21-04-2019 11:43 AM
بقلم : اسامة الاسعد
من غير المعتاد في السياسة الدولية ان تكون المعطيات بالمجمل معتمدة على التسريبات، فالتسريبات هي جزء من العملية و ليس من المفترض ان تكون كل شيئ كما يحدث اليوم في قضية الشرق الأوسط ذات السبعين خريفاً، فحتى المعاهدات التي جرت في المنطقة مع إسرائيل تحلت بالسرية حتى خرجت الى النور، فمن باب أولى ان تحظى الآن بسرية اكبر و لكن بين الأطراف و ليس كما يحدث في الواقع حيث ان طرفاً واحداً يحرك الأمور كما يشاء و تقتضيه مصلحته و مصلحة راعيه الأمريكي لمصالح انتخابية على أفضل مقياس، حيث يخوض الرئيس الأمريكي العام القادم انتخابات يتوقع خلالها دعماً صهيونياً منقطع النظير كما فعل هو خلال انتخابات إسرائيل الأخيرة بالأمس و حقق الهدف.
ما يحدث هو ليس مفاوضات بقدر ما هو إملاءات تم توقيتها بناء على اوضاع عربية صعبة و إقليم تسيطر إيران على معظمه من ناحية و شعوب منهكة في دول غير ديمقراطية لا تملك قرارها من ناحية أخرى، و من غير المرجح ان يتغير شيئ بل بالعكس فالتسريبات الأخيرة تقول ان كل ما تسرب للآن سيتضح منتصف حزيران القادم، و هذا منسوب لمستشار الرئيس الأمريكي اليهودي كوشنر احد الصهاينة الجدد في البيت الأبيض الذي لم يعد يلقي بالاً لأحد، و كما ذكرت في مقالي السابق "حصان طروادة" حول الحل المزمع في المنطقة إذ ينهي الصهاينة فكرتهم عن الصراع الفلسطيني الاسرائيلي بتحويله الى صراع عربي - أمريكي ضد إيران تشارك به إسرائيل بطبيعة الحال بعد ان جرى تكريس عداوة إيران منذ العام 1980 و حتى الآن حيث تركت تتدخل في الدول العربية و تركت تلعب في ما عرف بالملف النووي لتصبح عدواً معتبراً للجميع، و بالمناسبة هذا ليس رأيي إذ ان لي رأياً آخر، فإيران وقعت في الفخ تماماً كما وقع قبلها العراق الذي خاض حرباً ضد 34 دولة متحالفة تحت قيادة الأمريكان، أي منطق هذا و أي تكافؤ ذلك. كذلك كنت قلت في ذات المقال ان فلسطين من انتداب الى احتلال الى احتواء.
اليوم؛ الأطراف المعنية في المنطقة عدا إسرائيل و فلسطين هي سوريا، و هي بلد يعاني الآن لأكثر من ثمان سنوات تحت نير حروب أهلية يخوضها الشعب بالإنابة عن دول إقليمية و أخرى بعيدة و مؤخراً قرر آخرين عنه ان جولانه ليس محتلاً بل اسرائلياً، و هذا الامر يقال فيه الكثير. و هناك لبنان، و هو طرف آخر فما جرى في سوريا أثر عليه و هو أيضاً يعاني من اوضاع اقتصادية و أمنية صعبة و داخله السياسي ليس مرتاحاً أبداً بل يتأثر بكل موجة تأتيه من سوريا الجريحة.
ثم هناك مصر المنشغلة بأوضاع اقتصادية معقدة ناهيك عن داخل سياسي اكثر تعقيداً يتجه نحو حكم رجل واحد بدلاً من حكم حزب واحد تم اسقاطه في بداية ما عرف بالربيع العربي عام 2011 و هذا الامر أيضاً يقال فيه الكثير سيما لناحية نتائج تضحيات المصريين في معركتهم نحو الديمقراطية.
