حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الإثنين ,23 ديسمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 8167

تراجعنا .. وشيخوخة مجتمعنا

تراجعنا .. وشيخوخة مجتمعنا

تراجعنا  ..  وشيخوخة مجتمعنا

11-06-2019 02:58 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم : د. رياض خليف الشديفات
شهد المجتمع الأردني الحديث نهضة بدأت مع نشوء الإمارة في عشرينيات القرن العشرين، وحقق إنجازات في مختلف المجالات رغم ضعف الموارد والتحديات الداخلية والخارجية، واستمرت هذه النهضة وهذه الإنجازات في تصاعد مستمر حتى بداية التسعينات من نفس القرن حيث بدأ التراجع يظهر بصورة ملفتة للنظر وتدعو للقلق، ويظهر التراجع في المجالات التالية:
- مجال القيم والأخلاق: فلا يخفى على أحد الانهيار الكبير الذي أصاب منظومة القيم وتحولها إلى قيم مادية ونفعية ونظرية فقط مما يهدد المجتمع بالخطر.
- في مجال التعليم: يعد التعليم الحصن المنيع للمجتمع ورافعة النهضة إلا أنه تحول إلى تعليم كمي نظري يهتم بالشكل دون المضمون والجوهر مما تسبب في تراجع المجتمع وتركيزه على الحصول على المؤهلات غير القادرة على تنوير المجتمع ومواكبة التطور.
- في مجال الإدارة العامة: فقد شهدت الإدارة العامة تراجعا واضحا عبر الترهل الإداري وتفريخ المؤسسات النفعية لطبقة المتنفذين تحت مسميات " الهيئات المستقلة " والمسميات المتشابهة في عملها مع القطاع العام، وغياب العدالة، وضعف الإنتاج، وتغلل الواسطة والمحسوبية مما تسبب في شيخوخة واضحة في هذا المجال.
- في المجال البرلماني والسياسي: فقد عجزت الحياة السياسية والحزبية والبرلمانية عن تنمية المجتمع سياسيا، وتحولت الى ديكورات شكلية عاجزة عن التشريع والرقابة، وبمقارنة بسيطة بين الحياة الحزبية والبرلمانية في الخمسينات من القرن الماضي وبين واقعها الحالي نجد الفارق الهائل، فقد كانت حياة حزبية فاعلة مؤثرة ببرامجها ورجالها وقدرتها على معالجة تحديات المجتمع ومشكلاته ، أما اليوم فهي عاجزة عن القيام بدورها إضافة إلى حجم الخلل الذي دخلها في طريقة إنشاء الحزب واختيار النائب واختيار الوزير والمسؤول بما لا يخفى على احد .
- في المجال الصحي: فعلى الرغم من التطور التقني والعلمي في مجال الرعاية الصحية وتقديم الخدمة إلا أن نوعية الخدمة تشهد تراجعا واضحا في هذا القطاع إضافة نقص الكوادر والخبرات وطريقة التعامل بدليل حجم الشكاوى والملاحظات التي يلاحظها المراجع وتنقلها وسائل الإعلام وكثرة الأخطاء الطبيبة وحالات الاعتداء على الطبيب والمرض والعامل في هذا القطاع، وسمعة الأردن في هذا المجال تراجعت لصالح دول ومجتمعات ساهم الأردنيون في تعليمها وبناء مؤسساتها التعليمية والصحية فيها.
- في مجال الثقافة: تعد الثقافة بمفهومها الشامل وبعناصرها المتعددة من لغة وتراث وتاريخ وعقيدة وعادات سليمة ونمط تفكير وحياة الوعاء الحافظ لهوية المجتمع والمدافع عن قيمه وثوابته إلا أنه تم تشويه مفهوم الثقافة بقصره وحصرة ببعض الفنون والمهرجانات الغنائية والفلكلورية الشعبية، ويتم هذا بفعل الغزو الإعلامي والفكري ، وبتركيز الإعلام على نمط محدد من الثقافة ، ولم يعد المجتمع قادرا على رعاية المثقفين والمبدعين ، وكأن المجتمع عقم عن إنجاب جهابذة الشعراء والأدباء والمفكرين كأولئك الذين كنا نقرأ لهم ونستمتع بالقراءة والاستماع لهم .
- في مجال الزراعة: يعد الأمن الغذائي لأي مجتمع الحارس الأمين لحياة المجتمع، وقد تم القضاء التام على الأمن الغذائي بعدم قدرة المجتمع على انتاج قمحه وزراعة ارضه التي زرعت مكانها الحجارة والبيوت الفارهة، وهذا ناتج عن خلل الإدارة العامة، وناتج عن الثقافة الاستهلاكية وسهولة استيراد هذا المحصول الاستراتيجي، ولا خير في مجتمع يستورد خبزه، ولعل القضاء على التعليم وعلى الزراعة المقدمة لهدم بنيان هذا المجتمع لمصلحة من أرادوا ذلك.
- في مجال البحث العلمي: تعد جامعاتنا ومؤسسات البحث العلمي في آخر سلم ترتيب المؤسسات العلمية في العالم من حيث المساهمة ، ونسبة الإنتاج العلمي، وقدرة البحوث العلمية على معالجة مشكلات المجتمع، والأمر الأشد إيلاماً أن مؤسسات التعليم العالي تحولت إلى مؤسسات لتخريج العاطلين عن العمل، وزيادة البطالة، وتكريس ثقافة منافية للعلم واهدافه، بينما الهدف المنشود لهذه المؤسسات تخريج التنويرين والنخب القادرة على النهوض بالمجتمعات ، وهناك حالات من حاملي الدكتوراة لا يختلف تفكيره عن تفكير العجائز .
ولهذه الأسباب وغيرها بدأت علامات الشيخوخة على مجتمعنا الذي طالما تغنينا بأنه مجتمع شاب فتيُ، ولا تقاس المجتمعات بأعمار مواليدها، وإنما تقاس بقدرتها على الاستمرار والعطاء والإنتاج ومقاومة التحديات الداخلية والخارجية، فإن عجزت عن ذلك فهي مجتمعات مصابة بالهرم والشيخوخة.








طباعة
  • المشاهدات: 8167
لا يمكنك التصويت او مشاهدة النتائج

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم