07-05-2019 12:05 PM
بقلم : المهندس عصمت حداد
عظيمةٌ هيَ أرض الأردنِّ بتاريخها وشعبها الأصيل وقيادتها الفذةِ ، عظيمٌ هو وطني بِوِحدتِهِ الوطنيةِ التي هي صمام أمانه ، وحدتهِ المتأصلةِ في جذور التاريخ الأردني .. ولا يمكن لأي أحدٍ أن يزايد عليها ؛ فالأردن بلد التعايش والوحدة والوئام ، شعاره الدين لله .. والوطنُ للجميع ، في وطني يتعانق الهلال مع الصليب ، أبناؤه يعيشون ويتظللون تحت سماءٍ واحده ، هم جزءٌ من الأرضِ ورائحةِ التاريخِ ومذاق الإتحادِ والوحدهْ ، فحافَظوا على وحدة هذا التراب منذ أمدٍ بعيدْ ، وسالت دماؤهم - مسلمين ومسحيين - فوقَ ترابِ هذه الأرض الطيبةِ.. لترفع علم الشموخ والانتصار على مدى عقود وعهود طويلة زاخرة بأمجاد هذا الشعب ، في وطني الأردن .. المسلمُ والمسيحيُّ .. أخوةٌ بوحدة الدم والأرض والتاريخ ، تتأصل في نفوسهم نَفْسُ العقيدةِ. حيثُ الإيمان بالله ونبذ الحروب ، ويتنفسون نَفْسَ المفاهيم السمحة التي تحض على الكراهية والتناحر ، فالإسلامُ دين السلام .. والمسيحيَّةُ دين المحبةِ ، وعلى هذهِ الأرضِ .. نحيا بالمحبة والسلام .
ولأن العروبة بكل مكوناتها هي عبارة عن مظلة يتظلل تحتها المسيحيون والمسلمون .. على كافة مذاهبهم وطوائفهم وتياراتهم الدينية والسياسية .. فإنه ليس بغريب على وطني الأردن - حيث عاش المسلمون والمسيحيون إخوةً منذ الأزل ، تشاركوا الأفراحَ والأتراحَ ، وسالت دماؤهم معاً على أرض فلسطين ، وتباركت من مياه نهر الأردن المقدس - أن يقدم ويتبرع قائدُ الوطن المعظم .. حفيدُ الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم.. جلالة الملك عبد الله الثاني ، وعلى نفقته الخاصة ، لترميم كنيسة القيامة بالقدس في أول أيام شهر رمضان المبارك ، فالهاشميون على مدى عصور التاريخ .. كانوا يتمتعون بصفاتٍ تؤهلهم للقيادةِ .. وهم متشابهون فيما بينهم ، فهذه هي أعظم أسرة أثراً في تاريخ العرب والمسلمين ، تجلَّتْ حياتهم كلها بالعمل الجاد والمسؤولية تجاه شعبهم وأمتهم ، ولهم دورٌ فريدٌ .. وبصمةٌ واضحةٌ في الحفاظ على المقدسات المسيحية .. شأنها شأن المقدسات الإسلامية في القدسِ والأراضي المحتلة.
وفي ظل الظروف القاسيةِ والمريرةِ - التي تمر بها المنطقة ، وسيلان الدماء في عدد من البلاد العربية على خلفيات متنوعة ، بما فيها الطائفية والتكفيرية وسواها - فإن أصواتاً تعلو منبهةً إلى أخطارٍ كبيرةٍ تُحدِق بمسيحيي المشرق الذين ينتمون إلى العربيةِ قوميةً وحضارةً ولغةً وثقافةً وأرضاً وشعبا ، ولهذا جاءت المكرمة الملكية الساميةُ .. لتؤكد على مبدأ المواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات بين كافة أبناء الأمة ، وكأن لسان قائد الوطن المعظمِ يقول لنا : إن ما أصاب صيغة التعايش اليوم من اهتزازٍ .. هي حالة طارئة قامت بها شرذمةٌ من البشرِ في العراق وسوريا .. تنكّرت لكل روابطِ التاريخِ والوطنِ ، وخرجت على مبادئ الأديان الداعية للتسامح وكرامة الإنسان ، فأصابتْ بوحشيتها .. المسيحييّنَ والمسلمينَ ، ولا شكَّ بأنهم حالةٌ طارئةُ وشاذةٌ غريبةٌ عن قيمنا الإسلامية والمسيحية ، ولن يُكتَبَ لها البقاء.
