14-04-2019 12:43 PM
بقلم : اسامة الاسعد
قامت الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979 ما خلق أزمات سياسية سيما مع العراق الذي سحب سفيره من طهران و كذلك فعلت طهران حيث سحبت سفيرها من بغداد، و اتهمت العراق إيران بقصف بلدات حدودية عراقية و عندها اعتبر العراق ذلك اعلان حرب، فبادر الى إلغاء اتفاقية الجزائر الموقعة مع إيران في 1975 بإعتبار مياه شط العرب كاملة جزءاً من المياه الإقليمية العراقية، و بدأت الحرب بين البلدين التي عرفت أيضاً بحرب الخليج الاولى و استمرت لثمانية سنوات (1980-1988)، فكانت الاطول في القرن العشرين، مخلفة حوالي مليون قتيل نصفهم من المدنيين و خسائر راوحت الأربعمائة مليار دولار أمريكي. و كان العراق مسلحاً أساساً بأسلحة سوفيتية في ذلك الحين، و لكن الولايات المتحدة و بريطانيا و ألمانيا ساعدوه سراً و علانية بأسلحة اكثر تطوراً كما ساعدوه على تحديث منظومة صواريخه و راداراته الدفاعية كي لا يخسر الحرب مع إيران. أما الممولين الرئيسيين للعراق خلال حربه مع إيران فكانوا السعودية، الامارات و الكويت فيما قارب نحو 50 مليار دولار أمريكي.
انهك الطرفين تماماً و لكن اعتبر العراق منتصراً، و بعد اقل من عامين على وضع الحرب لأوزارها، تحديداً في العام 1990 قام العراق بغزو الكويت على خلفية مشكلة في حصص انتاج النفط غير متفق عليها تلك التي اضرت به، و كذلك دين العراق الهائل بعد الحرب إضافة الى شعوره بالخيانة بعد ان دافع عن بوابة الوطن العربي الشرقية على حد قول نظامه وقتها، أما الولايات المتحدة فأبلغت العراق حينها ان لا شأن لها في صراع عربي داخلي و كأنها صرحت له بالغزو، ثم إنقلبت الأمور من أصدقاء بالأمس الى ألد الأعداء اليوم فإشتعلت حرب الخليج الثانية حيث شنت 34 دولة حرباً على العراق بقيادة الولايات المتحدة للتحالف بهدف تحرير الكويت و بإذن من مجلس الامن التابع للأمم المتحدة، كان ذلك عام 1991 ثم حرباً أخرى ثالثة عام 2003 هذه المرة بهدف تحرير العراق، و لكن لم تتمكن الولايات المتحدة هنا من حشد تحالف دولي كما حدث في الحرب الثانية، فلم يكن معها سوى بريطانيا فأسقط رأس النظام العراقي و دبت الفوضى.
و كانت الولايات المتحدة قبل ذلك بعامين قد تعرضت على اراضيها في نيويورك لأحداث الحادي عشر من أيلول 2001 التي اتهمت بها القاعدة - صنيعتها - و بالتالي هاجمت أفغانستان معقل القاعدة و ادخلت مصطلح الإرهاب الى اللغة السياسية الدولية بقوة، و قررت منذ ذلك الوقت غزو العراق الذي بعثرت اوراقه و عمت الفوضى أراضيه و ما تزال بأصابع من كل حدب و صوب و لكن الأهم أصابع من عدو الأمس إيران، أما اللاعب الخفي فهو هو، الولايات المتحدة و المحرك لم يتغير، إسرائيل الصهيونية التي خططت لإظهار إيران كدولة عدوة لها و للعرب على حد السواء و تجاوب العرب مع الامر الواقع و كان كل شيئ يدفع بإتجاه هذا التجاوب لأسباب عديدة خاصة في الإقليم، و كأن بسياسة الإحتواء الأمريكية التي انتهجتها خلال الحرب الباردة قد عادت و لكن تغيرت أهدافها من إحتواء الشيوعية الى افتعال الأحداث في المنطقة و من ثم إحتواءها، و الهدف صالح إسرائيل و لا احد غيرها، إذ لم يضعف احد أو يتفتت سوى دول المنطقة العربية بدءاً بكبراها، العراق.
