سرايا - منذ أيام الخليفة هشام بن عبد الملك؛ حاول صاحب بستان فاكهة المشمش في حماة واسمه «أمر الدين» أن يجد طريقةً لحفظ المشمش غير تجفيفه، فقام بعجنهِ وإزالة النوى والقشور منه، وأضاف إليه قليلاً من النشا، وصنع من معجون المشمش والنشا صفائح نشرها في الظل، على قطعة من الشاش الأبيض، المنقوع بزيت الزيتون.

ولما نجحت تجاربه حمل من تلك الرقائق شيئاً للأمير ومرسها بالماء الدافئ الى أن ذابت، ثم برَّدها بالثلج فتجلت عن شرابٍ سائغٍ لذيذ، يُزيل العطش ويُحلِّي الفم.. فشكره الأمير وكافأه.. وظل هذا الشراب خاصاً بالأمير وحاشيته بضعة أشهرٍ الى أن هلَّ هلال رمضان وكان الجو حاراً!! وحتى لا يشق على الناس الصيام في رمضان أمر الأمير ببذل شراب المشمش لعامة الناس.

فقام المنادي ينادي بالناس أن هلموا الى شراب أمر الدين - صاحب الاختراع - فقامت الشام ولم تقعد احتفالاً بهذا الشراب اللذيذ.

ونشط التجار من أجله، وبرع أهل الشام بصناعته، فكانت تُقام له الأحواض الكبيرة يُدار فيها المشمش الناضج، و«تمعسه» أرجل الصبايا الشاميات حتى يصير كلاً متجانساً.

ويُقال في الحكاية الشعبية إنه بسبب أمر الدين «قمر الدين» اكتسبت النساء الشاميات بشرة بلون المشمش ونعومته!.

القمر دين هذه الأيام

تلك الشرائح اللذيذة الطعم من «القمردين» ذات اللون البرتقالي الجميل أو البني الفاتح، يزداد عرضها والاقبال عليها في محلات بيع السلع والأغذية الرمضانية في عمان منذ أكثر من 70 عاماً، فقد تواجدت أنواع من القمردين وبعدة اسماء تنسب الى اسم المصنع أو المعمل الذي قام بصنعها في الشام وبالذات دمشق.

وتتكاثر في دمشق ثمار المشمش ومعامل صنع القمر دين.. فمن غوطة دمشق يتم قطف حبات المشمش الناضجة وعصرها ثم اضافة السكر وغلي المزيج بأوعية ضخمة فوق النار.. ويصب الطهاةُ هذا الخليط على الواح خشبية مدهونة بزيت الزيتون حتى لا تلتصق بالخشب، وتعرض للشمس حتى تجف تماما، وبعد ذلك تقطع وتغلف على شكل طبقات أو لفات في أوعية نايلون شفافة.

أما صناعة قمر الدين في عصرنا الحديث فقد أصبحت تقوم على استخدام احدث الآلات والمصانع المتطورة.

ويكثر استهلاك القمردين في جميع الدول الاسلامية في شهر رمضان.. حيث تعتبر سوريا مصدرا رئيسيا لمادة القمردين لباقي الدول حتى الأجنبية.

القمر دين حلوى وشراب وطعام!

أما طرق واستعمالات القمردين فهي متعددة منها ما يتم بواسطة اذابة قطع القمردين الصغيرة في الماء الفاتر ولمدة (4) ساعات ليصبح طريا جدا.. ثم يضاف اليه بعض السكر ويحرك في الوعاء ثم يصفى بشاشة من القماش ليصبح شرابا مذاقه لذيذ.. ثم يوضع في الثلاجة او تضاف اليه قطع الثلج ليقدم على موائد الصائمين لشربه أولا عند تناول طعام الافطار.

كذلك يُستحب شربه في فترة السحور لانه يخفف كثيرا من شعور الصائم بالعطش في نهار رمضان.

اما الطريقة الثانية فهي اذابة قطع القمردين بقليل من الماء ليظل لزجا ثم يغمس بالخبز كطعام سحور.

ويمكن تناول القمردين كما هو بتقطيعه بالسكين الى قطع صغيرة.. وكذلك فان هذه القطع الصغيرة اصبحت بعض المصانع في سوريا تضعه داخل ورق سوليفان صغير لتقديمة للضيوف مع الملبس والشوكلاته في مناسبات الاعياد وغيرها.

وعن شراب القمردين تقول بعض الأبحاث إنه يخفف العطش وينظم عمل الأمعاء.. وأن هذا الشراب يقوي الاعصاب ويفتح الشهية ويقوي الخلايا النسيجية ويزيد مناعة الجسم ويرطب وينظف الأمعاء ويزيل الارق وينشط نمو الاطفال ويفيد الشباب والمسنين.

ومن فوائده الاخرى انه علاج للاسهال والطمث وسوء الهضم، ولعلاج زيادة حموضة الدم وللضعف العام.

والمشمش المجفف او القمردين يستفيد منه كل من المصابين بفقر الدم والرياضيين وأصحاب الأعمال المرهقة والنساء الحوامل ويستعمل كمادات من عصيره، حيث توضع على الجلد فيقويه وينقي ويصفي البشرة.

ثمار المشمش

ويمكن صناعة مواد غذائية عديدة من المشمش منها أيضا مربى المشمش، وحلويات المشمش التي تطبخ قليلا ثم تبرد الحبات وتغلف وتباع لتؤكل كحلويات مجففة ولذيذة.. وكذلك ايضا يمكن عمل المهلبية بالقمردين مع النشا والحليب.

بحث بريطاني

وقد افادت دراسة بريطانية حديثة أن ثمار المشمش التي يصنع منها القمردين هي أفضل علاج لوقاية الوجه من الأمراض الجلدية وبثور حب الشباب، وذلك لاحتوائه على فيتامين (A) والذي يتميز بمفعول مقاوم للتجاعيد وانكماش الجلد.

واضافت الدراسة أن المشمش من افضل الأغذية لصحة الشعر والعينين والبشرة حيث يكسبها النعومة والحيوية وينشط وظائف الكبد.

كذلك فإن تناول المشمش يقلل من مستويات الكوليسترول في الدم.. ويحمي من أمراض القلب والشرايين لاحتوائه على مركبات لهذا الأمر.

الشعراء والأطباء!

وقد تغنى قديماً بعض الشعراء المشهورين بالمشمش مثل الشاعر والخليفة ابن المعتز:

ومشمش بان منه اعجب العجب

يدعو النفوس الى اللذات والطرب

كأنه في غصون الدوح حين بدا

بنادق خرطت من خالص الذهب.

وكان علماء الطب العرب قديماً يستخدمون المشمش في علاجهم للعديد من الأمراض وعلى نطاق واسع مثل ابن سينا وابن البيطار والانطاكي.

الرأي