وبدورنا نحن المسيحيين في هذه المناسبة نقول لِأُخوتنا في الوطن ، ونقولُ لقائد الوطن المعظم .. أننا جبهةٌ واحدةٌ ، جبهةُ حياةٍ في وجه هذا التطرفِ .. وحماية المقدسات ، معاً نقف في وجه المشروع الصهيو أمريكي ، ملتزمين ثقافة المحبة والتلاقي بين جميع خلق الله ، معاً نقف في وجه ثقافة الخوف والترهيب ، وبها نعلن في وجه من يريد التفرقةَ بيننا .. بأننا شعبٌ واحد ووطنٌ واحدْ ، وأن إنسانيتنا وعروبتنا وماضينا وحاضرنا ونضالنا المشترك .. وإيماننا بالله الواحد خالق هذا الكون وخالق الإنسان .. كلُّ هذا أقوى من التطرف والإرهاب ، معاً سنقف في وجه الموتِ المهدِّد لنا ، معاً سنواجه ثقافة الانفصال والتفرقة والعزلةْ ، معاً نرفض المبدأ القائل بِأن هناك أقليات دينية بحاجة إلى حمايةٍ طالما نحن على هذه الأرض المباركةِ .. في وطن المحبة والسلامِ ، وتحت قيادة أبي الحسينِ المعظمِ ، نشربُ من نبعِ هذه الأرضِ .. ونأكل من ثمرها.. راسخين فيها ، متأصلين بوحدة الدم والأرض والمحبة والسلام.
ونقول لجماعات الإرهاب والتطرف الصهيوني وأذنابها المتآمرة التي تريد أن تزرع بإرهابها الكراهيةَ والعداوةَ بيننا ، والتي تشكك بدور الوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة في القدس ، وتنعق كلَّ يوم حول التوطين والوطن البديل: خسئتم أيها الحاقدون الأرذال ، خسئتم وخسئ مسعاكم أيها الجبناء ، خسئتم أيها القتلة وخاب فالكم ، نحن لن نضل الطريق لأنَّ لنا وطن نحبه ونتمسَّكُ به ، أما أنتم فلا وطن لكم ، لأن وطنكم هو حيث مصالحكم الانتهازية الخائنهْ ، وطنكم حيث الظلم والقهر ، وطنكم حيث الحقد والقتل ، عودوا إلى جحوركم أيها المغتصبون ، لن تنالوا من عزيمتنا وصمودنا ومحبتنا لوطننا وإخواننا في الوطن والعروبة ؛ فالشعب واحد ، والوطن واحد ، واللغة واحدة ، والتقاليد نفسها ، والهموم والمعاناة واحدة ، والتطلعات واحدة ، هكذا صُغنا التاريخ مجتمعاً واحداً .. وكياناً واحداً لا يقبل القسمة على إثنين ، معاً عشنا بهذا الشرق دهراً ولن نرضى بغير الحبّ دِيناً .
حمى الله الأردن أرضاً وملكاً وشعباً من كل مكروه ، والمجدُ والخلودُ لشهداءنا الأبرار ، وأدام الله عليه نعمة الأمن والاستقرار .. لِيظلَّ وطنَ التآخي والمحبةِ والتسامحِ الدينيِّ .. وأرضَ الصمود والشموخ المكللِ بِغارِ الكبرياءِ و الإباءِ .. أمد الدهرْ . وكل عام وانتم بخير.