29-05-2019 02:09 AM
سرايا - من لطف الله -سبحانه وتعالى-، وعظيم نواله؛ أن جعل أبواب الخير في رمضان مشرعة، وأغدقه بأعمال من البر مترعة، ألا وإن من جملة تلك العبادات التي حثَّ الشارع عباده عليها تفطير الصائمين، الذي ارتبط فضله وأجره بمنزلة الصوم، ومكانة الصائمين عند الله -عز وجل-؛ ولذا كان الجزاء على تفطيرهم عظيمًا يتناسب مع منزلة الصوم، ومكانة الصائمين فقد ثبت عن زيد بن خالدٍ الجهني -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -ﷺ-: مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيء [رواه الترمذي:807، وابن ماجه:1746، وصححه الألباني في صحيح الجامع:6415]، قال شيخ الإسلام: والمراد بتفطيره أن يشبعه [الفتاوى الكبرى لابن تيمية:5/376].
وفي الحديث من الفقه أن كل من أعان مؤمنًا على عمل بر فللمعين عليه أجرٌ مثل العامل، ولهذا أخبر الرسول -ﷺ- أن من جهَّز غازيًا فقد غزا؛ فكذلك من فطَّر صائمًا، أو قوَّاه على صومه، وكذلك من أعان حاجًّا أو معتمرًا بما يتقوى به على حجه أو عمرته حتى يأتي ذلك على تمامه؛ فله مثل أجره" [شرح صحيح البخاري لابن بطال:5/51].
وقد كان عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- يصوم ولا يفطر إلا مع المساكين، فإذا منعه أهله عنهم لم يتعش تلك الليلة، وكان إذا جاء سائل وهو على طعامه أخذ نصيبه من الطعام، وقام فأعطاه السائل، فيرجع وقد أكل أهله ما بقى في الجفنة، فيصبح صائمًا ولم يأكل شيئًا. وكان الحسن البصري يطعم إخوانه وهو صائم تطوعًا، ويجلس يروحهم وهم يأكلون، وأُثِرَ عن حماد بن أبي سليمان أنه كان يفطر كل ليلة في شهر رمضان خمسين إنسانًا، فإذا كان ليلة الفطر كساهم ثوبًا ثوبًا، وقال أبو السوار العدوي: كان رجال من بني عدي يصلون في هذا المسجد؛ ما أفطر أحد منهم على طعام قط وحده، إن وجد من يأكل معه أكل، وإلا أخرج طعامه إلى المسجد فأكله مع الناس، وأكل الناس معه، واشتهى بعض الصالحين من السلف طعامًا وكان صائمًا، فوضع بين يديه عند فطوره، فسمع سائلًا يقول: من يقرض الملي الوفي الغني؟ فقال: عبده المعدم من الحسنات، فقام فأخذ الصحفة فخرج بها إليه، وبات طاويًا [اختيار الأولى في شرح حديث اختصام الملأ الأعلى] ومما ينشأ عن عبادة تفطير الصائمين عبادات كثيرة، منها:
التودد والتحبب إلى المُطعَمين؛ فيكون ذلك سببًا في دخول الجنة، كما قال النبي -ﷺ-: لاَ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلاَ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا [رواه أبو داود:5195، والترمذي:2688، وابن ماجه:68، وحسنه الألباني في صحيح الجامع: 3361].
مجالسة الصالحين، واحتساب الأجر في معونتهم على الطاعات التي تقووا عليها بطعامك؛ يقول ابن رجب الحنبلي -رحمه الله تعالى- معددًا فضائل الجود في رمضان، فذكر منها: "إعانة الصائمين والقائمين والذاكرين على طاعتهم، فيستوجب المعين لهم مثل أجرهم" [شذى الريحان في روائع رمضان: 183].