20-05-2019 04:17 AM
بقلم : امرأة مذهولة
أوقفت سيارتي في شارع باتجاه واحد في اللويبدة...يعتبر مواز لموقع الاتحاد العام للجمعيات الخيرية...وقبل الإصطفاف تيقنت من أنني لم أغلق ولو عشرين سم من مدخل كراج لمبنى ترتفع عليه لافتة محفور عليها أسماء ستة محامين ... فلفت انتباهي ثلاثة أسماء أعرفها جيدا ... لكنها لم تعن لي شيئا يشجعني على تأمين وامان سيارتي في المكان الوحيد الذي عثرت عليه بعد دوران ساعة كاملة لأتمكن من النزول لقصر العدل وبعد أن وجدت مواقف الأجرة في طريقي إلى القصر مكتظة .
نزلت من السيارة آمنة مطمئنة وتوقفت لقياس المسافة التي أكلت منها مؤخرة سيارتي واطمأن قلبي بأن الأمر تمام وليس فيه إزعاج أو مضايقة .
أنجزت مهمتي بتقديم خبرتي الثقافية في إحدى القضايا وقدمتها لسيدي صاحب الشرف . وبعد أن انتهت الجلسة رحب بي سعادة القاضي وجلسنا قليلا نتحاور ونتحدث فيما استجد من آلام وأحلام في وطن الصابرين .
ودعني سعادته وأنا مرفوعة الرأس شامخة بمرافقة اثنين من القضاة لي حتى غبت عن ناظريهما وقلبي يدعو لرموز القضاء النزهاء الكرماء وينبض بالعزة والفخر.
كنت امشي واتلفت حولي وأتأمل الطريق والناس المتجهمة وخطوات المحامين والمراجعين لأحزان القصر والمتسارعة على الأرصفة المتهالكة...فأتمنى لو أنني صاحب قرار في ماكينة البلدية لفرشت الأرصفة أمانا ولفرزت لأقدام المشاة نظاما لا يخرقه أخرق... أراهم يحاولون قطع الشارع كمن يصارع الموت و المركبات خالية من الحس والمشاعر وكذلك الذوق وأخلاق القانون حيث انتفى القانون الذي يقدس ارجل المشاة واستهتر بالإنسان وحوله إلى ذليل يتوسل عجلات المركبات مذعورا...يقطعون عرض الشارع مهرولين و والدكاكين الصغيرة التي تبيع القرطاسية والأحبار وبعض الحقائب الخاصة بالمحامين والقضاة تعرض عليهم سلعتها وتنسى حرقة دمائهم ...
كانت درجات قصر العدل الثلاثة العلوية المتوسطة ما زالت غامقة اللون تتميز بالأحمر الذي لم تستطع أمطار الكون الغزيرة غسلها من دماء ناهض...فأتمهل وأنا أصعد أو أنزل الدرجات وأتأمل البلاط الموشح بالقاني والذي رسم وحفر تشكيلا عميقا في مسامات رخام الدرجات ...كأنه اختط الدم مذكرا للعيون بأن تقفز أو تتحاشى الدوس على ذلك الحفر المشكل لدم وحرف ؛ والمسجل لكلمة وكتاب وصرخة حق او عدالة ما زالت تتهدج وتلهج روحها صارخة على الدرجات نافرة القاني الذي لا يمسح أبدا.
أوقفت قلبي وتخيلت للمرة الألف ناهض يحاول التقاط نظاراته ويضع كفه اليمنى على قميصه الأبيض المفتوح قليلا حينما ضج الدم من تحت ياقة القميص فتعثرت لغة العدالة والكلام .ونام ... !!
مضيت باتجاه سيارتي وأنا أسرع الخطى ورأسي يعتل من أكداس الأوجاع والأسفار ما يحولني إلى فراشة خفيفة لا وزن لها سوى إتقان مواقع خطواتها وأجنحة سرعتها التي راحت تنهب الطريق الملتوي باتجاه موقع اصطفاف السيارة .
اقتربت من سيارتي ولم أدرك لماذا هبط الحديد ؟ وجسم السيارة أصبح واطئا... خففت من سخونة واشتعال حيويتي وامتلاء روحي بالمشاعر والهواجس وعدت إلى الوراء لأفهم سر انخفاض سيارتي المحترمة النظيفة البيضاء كحمامة أغسلها بيدي وانشفها واخاطبها يا صديقتي فتحنو علي ... وعلى كل من يركبها ومنها وفيها أحترم المشاة و المركبات وأقدر واشكر رجال السير وأهتم بحق الأولوية والناس وكثير الذوق بالتنازل للآخرين فأتلذذ بقيادتها وتتلذذ هي بطواعية رفقتي...فمن قال أن الحديد لا يمتلك المشاعر ولا صداقة معه ؟
اقتربت أكثر من صديقتي سيارتي فأدركت أن الأربعة إطارات قد تم تنفيسها قصدا وبدون مبررات.
هالني هذا الفعل وارتطمت بآهة نارية في حرارة الطقس وليونة الصيام فلم أتمكن من اللهاث في جوانب المكان...
فتحت السيارة وجلست فيها وأدرت المكيف ووضعت راسي على المقود وبكيت قليلا حتى تبلل المقود ...وأنا أتساءل ايعقل أن يكون مكتب المحامين هذا قد فعلها انتقاما من بضع سنتيمترات احتلتها مؤخرة سيارة بيضاء لاشية فيها ؟؟؟ وفجأة أطل علي رجل عرفت أنه أحد المحامين ... فتجرأت وأنا خجلى من فعلة خالية العاطفة والإنسانية وسألته: ماذا أفعل وقد تم تنفيس عجلات السيارة الأربعة؟ بدون سبب ؟
ذهلت حينما نظر إلي باستصغار واحتقار لا استحق الكثير منه وإن كنت استاهل وقال : بدون سبب ؟ عشان تتعلمي توقفي سيارتك مرة ثانية هون !
قلت وأنا أراه بحجم صاحب حق او ربما لا : ألم يكن هناك طريقة الصبر على صاحب المركبة طالما المركبة لا تسد الطريق وبوابة الكراج؟
قال بعنجهية: اختصري ودبري حالك !
تأملت في وجهه بجمود ولم أنبس ببنت شفة فلقد كفاني مروءة وجولة طويلة من التأمل بالرجال!
كلمت ابني محمد ليحضر ويحضر معه منفاخ العجلات وامتلأت اضلاعي والفرح والسعادة وأنا أرى ابني يضحك ويقول : ههه بالله خلاك وتركك بالحر وقاللك دبري حالك ؟
وأنا اضحك وأقول لابني : هل تصدق ؟
فيقول ابني : لا يمكن ...هذا محض خيال !