11-06-2019 03:25 PM
بقلم : د. غازي عبدالمجيد الرقيبات
شاءت قدرة الله سبحانه وتعالى ان تكون الموارد الطبيعية لوطننا الغالي محدودة جدًا ،كما ساهمت طبيعة الجغرافية في تعقيد الامور على المواطن الاردني فلا غرابة ان تجد ان الارض الزراعية لا تتجاوز 8% من المساحة الكلية لهذا الوطن ولا تتجاوز الثروة الحرجية فيه 1% من مساحته ، وباتت هذه المساحة المحدودة مهددة بالزوال بفعل التعدي الجائر للمواطن عليها ، ومن اوجه هذا التعدي الحرائق التي اخذت في الآونة الاخيرة تلتهم مساحات واسعة من البساتين الخضراء والمحاصيل الزراعية والحرجية ، وما كانت هذه الحرائق لتحدث لولا فعل العابثين والمخربين والباحثين عن مال بأسرع واسهل الطرق الممكنة حتى لو كان ذلك على حساب الاخرين ، متناسين ان ما تلتهمه هذه الحرائق هو ملك للمواطن والوطن ، متجردين بذلك من محاسبة الضمير واي وازع داخلي للحفاظ على ثروات هذا الوطن ومقدراته ، وبتصرفات لا مسؤولة قد تصدر من البعض بأوجه مختلفة كاستهتار في إشعال النيران بقصد الطهي اثناء التنزه او قيام بعض السائقين برمي اعقاب السجائر على جوانب الطرقات أو قيام البعض بحرق الاعشاب في مناطق سكناهم مما يؤدي الى اتساع وتفاقم النيران وبالتالي تخرج عن نطاق السيطرة فتبدأ النيران بالتوسع والتهام المزيد من المساحات عندها تخرج عن نطاق السيطرة وتبدأ المعاناة ..
إن ما حدث هذا العام من حرائق في مختلف مناطق المملكة وخلال فترة وجيزة من بداية هذا الصيف والتي وصل تعدادها في مطلع هذا الاسبوع الى (6192) حريق في مختلف مناطق المملكة ، حيث لاحظنا كيف اتت النيران على قرابة 800 دونم من الغابات والاراضي الخضراء في محافظة جرش ، وكذلك نفس المساحة تقريبا التهمتها النيران في محافظة البلقاء ، اضافة الى الحرائق التي اتت ايضاً على مساحات واسعة من المحاصيل الزراعية والاراضي الحرجية في مواقع مختلفة من محافظتي اربد وعجلون ..
نعم لقد كان هناك دور لارتفاع درجات الحرارة العالية نسبيًا وجفاف الاعشاب التي شكلت ظرفا ملائماً لنشوب الحرائق خاصة في ظل غياب او عدم التقيد بمتطلبات السلامة العامة اللازمة ، يضاف الى ذلك غياب خطط الطوارئ المتكاملة بين مختلف مؤسسات الدولة ذات العلاقة ، وان وجدت هذه الخطط فقد جاءت متأخرة من قبل البعض ، واذا استمر هذا الحال مع الصمت الحكومي المستغرب والمستهجن لعدد الحرائق الكبير والمساحات الواسعة التي اكلتها النيران اقول : ماذا ننتظر بعد ؟!! (تدمير للنظام البيئي بشقيه النباتي والحيواني والذي اخذ بالانحدار تلقائيا في السنوات الاخيرة ) وهنا لا بد من الاعتراف انه علينا كمواطنين يقع جزء من هذه المسؤولية ، ولنسال انفسنا الا نستطيع السيطرة على التدخين وضبط عملية الاصطياف والتنزه ووضع الفضلات بعد ذلك في الاماكن المخصصة بدلا من حرقها داخل الغابات ، الا نستطيع التحكم بعبث اطفالنا حول مساكننا ، أين ضمائر البعض من عمليات التعمد وافتعال الحرائق؟!
وهل غاب عنا ان استمرت الحرائق يهذا التسارع والوتيرة من القضاء على ما تبقى من غطاء نباتي ، كم من الخسائر الاقتصادية والمالية التي لحقت وسوف تلحق بمقدرات بالوطن وممتلكات المواطنين (كم من الاشجار والمزروعات والبساتين الخضراء التي تحولت الى رماد اسود على مساحات الوطن )، ولتكن صرخة مدوية لكل الجهات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني كل في موقعه ( من مدرسة ومسجد ومؤسسة خيرية واهلية وتطوعية ) لننطلق جميعاً وبمبادرة وطنية لخلق التوعية اللازمة بين كل هذه الفئات لمواجهة هذه الهجمة الهمجية من قبل البعض على الطبيعة ومقدرات الوطن ، وكم نتمنى على وزارة الزراعة بنشر شبكة من اجهزة المراقبة والكاميرات في ابراج المراقبة والمحطات الحرجية وخاصة في الغابات لإعطاء الانذار المبكر ، ثم لتحقيق السرعة في الاستجابة والتعامل مع اي حريق يحدث ، لماذا لا يكون هنالك خطة طوارئ وطنية شاملة عند حدوث الحرائق يجري تفعيلها من قبل مؤسساتنا الوطنية من دفاع مدني ، وزارة الزراعة ، البيئة ، الادارات المحلية ، الجمعية الملكية لحماية الطبيعة ، كما نامل ايضاً في توفير مراكز وطنية متكاملة للإطفاء تكون داخل او بالقرب من مواقع الغابات ، وماذا ننتظر بعد ؟ الا يكفي لهذا الحد ؟ اننا نتوقع من مجلس وزرائنا ان يخصص لهذه الحرائق جلسة خاصة ، ونتمنى ان تكون في القريب العاجل تخصص لمواجهة هذه الهجمة المسعورة على ما تبقى من المناطق الخضراء في وطننا العزيز ، جلسة توزع فيها الادوار والمهام على مختلف الوزارات والمؤسسات الحكومية لحصر هذه الافة ، والتغلب عليها ما امكن ، كما ارجو ان تكون بمثابة صرخة لكافة مؤسسات المجتمع المدني ولكل المواطنين لنتحمل جميعًا مسؤولياتنا الاخلاقية والانسانية في مواجهة هذا الشر المستفحل ، ونأمل ايضا بتفعيل وتغليظ التشريعات لملاحقة مرتكبي الحرائق المتعمدة واتخاذ الاجراءات الصارمة و الرادعة بحقهم ، لعلها تكون رادعًا لتصرفات تلك الفئة الدخيلة. واخيراً اين نحن جميعا من شعارنا الذي طالما رددناه كثيرا ومنذ عقود " نحو اردن اخضر" .. ...؟!!!!