04-04-2019 11:53 AM
بقلم : د. تيسير رضوان الصمادي
في مقال سابق، نشر على موقع سرايا، أبديت تحفظاً حول التصريحات الحكومية التي أكدت أكثر من مرة على أن الرصيد القائم لإجمالي الدين العام بدأ يشهد تراجعا؛ سواء كنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي أو كقيمة مطلقة! وهذا ما بينته، فعلا، آخر البيانات المتاحة الصادرة عن وزارة المالية ودائرة الإحصاءات العامة! كما تشير هذه البيانات إلى أن السياسات الجبائية، التي تم اعتمادها بشكل مضطرد ومناقض للعديد من النظريات الإقتصادية، قد بدأت تؤدي إلى اشتداد حدة التباطؤ الإقتصادي، والذي قد يتحول إلى انكماش اقتصادي في حال بقيت الأمور على حالها ولم تبادر الحكومة إلى اتخاذ أجراءات تصحيحية تسهم في حفز جانبي العرض والطلب، وهو أمر يبدو مستبعدا في ظل إملاءات صندوق النقد الدولي وغياب الفعالية عن المطبخ الإقتصادي، إن وجد فعلا لا شكلا!
فحسب البيانات التي نشرتها وزارة المالية مؤخرا، نجد أن الرصيد القائم لإجمالي الدين العام قد ارتفع من قرابة (27,269) مليار دينار في نهاية عام 2017 ليصل إلى حوالي (28,308) مليار دينار في نهاية العام الماضي؛ مسجلا زيادة مطلقة تجاوز حجمها مليار دينار، أو ما نسبته (3.8%)! أما في نهاية الشهر الأول من هذا العام فقد بلغ حجم الدين العام حوالي (28,532) مليار دينار؛ مسجلا نموا نسبته (0.8%)، أو ما مقداره (224) مليون دينار! وإذا ما أخذنا بعين الإعتبار المبالغة في تقدير الإيرادات المحلية المقدرة في قانون الموازنة العامة للعام الجاري، كما تم بيانه بالتفصيل في مقالات سابقة، وفي ظل تعمق حالة التباطؤ بسبب الارتفاع في معدلات الضرائب والرسوم والبيئة الإقليمية غير المستقرة وتواضع القدرة على الوصول إلى سوقي العراق وسوريا، رغم إعادة فتح الحدود مع الدولتين، ناهيك عن تراجع تدفقات الإستثمار الأجنبي المباشر؛ وانعكاسات كل ذلك على مستوى النشاط الإقتصادي وبالتالي على حصيلة الإيرادات من الضرائب والرسوم، وبالتالي توسع العجز المالي، فإن هذه التطورات تشير إلى أن الحاجة إلى المزيد من الإقتراض الداخلي والخارجي ستتعاظم خلال الشهور القادمة؛ مما يعني أن حجم الدين العام سيزداد كنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي أو بالقيمة المطلقة! والمخرج الوحيد "السريع" من هذا المأزق سيكون من خلال الحصول على مساعدات من مجتمع المانحين تفوق المستوى الذي تم تقديره في قانون الموازنة العامة للعام الحالي، وهو أمر مستبعد في ظل ما بدأت تطلق عليه الحكومة شعور المانحين بالتعب أو الإرهاق من الإستمرار في دعم الموازنة العامة، رغم ما تحمّله الأردن من تبعات مباشرة وغير مباشرة لأزمات لم يكن له دور فيها، بل كانت نتيجة عن ممارسات لدول "شقيقة" و"صديقة" في المقام الأول!
من جانب آخر تشير بيانات الحسابات القومية، التي صدرت قبل أيام عن دائرة الإحصاءات العامة، إلى أن معدل النمو الإقتصادي، بأسعار السوق الثابتة، قد تباطأ مما نسبته (2.1%) في عام 2017 ليصل إلى (1.9%) في عام 2018؛ وهو أدنى معدل نمو يسجله الإقتصاد الوطني خلال العقدين السابقين! أما بأسعار السوق الجارية فقد سجل الناتج المحلي الإجمالي في عام 2018 نموا نسبته (3.7%) مقارنة بنمو نسبته (3.9%) في العام الذي سبقه؛ ليبلغ قرابة (29.9) مليار دينار! وفي ضوء هذه التطورات فقد بلغت نسبة الرصيد القائم للدين العام الإجمالي إلى الناتج المحلي الإجمالي (94.7%) مقارنة مع ما نسبته (94.3%) في نهاية عام 2017، في حين كانت التصريحات الحكومية تصر، مرة تلو أخرى، على أن هذه النسبة آخذة في التراجع وستصل إلى ما مقداره (94%) في نهاية عام 2018 وهو ما لم يتحقق، كما توقعنا وتوقع الكثير من المتابعين والمحللين؛ على العكس من إصرار الفريق الإقتصادي الذي تجاوز ذلك ليبشرنا بأن القروض الجديدة ستسهم في خفض حجم الدين العام، وهو ما يناقض المنطق العام قبل مناقضته لأبجديات علم الإقتصاد والمالية العامة، ولكن هذا الفريق لزم الصمت بعد ظهور هذه البيانات! ومن الجدير بالملاحظة أن معدل التوسع في حجم الدين العام قد بدأ يتجاوز، وإن بفارق طفيف لغاية الآن، معدل النمو الإقتصادي بأسعار السوق الجارية، وهو ما يعني في حال استمراره أو تزايده في المستقبل إنهاكا للإقتصاد وربما تعريضه لضغوط تضخمية مستقبلية.
وعليه فإن على الحكومة أن تسارع بإعادة النظر في سياساتها الجبائية التي أخذت تقلص من قاعدة النمو الإقتصادي، وتزيد من ضغوطها على المجتمع الدولي لضخ المزيد من المساعدات، بدلا من الخطاب الحكومي الجديد، وغير المسبوق، الذي يوفر تبريرا لموقف هذا المجتمع الذي قلب لنا ظهر المِجنّ ولم يلتزم بوعوده المتكررة لتعويض الإقتصاد الأردني عن خسائره بسبب أزمات المنطقة التي صنعتها أيد إقليمية ودولية! كما يجب على الحكومة أيضا، وخاصة فريقها الإقتصادي، التوقف عن حديث الأماني والتعامي عن الواقع الصعب والتقليل من حدة التحديات، والتوجه نحو عرض الأمور كما هي على أرض الواقع، بإيجابياتها وسلبياتها، للحفاظ على ما تبقى من "جيوب ثقة" بينها وبين الشارع، وللحد من توسع "عجز المصداقية" الذي بدأ يتزايد بصورة مقلقة خلال السنوات القليلة الماضية، وخاصة في عهد الحكومة الحالية والتي سبقتها والتي قال رئيسها "حاسبوني عند نهاية العام" ولكن الشارع أخرجه من الدوار الرابع قبل "موعد الحساب الموعود"؛ علما بأنه كان يدرك كغيره من رؤساء الوزارات أن مفهوم "المحاسبة أو المساءلة" غير مطبق في ظل البيئة السياسية القائمة!