11-06-2019 03:15 PM
بقلم : الدكتور سليمان الرطروط
لم يكن إنعقاد المؤتمر الصهيوني في بال عام 1897م إلا تتويجاً للجهود الصهيونية المستمرة منذ مئات السنوات، وخلاصة للأفكارالصهيونية الداعية لإنشاء منطقة يلجأ إليها اليهود من العالم أجمع. وقد تعددت الخيارات، ولكن أفضلها لجذب الدعم اليهودي والغربي هي فلسطين، وقد عمدت الحركة لإنشاء مستوطنات زراعية، وحاولت إقناع السلطان عبدالحميد بأن يكون للمستوطنات ما يشبه الحكم الذاتي في المنطقة الواقعة ما بين يافا والقدس خاصة.
ومع بداية الانتداب البريطاني وتسهيل هجرة اليهود، ومنحهم التابعية الفلسطينية قانونياً، والاعتراف الرسمي بالوكالة الصهيونية ممثلا لليهود في فلسطين، ثم إعطاء الوكالة الأرضي الأميرية الكبيرة، والسماح لها بإنشاء ميلشيات مسلحة بحجة حماية المستوطنات؛ كل ذلك مهد لإنشاء ما سمي بدولة إسرائيل؛ حيث امتلك اليهود الخبرة والحماية الكافية خلال ثلاثين سنة من الانتداب.
إن الحركة الصهيونية كانت في معظم أدبياتها تطمح للحكم الذاتي تحت ظل أي دولة قوية، ولكن مع شعور المهاجرين لفلسطين بالقوة والكثرة، وبإلإضافة لوقائع ونتائج الحرب العالمية الثانية، فقد تطور الفكر الصهيوني للمطالبة والعمل على أن تكون لهم دولة مستقلة، كما ونشأت في الفترة السابقة لنهاية الحرب الثانية بعض حركات التحرر العالمية من قيود الاستعمار، فقد بدأ قادة ومفكري الصهاينة إقناع أنفسهم للقيام بحركة تحرر وطني من ربقة الاستعمار البريطاني؛ فعمدوا للقتل والتفجيرعن طريق منظمات متطرفة أصبح زعيم إحداها رئيساً للوزراء.
وبعد إعلانهم الاستقلال والبدء بحرب التحرير المزعومة، والتي انتهت بتهجير معظم الفلسطينين العرب، والرحيل الظاهري للقوات الانجليزية، إلا أن قادة الصهاينة وأدبياتهم تدعو لضرورة الارتباط العضوي المباشرمع دولة عظمى على الأقل لحمايتهم وتعزيز وجودهم( مشابه للحكم الذاتي )، كما أعلنوا أنهم دولة ديموقراطية علمانية وليست عنصرية، وهي لكل مواطنيها، وتحترم تنوع ثقافتهم، وتفرض عليهم التجنيد الإجباري كمواطنين، وتوافق على تقسيم فلسطين التاريخية، وتحترم حدود الدول العربية، وتدعو للسلام .
ثم تطورت الأمور بعد حرب 67 والتي هزم فيها العرب جميعاً، وزادت مساحة كيان الصهاينة أضعافاً مضاعفة، وأظهروا للعالم الغربي المظلومية؛ فقد دافعوا عن أنفسهم أمام الهدير العربي الصاخب، ومع ذلك فهم يمدون أيديهم للسلام، ويوافقون على القرارات الدولية، كسباً للوقت وتفريغاً للأرض من أهلها الفلسطينيين. وفيما بعد عقدت اتفاقيات السلام الموعود بين ( دولة إسرائيل ) ومنظمة التحرير الفلسطينية كمنظمة وليست دولة، ولتبدأ المفاوضات والتي لا تنتهي، ومنذ ذلك الوقت ظهر وتطور الفكر الصهيوني للمطالبة أن تكون فلسطين التاريخية دولة يهودية خالصة.
لقد تعامل قادة الحركة الصهيونية وخططوا لأهدافهم الاستراتيجية بمنتهى الدهاء والتدرج التكتيكي؛ فمن حكم ذاتي لمنطقة صغيرة الحجم والعدد، إلى دولة يهودية تضم كل فلسطين التاريخية، بل إلى دولة إقليمية كبرى؛ تفرض رأيها وسيطرتها السياسية والاقتصادية والعسكرية على دول الجوار، وإن كان للخطين الأزرقين الرمزية بالنيل والفرات، فلعل دولة الكيان الصهيوني قد تجاوزت ذلك اليوم.
وبعد مائة عام على الاحتلال الانجليزي لفلسطين ، فما أشبه اليوم بالبارحة ، لقد هيأ ومكّن هربرت صموئيل_ المندوب السامي البريطاني_ لهجرة وتوطن اليهود بفلسطين، وأما الآن فكوشنر وفريقه مع السفير الأمريكي فريدمان يبذلون قصارى جهدهم لتمكين اليهود من المحيط إلى الخليج عبر ما يسمى بصفقة القرن.
ومن بديهي القول أن الدول وخاصة الكبرى تعمد لتنفيذ خططها بشكل ناعم أولاً، ولكن إن لم تستطع لجأت للتنفيذ القسري العسكري، فهل تسعى الولايات المتحدة عبر حشودها العسكرية للتنفيذ أم للتخويف والتهديد؟ ومن المعلوم أيضاً أن الدول وخلال الحشد التكتيكي لا ترغب بالحرب، ولكن قد تشتعل حرباً كبرى ودون قصد وبعلل بسيطة، وربما على يد جندي صغير. ولعل إفشال تشكيل حكومة إسرائيلية قد يدفع نتينياهو إلى المغامرة بالحرب؛ لخلط الأوراق، وإشعار الصهاينة بالخطر، مما يدعوهم للالتفاف حوله، فهنالك من يصفه بملك اليهود.
أعتقد أن الأيام القادمة تحمل الكثير من الأحداث التاريخية المهمة، والتي قد تُغير شكل المنطقة على الأقل.