08-07-2019 12:08 PM
بقلم : عمر أكثم القسوس
تلعب الحكومات في جميع انحاء العالم الدور الأهم والرئيسي في تطوير وتنمية العجلة الاقتصادية من خلال محاور بنيت أساسا لتحقيق النمو الذي يتناسب مع الرؤية التي تضعها الجهات المختصة بالحكومة وضمن الامكانيات المتاحة وبالتعاون مع القطاع الخاص وضمن الشروط التي تضعها الحكومة وليس العكس وبما يضمن انجاح المهمة وبشكل يتناسب مع احتياجات الطرفين – العام والخاص. ومن هنا، فانه يتوجب على الحكومة التركيز على بعض المقومات المحلية المتوفرة والتي تستطيع الدولة من خلال تبنيها بشكل مركز، على تطويرها وتنميتها وانجاحها بما ينعكس ايجابيا على الاقتصاد الوطني للدولة المعنية آخذين بعين الاعتبار حجم الدولة اقتصاديا وسياسيا وموقعها على الخارطة الجغرافية.
كما هو معروف، يعتبر قطاع المشاريع والمنشآت المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة بالاردن أهم قطاع اقتصادي وطني، حيث يشكل هذا القطاع 99% تقريبا من القطاع الصناعي والتجاري الوطني والذي يساهم بتوفير 70% تقريبا من الوظائف بالسوق المحلي و60% تقريبا من الناتج الاجمالي المحلي. وبذلك، نستطيع اعتبار هذا القطاع العمود الاقتصادي الذي يرتكز عليه الاقتصاد الوطني بشكل اساسي مشيرا الى أهميته كذلك في تعزيز مبدأ التوظيف الذاتي والذي لا بد من تتبناه الحكومة كأحد حلول مشكلة البطالة ودعم الفكر الريادي والمساهمة في بناء بيئة مناسبة للمواطن الاردني بشكل يسمح له اقامة مشروعه الصناعي او التجاري بكل سهولة ويسر دون فرض أية أعباء مالية عليه من شأنها أن تفشل العملية وتضع العقبات الصعيبة في طريقه.
ان الاردن جزء لا يتجزأ من المنظومة الاقتصادية العالمية، وعليه، فهو يتأثر بالتغيرات الاقتصادية العالمية وبشكل كبير بسبب اعتماده على المساعدات الدولية والتي ترفد خزينته بمئات الملايين من الدولارات بشكل سنوي والتي من الممكن أن تتجاوز 50 – 60% من موازنة الدولة السنوية، حاله حال الكثير من دول العالم النامية والفقيرة. ولا أحد يستطيع أن يقول بأن لدى الأردن اكتفاء ذاتي من حيث المنتجات المحلية وان كانت متوفرة بالسوق كالمنتجات الغذائية والصناعات الخفيفة والأدوية والملابس وغيرها، الا أن المواطن الاردني يميل بالعادة للمنتجات الأجنبية لأسباب مختلفة مثل السعر، الجودة، التنوع ... الخ. الأمر الذي يجعل من عملية التنافس ما بين المنتج المحلي والمنتج الأجنبي صعبة للغاية. فاذا ما نظرنا على الأسباب الرئيسية التي تؤثر في عملية التنافس وصعوبته فسوف نجد أن الفروضات المالية التي تقررها الحكومة على تلك المشاريع الصناعية والانتاجية تؤثر وبشكل كبير على سعر وجودة وتنويع المنتج المحلي، الأمر الذي يعكس التيار للمنتج المحلي ويدفعه لصالح تداول المنتج الاجنبي، وهذا بحد ذاته خطأ حكومي جسيم لا بد من تصويبه أو القضاء عليه. فكما نعلم جميعا، ان التسهيلات والاعفاءات التي تقدم الى أي مستثمر اجنبي تفوق بمرات ومرات تلك التي تقدم الى أي مستثمر محلي.
