08-06-2019 03:11 PM
بقلم : رائد سليمان الخشمان
يتميّز الأردن بثروته البشرية وإنسانه المجتهد الكفؤ والمؤهّل، لذا كان الملك الراحل الحسين بن طلال رحمه الله يردّد دائماً بإن "الانسان أغلى ما نملك"، لأنه كان يدرك جيداً أن الأردن لا يمتلك ثروات معدنية وطبيعية تشكّل دعامة قويّة وكافية لدعم إقتصاده، فكانت ثروته الأغلى هي الثروة البشرية والمتمثّلة في الأنسان الأردني المتعلّم والمرغوب به بشدّة في أسواق العمل للدول العربية الخليجية، والمؤهل لدخول أسواق العمل الاوروبية والعالمية، والمنافسة فيها للحصول على أفضل فرص العمل نظراً لمهنيته وأمانته واجتهاده. وعلى مدى عشرات السنين مثّلت تحويلات المغتربين المالية رافداً مهماً من روافد الأقتصاد الوطني، فكان من الطبيعي أن تكون وزارة الخارجية وشؤون المغتربين على الدوام أهم الوزارات في الأردن، لأنها تُعنى بدعم الأنسان الاردني المتواجد في العديد من الدول، وتوفير أفضل التسهيلات الادارية والقانونية، وتقديم الخدمات التي يحتاجها بأفضل صورة ممكنة. ويتبادر الى اذهان العديد من الناس تساؤلات كثيرة حول جودة ما تقدّمه الدولة الاردنية من رعاية وخدمات الى سفراء الاردن وثروته الحقيقية ودعامة اقتصاده؟
تتركّز مهام وزارة الخارجية في أي دولة على محورين مهمين: تنظيم العلاقات الخارجية مع الدول الأخرى، ورعاية مصالح مواطنيها المقيمين في تلك البلدان. وبنظرة تقييمية سريعة نجد أن حكومتنا تركّز على محور العلاقات وتهمل محور رعاية مصالح الجاليات الى حدٍ ما، وهذا واضح في تركيبة طواقم سفاراتنا في الدول المختلفة. فغالبية موظفي الخارجية هم دبلوماسيين وليسوا موظفي دعم وخدمات، والاولى أن تتوفّر دائرة قانونية بطاقم مختصين في سفارات الدول التي تعيش فيها جاليات بإعداد كبيرة لتقديم الدعم والمشورة القانونية لمن يحتاجها ويطلبها من المقيمين حسب قوانين البلدان المضيفة، ودائرة تابعة لوزارة العمل تتابع أحوال العاملين ومصالحهم وتقدم المشورة لهم عند الطلب، وتتعاون مع الدول المضيفة لحماية حقوقهم فيها وللتسويق لجلب المزيد من القوى العاملة حسب الفرص المتاحة، بالاضافة الى دوائر الخدمات الاخرى التي تُعنى بإنجاز المعاملات المختلفة سواء للمقيمين أو لمواطني الدول المضيفة. ولو نظرنا الى ما تقدمه الدولة الاردنية للمحافظة على رأسمالها ومصدر دخلها الرئيسي (الانسان الاردني المغترب) فهو مخجل بكل المقاييس. فالاردنيون يفتقدون حماية سفاراتهم بالخارج لأبسط حقوقهم الانسانية والماديّة والاقتصادية والفكرية، والامثلة كثيرة ومؤلمة، فالكثيرين من الأردنيين سُلبت أموالهم أو خسروا جزءاً من ممتلكاتهم وحقوقهم أو تم سجنهم دون أي دعم ومساندة من سفاراتنا، لا بل وقفت موقف المتفرّج أو لم تتواجد بالقرب منهم رغم اللجوء اليها، وأذا ما قامت بالتدخّل في بعض القضايا، فإن ذلك يعود لإثارة اعلامية وشعبية أو مناشدات للمسؤولين، وكأن ذلك ليس من صُلب عملهم وصميم مسؤولياتهم.
