02-07-2019 10:54 AM
بقلم : المهندس عامر عليوي
بدأت عجلة الابتكارات الهائلة تبين لنا الى أين تسير بنا الطريق، وأخذت تغيّر من قواعد اللعبة وتحوّل المجتمعات، وتحفز الاقتصاد، ففي عام 2018 وتحديداً في مدينة هانوفر الألمانية تحول معرض CeBIT 2018الى مهرجان لتجربة الرقمنة (التحول الرقمي) وقدمت فيه احدى شركات البرمجة الألمانية عجلة دوارة دولابيه ضخمة بارتفاع 60 مترا، توفر 40 كابينة عرض وحوارات مع الخبراء عن كل ما يتعلق بالرقمنة، ورمزت هذه العجلة (الدولاب) للتعبير عن نظرة شاملة مداها 360 درجة إلى عملية التحول الرقمي، والسؤال هل تم في هذه العجلة كشف النقاب عمّا ينتظرنا في المستقبل القريب؟!
نعيش اليوم مرحلة جديدة تسمى بمرحلة "إنترنت الأشياء" IoT نشهد فيها تغيراً تكنولوجياً متسارعاً بدأنا معها نضع القيادة بين أيدي أجهزة تحمل معلوماتنا المهمة والحسَّاسة، وتترابط فيها هذه الأجهزة وتتواصل مع بعضها البعض بسرعات فائقة، وتتخذ قرارات بحسب المؤشرات التي تراها، نعيش مرحلة تتوزع فيها معلوماتنا الشخصية وتُخزَّن في أكثر من قاعدة بيانات وأكثر من جهاز. فاليوم، يوجد في العالم ما يزيد عن 25 بليون جهاز متصل بالإنترنت، أي أكثر منا كبشر بثلاثة أضعاف! ويتوقَّع أن يصل الرقم إلى أكثر من 30 بليوناً في العام القادم، ومن المتوقع بعد خمسة أعوام من الآن ان يصل عدد الأجهزة المرتبطة ببعضها عبر الانترنت الى 70 بليون جهاز، إنه ترابط إلكتروني لم يسبق له مثيل! يقول فيليب ميتزجر، المدير العام لمكتب الاتصالات في الاتحاد السويسري: "سيصبح لدينا عالم مترابط يمكن للبشر الاتصال مع بعضهم البعض ومع الأجهزة أيضا المرتبطة ببعضها البعض، وسيتم استخدام خدمات مختلفة مدمجة في شبكة واحدة، الناس سيكونون متصلين مع كل الأجهزة التي يستخدمونها".
صحيح أن هذا الترابط للأجهزة سيوفِّر لنا أسلوب حياة مريح ومرفّه، لكن ذلك يتطلب منّا ان لا نغفل عن ضرورة المحافظة على معلوماتنا المخزنة على هذه الأجهزة، وهذا يضع الحكومة بكافة مؤسساتها وأجهزتها امام تحدي كبير لمواجهة التهديدات السيبرانية ليس فقط عن طريق سن القوانين و الأنظمة وإنما من خلال القيام بالإجراءات والتدابير واستخدام التقنيات والأدوات اللازمة لحماية سلامة الشبكات والبرامج ومراكز الأجهزة والبيانات من الهجمات الالكترونية أو التلف أو الوصول غير المصرّح اليها، بالإضافة الى اطلاق الحملات التوعية والتثقيفية للمجتمع بحيث تصبح ثقافة الأمن السيبراني جزء من ثقافتنا العامة، لان الافراد هم الحلقة الأضعف في منظومة الفضاء السيبراني.
أن تكنولوجيا المعلومات ليست مجرد وسائل للتواصل والتفاعل مع العالم والآخر، لقد أصبحت بالفعل قوى بيئية وأنتربولوجية واجتماعية تشكل عالمنا وتعيد صياغة كيفية ترابطنا، فعصر الصناعة بدأ يتلاشى ويخلي السبيل إلى عالم الرقميات، والدال على ذلك أن 70% من الناتج المحلي الإجمالي لأعضاء مجموعة السبع (كندا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، واليابان، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة الأميركية) يعتمد على السلع غير المادية، أي ذات الصلة بالمعلومات وليس بالسلع الزراعية والصناعية، أو بعبارة أخرى إن اقتصاد هذه المجموعة أصبح قائماً على المعرفة. (يا خوف قلبي ينفهم كلامي غلط ويطلع الحل لمواجهة التحدي السيبراني هو بتغير اسم إحدى الوزارات الى اسم وزارة الاقتصاد المعرفي!!! وهيك بنكون حلينا المشكلة وحمينا أنفسنا!!!).
إن حقيقة ما نحن مقبلون عليه يدفعني للتساؤل: ما الذي يواجهنا ونحن قاب قوسين او أدنى من اطلاق الجيل الخامس لشبكات الاتصالات 5G والتي قبل البدء باستخدامها عملت على قلب موازين اللعبة العالمية، وما الذي سيحدث عندما يظهر الجيل السادس من شبكات الاتصالات6G في عام 2040 كما يتوقع؟ ونحن وللأسف حكومات وافراد ما زال اهتمامنا بهذا الحدث الذي سيغير وجه البشرية لا يتعدى استخدامات الانترنت التقليدية، المتمثل فقط بتصفح المواقع، وما زال انجاز حكوماتنا المتعاقبة في مشروع الحكومة الإلكترونية هو فقط اصدار شهادة عدم المحكومية، وما زالت الحكومة بعيدة سنوات ضوئية عن توظيف الذكاء الصناعي في أدائها وفي كافة مفاصلها، ونشاهد الدول من حولنا قد تهيأت لهذه الثورة التقنية، فطورت صناعاتها، ومهدت لبناء المجتمعات الذكية، فأنتجت السلع المتطورة، وزودت المصانع بالروبوتات الذاتية القيادة، فضلا عن القطارات والسيارات ومركبات الفضاء التي تقود نفسها بنفسها، نحن على عتبات ثورة هائلة ستستخدم فيها البطاقة الذكية chip والتي ستكون محور التقنية المقبل، وحلقة التواصل بين الإنسان والأجهزة عبر "إنترنت الأشياء" الامر الذي سيحول جميع الأجهزة وجميع المعدات إلى أشياء ذكية، تعمل وتتواصل وتنفذ رغبات الإنسان بدقة وحرفية عالية، وفي جميع أماكن ومجالات الحياة، في المنازل والمزارع والمستشفيات والجامعات وفي الحروب العسكرية وحتى في الثلاجات وخزائن الالبسة! شوارع المدن سوف يُسيطر عليها رقميا، السيارات والقطارات ستتحكم في مسارها الأقمار الصناعية، فيما ستتحول وسائل الاعلام الى رقمية بالكامل، والسيارات بدون سائق ستكون قادرة على التحدث مع بعضها البعض عبر أنظمة تحكم عالية في الدقة، وغيرها كثير مما يفوق الخيال، فالقادم الآن هو التفاعل والتفاهم والتناغم بين الإنسان والأجهزة المختلفة وبين الأجهزة مع بعضها البعض، إنه أيضا العصر الذي سينتهي فيه الصراع بالأسلحة التقليدية ويتحول الى الحـروب الذكية بالتقنيات والتي ستـجعل من العالم كله عبارة عن لعب إلكترونية تدار بالريموت كونترول، كل ذلك يدق ناقوس الخطر، فالعالم اليوم هو عالم الاختراق السيبراني، فماذا نحن فاعلون؟!!!