12-06-2019 12:13 PM
بقلم : د. سعود فلاح الحربي
يحمل هذا المقال في طياته اشارة على استحياء للعناصر التكوينية في بناء الشخصية القانونية, والتي ان خلت من احداها فقدت قيمتها وحضورها, وهي حصيلة ملاحظات في تجربة شخصية متواضعه لاعوام في العمل الاكاديمي والتدريس الجامعي, وبرؤية شخصية نختلف او نتفق حولها ويمكن ان تكون نواة كتاب في قابل الايام, ومما لا ريب فيه, ان هناك عناصر اخرى مساهمة في صقل الشخصية القانونية الا انها وبوجهة نظرنا المتواضعة تعد ثانوية, فان كان البناء لا يكتمل الا بوجود اركان اساسية الا انه يصبح اجمل بوجود تلك العناصر الثانونية, اما العناصر التكوينية (الاساسية) فهي بوجهة نظرنا ثلاثة اسميها المثلث القانوني متساوي الاضلاع قاعدته الموهبة وضلعاه التحليل والصياغة, وسنعرض لها في ثنايا المقال على النحوالاتي:
اولاً: الموهبة Talent.
للموهبة تعاريف عده من قبل مختصين متعلقة بالقدرات الذهنية والذكاء والميول, ولسنا هنا بصدد الخوض في تعاريفها بقدر ما يهمنا اسقاطها على العلوم القانونية, وعلى ذلك فاننا نعني بها الموهبة القانونية Legal Talent ذاك انه وحتى تستطيع ادراك شيء او اتقان عمل ما لا بد لك ان تكون قد احببته ولديك الاستعداد الفطري لقبوله, فالمتلقي للعلوم القانونية او المشتغل بها ( قاضي, محامي, استاذ جامعي, طالب, مستشار,...) لا بد ان يكون لديه ميل لتلك العلوم, لا بل ان الامر يصل الى ما هو ابعد من ذلك وهو الاستمتاع عند ممارسة العمل القانوني, ومن مفهوم المخالفة فان الشخص الذي لا يتمتع بهذا الحس ولا تتوفر لديه تلك الرغبة الفطرية في حب العمل القانوني فالاجدى به ان يجد لشخصيته حقلا اخر.
ثانياً: التحليل Analysis.
بعد ان تتوفر الموهبة القانونية والاستعداد الفطري يأتي عنصر اخر لا يقل اهمية عن سابقه, وهو عنصر التحليل ويقصد به القدرة على ممارسة مهارة التحليل والاستنتاج والاستنباط والولوج من الجزئيات الى الكليات والعكس, وتفكيك المسألة وتصنيف موضوعها ابتداً, واستدعاء القواعد الفقهية القانونية والتفسيرية المتصلة بالمسألة, واستخدام كافة الادوات الخاصة بالتحليل القائم على المنطق, ومما تجدر الاشارة اليه ان هذا العنصر يمكن ان ينمى بالاكتساب, ناهيك عن الفهم السليم للمسألة, يقول تعالى: وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ۚ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ ... الى اخر الاية (79) سورة الانبياء.
فالمسألة كانت تتخلص في ان صاحب اغنام اتت على زرع صاحب ارض, فذهب صاحب الارض يشتكي صاحب الاغنام الى داود عليه السلام، فكان رأي سليمان عليه السلام بوصفه مستشاراً لابيه ان يأخذ صاحب الارض الاغنام فينتفع بها حتى ترجع له ارضه كما كانت, وان يأخذ صاحب الغنم الارض فيصلحها ويزرعها حتى تعود كما كانت فيسلمها لخصمه ويأخذ اغنامه، ولما سمع داود بهذا الحكم أعجب به وقضى بين الرجلين, فسليمان عليه السلام فهم المسألة المعروضة فهماً سليماً فكان رأيه صائباً.
ثالثاً: الصياغة Drafting.
تعد الصياغة القانونية (قولية او تحريرية ) من اهم العناصر التي تسهم في البناء القانوني السليم, وهي امتلاك ناصية اللغة واللسان الذي يعبر عن الفكرة القانونية, ويضعها بعد التحليل بقالب مناسب وبوسيلة نقل مناسبة تنقل الفكرة القانونية من ادراك العامل قانونيا الى علم المخاطب, وفي عميلة تشبه ايضا الحياكة الجيدة التي تجعل من قطعة قماش ثوباً جميلاً, فاذا ما توافر في شخص الموهبة القانونية والقدرة على التحليل المنطقي فانه يحتاج الى وسيلة نقل امنه لنقل افكاره الى الاخر, فان لم تتوافر مثل هذه الوسيلة فان الشخصية القانونية تبقى اسيرة الفكرة القانونية التي لن ترى النور, من هنا تأتي اهمية هذا العنصر الذي يضمن وصول امن ومحقق لاثره للفكرة القانونية.
ومن ثم فان اجمتعت هذه العناصر الثلاثة في شخص كان لشخصيته حضورها واقناعها للاخر اي يكن, ولا شك ان اي خلل يعتري احد هذه العناصر يجعل من صورة الفكرة القانونية المطلوب ايصالها مشوشة ولا تعبر عن واقعها. والله تعالى الموفق ،