حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الجمعة ,21 فبراير, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 19125

توحيد مناهج الجامعات

توحيد مناهج الجامعات

توحيد مناهج الجامعات

13-06-2019 01:00 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم : د. إبراهيم بدر شهاب الخالدي
إن أحد أهم أوجه إصلاح التعليم هو تحقيق العدالة بين الطلاب فيما يتلقونه من علوم ومعارف ، وما يحصلون عليه من درجات تعكس مستواهم الحقيقي في هذا الأمر ، ولا يتأتى هذا مع اختلاف المناهج الدراسية وتباين السياسات التعليمية بين جامعة وأخرى في الساحة الوطنية على الأقل .
وبما أن غالبية الطلبة الخريجين سيتقدمون للتوظيف عبر ديوان الخدمة المدنية ، وسيخضعون لامتحان موحد ؛ على افتراض أنهم قد حصلوا من العلم ما يمكنهم من اجتياز الامتحان وتولي الوظائف الشاغرة ، فيفترض أن يكون جميع المتقدمين متماثلين في الحصول على المعارف والمهارات التي تؤهلهم للوظائف التي يرغبونها كل حسب تخصصه ، رغم اختلاف الجامعات ومناهل العلم . ولكن الواقع يشهد بخلاف ذلك ؛ فهناك جامعات تقدم لطلبتها مناهج دسمة شاملة متكاملة مدعمة بالنشاطات الإثرائية ، مقابل جامعات تقتصر المناهج فيها على وريقات هزيلة في ( دوسية ) مصورة ، تباع للطلبة في المكتبات المجاورة ، وبعض هذه ( الدوسيات ) لا يتجاوز العشرين ورقة من إعداد المدرس الذي يمارس مهنة التجارة بهذه المؤلفات إلى جانب مهنة التدريس ؛ فكيف نساوي بين خريجي الجامعة الأولى وخريجي الجامعة الثانية ، وكيف نلزم الطلبة جميعاً بامتحان موحد مع تفاوت القدرات والتحصيل ؟! إن هذا الخلل يستوجب إعادة النظر في المناهج والمقررات الجامعية وسياسات القبول ومطالب التخرج ، بما يحقق العدالة في التحصيل والتوظيف .
ومن الاقتراحات التي من شأنها تحقيق هذا الهدف توحيد الكتب المقررة والمناهج التدريسية في الجامعات الأردنية كافة ، ولاسيما في المواد الأساسية المشتركة العامة ، وإلزام الجامعات في هذا الأمر ، بحيث لا يجوز لها اتخاذ مناهج خاصة بها على حساب هذا المشروع الوطني الرائد . إن هذه الفكرة ، فكرة توحيد الكتب والمناهج في الجامعات ليست جديدة ، وليست فريدة في بابها ، ولن نكون بدعاً في هذا الأمر ، فقد سبقتنا إلى هذه المكرمة دول عديدة ، منها العراق تحديداً وسواه من الدول العربية الشقيقة ، التي عملت منذ عقود طويلة على توحيد المناهج وضبط التعليم في مؤسساتها التعليمية ، وبالتالي ضبط عملية التأليف والنشر ، وهو ما رفع سوية التعليم فيها ، انعكست آثاره الإيجابية في مستوى الخريجين ، ونوعية ما قدموه لأوطانهم ولأمتهم عامة .
إن من أهم فوائد توحيد المناهج الجامعية اضطرار الجامعات الأردنية مجتمعة إلى إعداد مناهج معتبرة غنية شاملة رصينة ، ذات مضامين علمية قيمة ، تخلو من الأخطاء الشكلية والموضوعية ؛ لأن الجميع سيساهم في نقدها وتصويبها وتطويرها باستمرار ، ثم نقضي على ظاهرة المتاجرة بالمؤلفات الهزيلة التي يعدها المتطفلون على العلم ، بهدف الاسترباح غير الشرعي على حساب الطلبة وذويهم .
ولعل ما يدعم هذه الفكرة ويعززها ويمنحها القبول العام والقوة الرسمية إنشاء مركز وطني مستقل لهذه الغاية ، برعاية رسمية وقانون خاص ، تحدد فيه غاياته وأهدافه بقانون إنشائه ، على أن تشكل لذلك لجنة خاصة من العلماء الأجلاء المخلصين ، تكلف بإنشاء المركز الذي يهدف إلى إعداد المناهج التعليمية للجامعات ، بطرائق علمية وفنية عالية المستوى ، وتقوم بعمليات التوجيه والتنسيق بين نشاطات المركز والجامعات المتعاونة والخبراء والمؤسسات التعليمية المختلفة ، وتعمل على تشكيل لجان فرعية مؤهلة ذات خبرة ودراية في إعداد المناهج وتأليف الكتب ، ولا يشترط أن تكون هذه اللجان دائمة أو مفرغة تماماً لهذا الأمر ، بل تتجدد وفق الظروف والأحوال ، أو تكلف بواجبات معينة بحيث ينتهي دورها بإنجاز ما كلفت به . وقد يستعان