وعلى سبيل المثال دعونا نُمعن النظر في أحدى الخدمات التي يحتاجها المغتربون بشدّة وهي عملية تجديد جوازات السفر أو المعاملات الادارية مثل اصدار وكالات عامة وخاصة أو تصاديق وغيرها. فمعاملة جواز السفر يتم انجازها في سفارات الدول الأخرى مثل السودان ومصر وسوريا وغيرها في نفس اليوم أو خلال فترة وجيزة، في حين يحتاج المغترب الاردني الى فترة قد تصل الشهر أو أكثر حتى يتم أرسالها بالبريد الدبلوماسي الى عمان لتجديد هذه الوثيقة المهمة، ومن المؤسف أنه ورغم سوء الخدمة يتم تقاضي رسوم باهضة للتجديد تصل ما بين (100 - 300 دينار). ولا أدري ما المانع في انشاء مكاتب لدائرة الأحوال المدنية والجوازات في سفارات بعض الدول التي تتواجد فيها جاليات أردنية كبيرة كدول الخليج وغيرها لأنجاز معاملات المغتربين بشكل فوري، خاصة وأننا نعيش في عصر الثورة المعلوماتية والتكنولوجية والحكومة الالكترونية، على أن يتم زيادة الرسوم في حال تجديد الجواز خارج الوطن بنسبة بسيطة، وعدم أستغلال حاجة وظروف هؤلاء الناس، فبعضهم من ذوي الدخول العادية ولديهم عائلات كبيرة.
وفي نفس السياق فإن غالبية الدول تشترط وجوب الا تقل صلاحية الجواز عن ستة أشهر لاستخراج تأشيرات الخروج والعودة أو لإجراء حجوزات الطيران، لذا يحاول بعض المواطنين تجديد جوازاتهم أثناء الاجازة، ولكنهم يصطدمون بشروط دائرة الأحوال والجوازات المجحفة بعدم تجديد الجواز اذا تبقى من فترة صلاحيته ما يزيد عن ستة أشهر والا يتم أستيفاء رسوم مضاعفة (100) دينار بدلاً من (50) دينار. وبالتالي يتم أستغلال ظروف هؤلاء المغتربين بشكل سيء دون أي مراعاة لمساهماتهم الوطنية المهمة، فما المانع لو تم السماح بتجديد الجواز خلال السنة الاخيرة من فترة صلاحيته (بدلاً من ستة أشهر) دون رسوم اضافية، وفي النهاية الدولة تكسب لأنه يتم تجديد الوثيقة قبل انتهاء فترة صلاحيتها الكليّة المحددة بخمس سنوات.
وبعيداً عن خدمات السفارات، فإن ما تقدّمه الدولة الاردنية من تسهيلات لأبنائها المغتربين على المنافذ الحدودية يحتاج الى اعادة النظر، من حيث تطوير الخدمات وانشاء بعض التطبيقات الالكترونية لتسديد الرسوم، وزيادة طواقم العاملين أثناء مواسم الاجازات للتسهيل على المسافرين والذين يقضون ساعات طويلة على الطرق البرّية متشوّقين لرؤية وطنهم ولقضاء اجازاتهم مع محبيهم، دون منغّصات وتعقيدات وساعات طويلة من الانتظار على الحدود في ظروف الحرّ أو البرد. والواجب على الدولة توفير بعض الخدمات اللوجستية كالمطاعم والمساجد ودورات المياه النظيفة وغيرها بمستوى جودة عالي للقادمين (سواء مواطنين أو ضيوف) بعد قضائهم لساعات طويلة في السفر؛ لجعل دخولهم للوطن خبرة جميلة تزيد من حماسهم لقضاء أجازاتهم في الأردن، بدل البحث عن وجهات أخرى في عالم يتطوّر بسرعة مذهلة، وتتوافر فيه الخيارات والتسهيلات العديدة والمغرية، وعليه أتوجه بمناشدة مسؤولي الدولة الأردنية أن تساعدوا أبناء الوطن وأخواننا العرب ليكون خيارهم الأول دائماً هو الأردن، وفي ذلك خيرة للجميع.