و بسياسات متوازية، تم إظهار إيران كقوة طامعة في التوسع و كذلك بشطب إسرائيل عن الخارطة، و الأهم تشكيلها خطرا نوويا على الخليج الغني بالنفط، كما تم إشعال فتيل ما سمي بالربيع العربي في تونس عام 2010 حيث اضرم شاب تونسي يدعى محمد البوعزيزي النار في نفسه ليعلن الربيع هباته على شعوب يدرك العالم توقها للحرية و الديمقراطية، و بدأت رؤوس الأنظمة العربية في تونس، مصر، ليبيا، سوريا و اليمن بالسقوط الى الهاوية حتى و إن بقيت كما هو الحال في سوريا، حيث أكلت الحروب الأهلية فيها - و إن بالإنابة - الأخضر و اليابس، و مؤخراً فقط سقط رئيسي الجزائر و السودان بضغط الشارع المتعطش للحرية، و تكرست سياسة الإحتواء الأمريكية، حيث تورط الجميع في هذا الوحل المخطط له، فضعفت كبريات دول العرب و قويت إيران التي تدخلت في غير دولة دون حسيب أو رقيب، في العراق، سوريا، لبنان و اليمن، و لكن يبدو ان ذلك ضمن المخطط له في أن تترك و شأنها في الوقت الحاضر حتى فيما يخص الملف النووي، سيما و انها تسهم في إنهاك دول نفطية فاعلة في حرب مدمرة على اليمن سيخرج الجميع منها مهزوماً مثقلاً بالخسائر، أما سياسة الإحتواء الأمريكية - تخلق الفوضى و تسارع لحلها - فمستمرة كبلدوزر ثقيل مسرع فقد كوابحه فمزق كل ما بطريقه إلا إسرائيل التي صدف و أنها على جانب آخر من الطريق؛ بالصدفة المحضة، و في الأثناء ظهرت داعش صنيعة المخابرات المركزية الأمريكية لتنشر سمها في كل مكان كبعبع إرهابي، متجدد، متطرف و دموي بعد ان خفت صوت القاعدة و أنهي دورها القذر، أما إسرائيل التي في الأثناء ايضا بعثرت كل ملفات الحل الدائم العادل مع الفلسطينيين فلعبت على موضوع القدس بنقل سفارة الولايات المتحدة اليها، و على موضوع اللاجئين ضمن قرار الأمريكان بالإستغناء عن خدمات الأونروا، و همشت من حل الدولتين، كما لعبت على وتر فتح ~ حماس بنفس طويل و لكنه متواز مع الاوتار الأخرى، فتقسم الإخوة و ضاعت اولويات القضية.
و الحالة هذه اليوم، و بعد انتخابات إسرائيل بالأمس القريب التي فاز بها اليمين، و استمرار نيتنياهو برئاسة حكومة يمينية متطرفة متصهينة اكثر من اي وقت مضى، فإنه و مع صهاينة البيت الأبيض الجدد يتطلعون الى جني ثمار هذه الفوضى العارمة بعد ان اختلطت الأوراق في المنطقة بل بالإقليم كله، فأصبح هناك ترتيبات جديدة لنا هنا في المنطقة، و كعادة التاريخ؛ لا يد لنا بها سوى أنها تخصنا.
حيث هناك حديث عن إنشاء ناتو عربي سني يضم دول الخليج الست إضافة الى مصر و الاردن؛ تحالف شرق أوسطي استراتيجي يضغط البيت الأبيض منذ عهد اوباما لقيامه ضد إيران خدمة للمصالح الصهيونية ليعمل كجبهة تواجه التطرف الذي خلقته و غذته الصهيونية أيضاً. كما نسمع عن اعادة إستنساخ لخطة مارشال في المنطقة (جورج مارشال هو رئيس اركان الجيش الأمريكي في الحرب العالمية الثانية ثم وزير الخارجية، هدف مشروعه الى اعادة إعمار دول آوروبا التي أنهكتها الحرب، خوفاً من انتشار الشيوعية)، و في حالتنا هو خوف من انتشار التطرف و كذلك لحل آزمات اللجوء التي سببتها الحروب الأهلية بعد ان سقط عدة رؤساء دول عربية، على ان انظمتهم لم تسقط للآن.
و بهذه الترتيبات يستعد الصهاينة لإعادة ضم الضفة الغربية في فلسطين من ناحية، و توحيد القدس كعاصمة ابدية لهم مع إقصاء ملف اللاجئين بإنهاء حق العودة و تذويبه في دول المنطقة و في دولة فلسطينية تقوم على ارض غزة إضافة الى أراض من صحراء سيناء؛ تشرف عليها حركة حماس مرحليا، حيث من غير المستبعد أمريكياً ان تتعاون حركة حماس ضد حركة فتح في هذا الامر ما سيسهم في إضعاف فتح تمهيدا لعزلها بالكامل عن طريق انتخابات قادمة او حرب اهلية تضعف الفريقين، يبدو هذا كمخطط صهيوني يدفع به البيت الأبيض الى المنطقة و مؤشرات كثيرة تدل عليه، و لكن يبقى هناك أسئلة خجولة حول موقف آوروبا بما فيها روسيا من ذلك، فبمثل هذه الإجراءات المتعسفة لن يبقى هناك حتى أثر لقرارات الشرعية الدولية المتعلقة بفلسطين منذ العام 1947، ولا لكامب ديفيد ولا لمدريد و بالتالي ستذهب أوسلو و وادي عربة الى المجهول من صفحات التاريخ، حيث ان خرق المعاهدات هو ديدن اسرائيلي بحت يعلمه القاصي و الداني، ولا يلقي له الأمريكان بالاً يذكر، و بذلك ينتهي الصراع الفلسطيني الاسرائيلي حسب زعم اصحاب هذا المشروع، من انتداب الى احتلال الى احتواء، و بذلك يتحول الصراع الى آخر عربي إسرائيلي أمريكي ضد إيران - حصان طروادة -، و به تنجح سياسة الاحتواء الأمريكية المتجددة و ينجح مشروع مارشال آخر، و لكنه هذه المرة بأموال خليجية، يلهي الدول العربية الكبيرة المنكوبة بإعادة الإعمار و وهم تنظيم الصفوف الذي قد يأخذ عقوداً من الزمان، ما سيعطي إسرائيل مجددا فرصاً متنامية لفرض حلولها المتطرفة على الأرض.