ثم هناك الاردن المرتبط بفلسطين التاريخية و فلسطين تحت الانتداب و فلسطين المحتلة من بعد، و هو بلد معني اكثر من غيره بهذه القضية لأسباب كثيرة فلا مصلحة له سوى بحل الدولتين بحيث تقوم دولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران 1967 أي تطبيق قرار مجلس الامن رقم 242 و عاصمتها القدس الشرقية، على ان القرار قال "أراض محتلة" و ليس الأراضي المحتلة، كذلك ان يستمر بوصايته على المقدسات في القدس كإرث ديني تبناه الهاشميون منذ ثورة العرب و لا سيما منذ العام 1924 و حتى الآن، و هي مقرة حتى في معاهدة وادي عربة، ثم هناك ملف اللاجئين الذي يرى الاردن ان حله يكون بين الأطراف ضمن حق العودة و التعويض بمضمون قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 و المدهش ان هذا القرار وافقت عليه الولايات المتحدة و بريطانيا و رفضته مصر و لبنان و ذلك من بين من وافق و من رفض. أما موقف الاردن من كل ما أسميناه بالتسريبات فهو يعد موقف متصلب يرفض احتواء القضية الفلسطينية و يرفض تذويب ملف اللاجئين في دول المنطقة كما يرفض تعويم ملف القدس و المقدسات، و بالتالي يصر على حل دائم عادل يرتكز الى قرارات الشرعية الدولية التي ركلتها الصهيونية في تل ابيب و في البيت الأبيض عرض الحائط.
و بطبيعة الحال هناك الطرف الرئيس في القضية؛ فلسطين المحتلة مرة عام 1948 و مجدداً عام 1967 و ما تلا ذلك وصولاً الى اتفاقية أوسلو عام 1993 التي اقرت فترة انتقالية لا تتجاوز مدة 5 سنوات للتوصل الى اتفاق دائم يرتكز على قراري الشرعية رقم 242 و 338 بما لا يتعدى بداية السنة الثالثة من الفترة الانتقالية و ان تغطي المفاوضات ملفات القدس، اللاجئون، المستوطنات، الحدود و الترتيبات الأمنية، ثم تبع ذلك اتفاقيات أخرى مثل اتفاق غزة اريحا و برتوتوكول باريس و كل ذلك تم ضمه الى معاهدة تالية سميت أوسلو 2 و لكن أين كل ذلك الآن بعد الخروقات الاسرائيلية المستمرة و التصرفات الاحادية التي جعلت من اتفاقيتي أوسلو مجرد أطلال، فإسرائيل أصلاً قوضت معاهدة كامب ديفيد، مؤتمر مدريد، اتفاقيتي أوسلو و معاهدة وادي عربة.
ثم هناك الدول العربية غير المحيطة كدول الخليج التي لم تعد مشغولة بالقضية الفلسطينية كما كانت لغاية ما يقارب عشر سنوات أو اكثر قليلاً مضت، إذ تم تبديل أولوياتها السياسية و تحالفاتها الإقليمية و الدولية، ما فكك من المواقف العربية الموحدة تجاه القضية. و هناك ايضا العراق و اليمن و هما ليسا في اوضاع تسمح بالتركيز على اي ترف سياسي غير محلي، و كذلك السودان، و هناك دول المغرب العربي المنشغلة بأوضاعها الداخلية أيما إنشغال، و قد لا تلام فيما يتعلق بأي قضية خارج ذلك.
ان كل هذه الظروف العربية، و كل هذا (التفوق الصهيوني) حقائق جعلت الاردن في موقف لا يحسد عليه إذ يبدو وحيداً في مواجهة اعتى موجة ظلم تتجه الى المنطقة خاصة لناحية تشبثه بموقفه التاريخي من القضية الفلسطينية، فالأمريكان مع إسرائيل بإتجاه احتواء القضية و تحويل الصراع في المنطقة كما اسلف، و الروس موقفهم خجول لا يقدم ولا يؤخر و الأوروبيون كذلك الامر، و الشرعية الدولية في مهب الريح ولا احد يعلم يقيناً كيف أو متى، و الى ماذا ستؤول الأمور، حيث ان الأمم المتحدة أصبحت خيال مآتة و الجامعة العربية ميتة سريرياً و منظمة التعاون الإسلامي ولت أثراً بعد عين.