بخبراء ومختصين من خارج المركز لهذه الغاية ، بحيث تختص كل لجنة منها بفرع معين من فروع المعرفة ، وتعمل على إعداد كتاب من الكتب المقررة الأساسية المتخصصة ، ضمن شروط معينة ومعايير نموذجية ، بحيث تصبح هذه الكتب مراجع معتمدة للتدريس في الجامعات الأردنية كافة ، على أن تكون جيدة الإعداد من حيث قوة المادة العلمية وأصالتها وحداثتها ، وسلامة اللغة والتعبير ، وجودة الإخراج والتنضيد ، مزودة بالصور والرسومات التوضيحية والملاحق الشاملة ، وأن تتم مراجعتها عدة مرات ، بحيث تصدر خالية من العيوب التي تطفح بها الكتب والمقررات الحالية . ويراعى فيها القيم النبيلة والأخلاق الحميدة التي تنطلق من قيم الدين الإسلامي الحنيف ومبادئه . وأن يصدر قانون خاص يلزم الجامعات والمعاهد بألا يقر أي كتاب إضافي للتدريس فيها إلا بعد حصوله على موافقة المركز الوطني للمناهج .
فإذا ما أعدت الكتب بهذه الطريقة وفق معايير المركز النموذجية ، يتم بيعها للطلاب عن طريق الجامعات نفسها ، بحيث يدخل ريع هذه الكتب في موازناتها ، وبذلك نكون قد غطينا جزءاً من العجز المالي الذي تعاني منه تلك الموازنات ، كما نكون قد أوقفنا تطفل المؤلفين وجشع الناشرين ، وقطعنا عليهم الطريق في ابتزاز الطلبة والجامعات ، ووفرنا مبالغ كبيرة ندعم بها موازنات الجامعات التي تعاني من مديونية ثقيلة ، ما تفتأ تتطفل على موازنة الدولة فتزيدها عجزاً على ما فيها من عجز دائم .
وأهم ما في الأمر توفير مادة علمية سليمة رصينة للطلبة ، تصلح مراجع علمية محكمة ، يفيدون منها ويحتفظون بها في مكتباتهم الخاصة ، فيتولد لديهم إحساس بأهمية الكتاب وتتعزز في عقولهم قيمة العلم التي أهدرت بسبب دوسيات المتاجرة . وقد تُسوَّق هذه الكتب ، لما في مضامينها من جودة ورصانة وفائدة علمية ، في جامعات الدول العربية والإسلامية ، وللراغبين في اقتنائها من خارج الجامعات ، وهو ما يدعم موازنة المركز نفسه ، بل موازنة الدولة ذاتها ، فنكون بذلك قد أفدنا طلبتنا وجامعاتنا ، وجمعنا إلى التعليم قيم التربية التي تآكلت شيئاً فشيئاً في جامعاتنا بفضل سياسات خاطئة ، غير منسجمة مع قيمنا وثوابتنا الدينية والوطنية .
وقد يعتمد المركز مرجعاً وطنياً أو عالمياً للحصول على شهادة أو وثيقة تثبت جودة الكتب للنشر والتوزيع ، بما يقابل شهادة ( الآيزو ) العالمية ؛ فالمؤلف الذي يرغب في الحصول على شهادة التميز لكتابه ، له الحرية متى أراد أن يتقدم إلى المركز بمخطوطة كتابه للحصول على تلك الشهادة . والكتاب الذي يدخل في سجلات المركز ، ويحصل عل ختمه وشعاره وشهادة بذلك ، يعني ذلك أنه كتاب متميز ، ويستحق أن يطبع ويوزع ويقرأ ؛ لما يحمله ختم الثقة من معاني الجودة والأصالة ، والسلامة من الأخطاء الفكرية واللغوية ؛ ويعزز قناعة القارئ بمضمونه وفائدته العلمية .
ولكي يتحقق تنفيذ هذا الاقتراح ، فلا بد من جملة أمور متعاضدة متآزرة ، يأخذ بعضها بزمام بعض ، هي : قناعة تامة بجدوى إنشاء مثل هذا المركز الوطني ، وعقول واعية تؤسسه وتشرف عليه ، وإرادة سياسية تسرع بإنجازه ، وضمائر مخلصة تحرص عليه ، وإيمان بالواجب تجاه العلم والوطن والأجيال الصاعدة . فإن توافرت هذه الأمور بدرجة مناسبة ، فلا شك أن هذا الاقتراح سيأخذ سبيله إلى التطبيق بيسر وسهولة ، وستتحقق الفوائد الجليلة التي أشرنا إليها بالصورة التي نرومها منه وأزيد . وأنا على مِثل اليقين ، أنه بإنشاء هذا المركز الوطني ، نكون قد أسسنا صرحاً علمياً اقتصادياً فاعلاُ ، يدر علينا دخلاً يفوق ما يدره مجمع صناعي كبير ، فضلاً عما ما يحققه لنا من سمعة علمية وطنية تنساح في الآفاق ، وتتجدد بتجدد الليل والنهار .
والله الهادي إلى سواء السبيل .








طباعة
  • المشاهدات: 19125
برأيك، هل يصمد اتفاق وقف إطلاق النار في غزة رغم مواصلة نتنياهو وترامب تهديد حماس باستئناف الحرب والتهجير؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم