكن الأعداد الفعلية قد تكون بالملايين ,وتستوعب المحيطات نحو 30 في المائة من ثاني أكسيد الكربون الذي ينتجه البشر، بحيث توفر حماية من تأثيرات الاحترار العالمي ,وتمثل المحيطات أكبر مصدر في العالم للبروتين، بحيث يعتمد أكثر من 2.6 بليون شخص على المحيطات كمصدر رئيسي للبروتين بالنسبة لهم , ويعمل في مصائد الأسماك البحرية، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة أكثر من 200 مليون شخص , وتساهم الإعانات التي تُقدم لصيد الأسماك في سرعة استنفاد أنواع سمكية كثيرة وتحول دون بذل جهود لإنقاذ وإعادة مصائد الأسماك العالمية وفرص العمل المتعلقة بها، مما يتسبب في خسائر بمبلغ قدره 50 بليون دولار من دولارات الولايات المتحدة كل سنة كانت مصائد الأسماك المحيطية يمكن أن تحققه .ولكن 40 % من محيطات العالم ‘متضررة بشدة من الأنشطة البشرية، ومن بينها التلوث واستنفاد مصائد الأسماك وفقدان الموائل الساحلية من قبيل الشعاب المرجانية وأشجار المنغروف (نباتات تعيش في البيئات الشاطئية المالحة ) والحشائش البحرية، وكذلك من جراء الأنواع المائية الغازية .
في حين تعمل فوائد الهدف 14 من اهداف التنمية المستدامة على منع التلوث البحري بجميع أنواعه والحد منه بدرجة كبيرة، ولا سيما من الأنشطة البرية، بما في ذلك الحطام البحري، وتلوث المغذيات، بحلول عام 2025, وكذلك إدارة النظم الإيكولوجية البحرية والساحلية على نحو مستدام وحمايتها، من أجل تجنب حدوث آثار سلبية كبيرة، بما في ذلك عن طريق تعزيز قدرتها على الصمود، واتخاذ الإجراءات اللازمة من أجل تحقيق الصحة والإنتاجية للمحيطات، بحلول عام 2020 .
ومن تلك الفوائد تقليل تحمض المحيطات إلى أدنى حد ومعالجة آثاره، بما في ذلك من خلال تعزيز التعاون العلمي على جميع المستويات ,وكذلك تنظيم الصيد على نحو فعال، وإنهاء الصيد المفرط والصيد غير القانوني وغير المبلغ عنه وغير المنظم وممارسات الصيد المدمرة، وتنفيذ خطط إدارة قائمة على العلم، من أجل إعادة الأرصدة السمكية إلى ما كانت عليه في أقرب وقت ممكن، لتصل على الأقل إلى المستويات التي يمكن أن تتيح إنتاج أقصى غلال مستدامة وفقا لما تحدده خصائصها البيولوجية بحلول عام 2020 ,وحفظ 10 في المائة على الأقل من المناطق الساحلية والبحرية، بما يتّفق مع كل من القانون الوطني والدولي واستنادا إلى أفضل المعلومات العلمية المتاحة بحلول عام 2020,وحظر أشكال الإعانات المقدمة لمصائد الأسماك التي تسهم في الإفراط في قدرات الصيد وفي صيد الأسماك، وإلغاء الإعانات التي تساهم في صيد الأسماك غير المشروع وغير المبلّغ عنه وغير المنظّم، والإحجام عن استحداث إعانات جديدة من هذا القبيل، مع التسليم بأن المعاملة الخاصة والتفضيلية الملائمة والفعالة للبلدان النامية وأقل البلدان نموا ينبغي أن تكون جزءا لا يتجزأ من مفاوضات منظمة التجارة العالمية بشأن الإعانات لمصائد الأسماك بحلول عام 2020,وزيادة الفوائد الاقتصادية التي تتحقق للدول الجزرية الصغيرة النامية وأقل البلدان نموا من الاستخدام المستدام للموارد البحرية، بما في ذلك من خلال الإدارة المستدامة لمصائد الأسماك، وتربية الأحياء المائية، والسياحة، بحلول عام 2030 وزيادة المعارف العلمية، وتطوير قدرات البحث، ونقل التكنولوجيا البحرية، مع مراعاة معايير اللجنة الأوقيانوغرافية الحكومية الدولية (اللجنة الفنية المشتركة بين المنظمة العالمية للأرصاد الجوية واللجنة الدولية الحكومية لعلوم المحيطات والمعنية بعلوم المحيطات والأرصاد الجوية البحرية) ومبادئها التوجيهية المتعلقة بنقل التكنولوجيا البحرية، من أجل تحسين صحة المحيطات، وتعزيز إسهام التنوع البيولوجي البحري في تنمية البلدان النامية، ولا سيما الدول الجزرية الصغيرة النامية وأقل البلدان نموا , وتوفير إمكانية وصول صغار الصيادين الحرفيين إلى الموارد البحرية والأسواق ,
وتعزيز حفظ المحيطات ومواردها واستخدامها استخداما مستداما عن طريق تنفيذ القانون الدولي بصيغته الواردة في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار التي تضع الإطار القانوني لحفظ المحيطات ومواردها واستخدامها على نحو مستدام.
وتعمل تلك الفوائد على جعل بيئة المحيطات في العالم مفيدة لحياة البشر ولكن كثيرا من الشركات العلميّة الإستشاريّة والجهات الأكاديميّة والعديد من الجامعات والعلماء على تسيير اللجان العلميّة لإستكشاف المزيد من الحقائق والمعلومات عن الحياة في المحيطات وخاصّة في قاع المحيطات وعلى سطوحها وقد تطوّرت صناعة الغواصات وخاصّة النوويّة منها بحيث اصبحت تغوص وعلى متنها العلماء الى أعماق أكبر كما ان الغوّاصات النووية بدون بشر تغوص الى عمق اكبر من ذلك .
ومن تلك الدراسات ما قامت به بعثة بقيادة بريطانيا لاستكشاف أعماق المحيط الهندي بنقل أول بث مباشر لها من غواصة تقل شخصين , ووفقاُ لصحيفة "ديلى ميل" البريطانية ، جاء البث الأول من عمق 60 مترًا "200 قدمًا"، في حين كان يصور البث تدفق الحياة في أعماق البحار لتصنيف محيطات العالم عبر كابل الألياف الضوئية , وستسلط بعثة نيكون، التي يديرها معهد أبحاث المحيطات نيكون، الضوء على تأثير ظاهرة الاحتباس الحراري تحت سطح إحدى أقل المناطق استكشافًا في العالم، وسيجمع البيانات ويكتسب فهمًا ضروريًا للنظام البيئي للمحيط الهندي ومعرفة ما إذا كانت هناك أنواع جديدة تتربص بها كما سيساعد المشروع، الذي تم الكشف عنه في مقر الكومنولث في لندن، على تعلُّم كيفية توزيع الحياة في البحار في مواجهة تغير المناخ , وستستكشف المهمة أيضًا الأثر الذي سيحدثه التغير المناخي على ما يقدر بنحو 2.5 مليار شخص في تلك المنطقة، من شرق إفريقيا وجنوب وجنوب شرق آسيا ويستخدم البث الجديد التكنولوجيا اللاسلكية المتطورة، وإرسال الفيديو بصريًا عبر الأمواج , واستمرت العواصف الموسمية والتيارات الشديدة تحت الماء في طرح تحد على أعماق أكبر، حيث بدأ العمل العلمي بجدية في سيشيل , وكانت وكالة أسوشيتيد برس هي وكالة الأنباء الوحيدة التي تعمل مع علماء بريطانيين من فريق أبحاث نيكون في مهمة في أعماق البحار تهدف إلى فتح أسرار المحيط الهندي , وقال رؤساء نيكون، إن هناك خرائط أفضل للمريخ من قاع البحر، وان 95 في المائة منها لم يتم استكشافها بعد , ومن المأمول أن تمكن البيانات التي تنتجها البعثة، العلماء من نمذجة الأماكن التي من المحتمل أن توجد فيها ملاحظات مماثلة في المحيطات,ويقوم فريق العلماء متعدد الجنسيات بجمع البيانات لمساعدة صانعي السياسات على صياغة تدابيرالحماية والوقاية
وتهدف الأبحاث والبعثات والدراسات المتعلقة بالمحيطات دراسة ما يتعلق بعلم المحيطات الذي يتعامل مع المحيطات بكل سماتها من حيث تحديد مدى هذه المحيطات وعمق مياهها، علم الأحياء البحرية وكيفية استغلالها, ويفسر علم فيزياء المحيطات الحالة الطبيعية لها وخصوصا توزيع المياه وأساس تكونها والتيارات المائية الموجودة
وعلم المحيطات هو ليس منهجا علميا قائم بذاته, بل تطبيقا موازيا لكثير من العلوم المتعلقة بالمحيطات, ويتناول علم المحيطات بصفة اشمل النواحي الفيزيائية (الطبيعية) والكيميائية والبيولوجية والجيولوجية علاوة على النواحي الأخرى المتعلقة بالظواهر الجوية لعالم البحار, وقد مكن التقدم العلمي والتكنولوجي علماء البحار والمكتشفين من إلقاء الضوء على كثير من أسراره الغامضة, بل ساهم تطور الأجهزة الميكانيكية والإلكترونية في تمهيد الطريق نحو جمع البيانات والعينات من الأعماق السحيقة للبحار والمحيطات بدرجة متناهية من الدقة, كما ساهم التوسع في استخدام تقنيات الاستشعار عن بعد, والتصوير الجوي، والصور الملتقطة عبر الأقمار الصناعية في أغراض البحث والتحري لعالم البحار لاسيما بعد اختراع الكابينات الغاطسة المقاومة لضغط المياه التي يمكنها النزول إلى أعماق تصل إلى حوالي (11.000) متر تحت سطح الماء, وتعمل آلات التصوير الذاتية تحت سطح الماء على تزويد المهتمين بمعلومات وافية حول طبيعة قاع البحر, والكائنات القاعية, والتيارات البحرية في الأعماق تجنبا للمخاطر الناجمة عن الغوص إلى الأعماق السحيقة .
وهناك العديد من الرحلات العلميّة الإستكشافيّة التي ساهمت في تزويد العلماء بمعلومات وصور وافلام ساعدتهم في وضع نظريات وتطبيقات لكي تكون المحيطات من سطحها حتى اعماقها عناصر فعّالة لحياة البشر والمخلوقات البحريّة وبالتالي ادوات لتحقيق التنمية المستدامة لحياتنا وبيئتنا ولأجيالنا القادمة ان شاء الله .