وبذلك، فان المستثمر الأردني أو صاحب المشروع الريادي وبصرف النظر عن حجم هذا المشروع، يتكبد التكاليف والنفقات المالية والتي لا تضع أمامه أي مجال كان في سبيل تحقيق المرونة الكافية بالسعر أو التميز المطلوب بالجودة أو امكانية تنويع المنتجات لتحقيق اكتفاء ذاتي بمنتج أو منتجات معينة. وهنا، فلا بد من العودة الى الموضوع الأساسي وهو قطاع المشاريع والمنشآت المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة والذي أشرنا الى أهميته الاقتصادية أعلاه، فبالرغم من وجود بعض المؤسسات العامة التي تهتم بتطوير وتنمية هذا القطاع، الا انه وللاسف، فان هذا القطاع لا يزال يتخبط يمينا ويسارا نتيجة ضعف الدعم الحكومي له، ولا أقصد هنا دعما بمعنى أن يكون تمويلي من خلال الصناديق الحكومية أو المؤسسات الخاصة المعنية بالتمويل أو بأن يتمثل بمراجعة دراسات الجدوى أو اعداد الدراسة لمن لا يستطيع أن يعدها أو بأن يتمحور بصورة برامج وندوات ومنشورات ذات عناوين براقة والاكتفاء بنشرها على المواقع الالكترونية أو ترويجها عبر السوشال ميديا ومقابلات التلفزيون بالصباح والمساء! ... بل اقصد دعم حقيقي من خلال الوصول الى جوهر الغاية المنشودة لتحقيق ثبات واستقرار ونجاح تأسيس واطلاق تلك المشاريع ضمن ابسط واسرع الاجراءات وضمن اعفاءات مالية تمنح اقلها للفترة الأولى من تأسيس واطلاق المشروع بحيث لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد عن خمس سنوات وفقا لحجم ونوع المشروع. اذا، يجب ان يكون الدعم الحكومي عبارة عن سلسلة من الحلقات التشاركية الحقيقية والتي تمثل منظومة كاملة يتخللها اتفاقيات ما بين القطاع العام والخاص تعد بشروط الحكومة بما يضمن حق القطاع الخاص ويحقق غاية القطاع العام وليس العكس وبتركيز كامل على المحافظات والمدن والقرى والمناطق الأقل حظا.
بالرغم من الاعتقاد السائد بأن الاردن دولة صغيرة بمواردها الاقتصادية وبيئتها الاستثمارية الا أنني أخالف هذا الأمر وبشدة. الأردن دولة غنية بموارد اقتصادية لم تستغل بالشكل المناسب. وقد فشلت الحكومات المتعاقبة بادارتها لتلك الموارد لأسباب متعددة ومختلفة لن أخوض في تحليلها أو التكلم عنها؛ بل سأكتفي بالقول بأن الطريق لا يزال أمامنا، وامكانية التغيير متاحة وبكل قوة، وبأن الآن هو الوقت المناسب لتصويب المسار واعداد خارطة للطريق توضح الخطط الاستراتيجية المتوسطة والطويلة الأجل بمحاور وأهداف واقعية تتضمن خطط عمل ترسم بشكل محكم وتقترن بعامل زمني مجدول وبمهام ومسؤوليات توزع بشكل فعال. كما ولا بد من الاشارة الى أن الموضوع لا يحتاج الى تعقيد ولا علوم فلكية ولا نظريات فيزيائية ورياضية وتحليلية ... الخ.
فالأردن ينقسم الى ثلاثة أقاليم (شمال – وسط – جنوب) والتي تنقسم الى (12) محافظة. وكما هو متعارف عليه، فان اكثر المحافظات حاجة الى التطوير والتنمية هي محافظات الجنوب، ومن ثم محافظات الوسط وبعدها الاطلاع على محافظات الشمال! ومن هنا، فانه يتوجب اعداد خطة تبدأ من هذا المنطلق وتبين آلية التواصل مع أهالي تلك المحافظات وبالأخص مجتمعات أطراف المحافظات. كما ويجب أن يتم تحديد المناطق المؤهلة لاستيعاب مشاريع تنموية تؤثر وبشكل سريع على تنمية العجلة الاقتصادية لتلك المناطق بما ينعكس ايجابيا على المجتمعات المحلية. وبالعودة الى آلية التواصل، فانا أعتقد وبقوة بأنه يجب التواصل مع المجتمعات بشكل شخصي وليس آلي – أي من خلال توزيع أفرقة مدربة ومؤهلة وممكنة – والوصول الى تلك المناطق لمناقشة احتياجاتها بما يقترحه اهالي تلك المناطق كونهم الأعلم بأحوال ألويتهم وقراهم وبلداتهم ومحافظاتهم. وليس بالضرورة أن تكون تلك الأفرقة من كوادر أو موظفي المؤسسات العامة، فبالإمكان تأهيل طلاب الجامعات وتدريبهم من خلال توقيع مذكرات تفاهم مع الجامعات الاردنية والمنتشرة في جميع انحاء الاردن ، على أن يتم بعد ذلك تعبئة طلبات بأفكار مختلفة لمشاريع ريادية ودراستها فنيا واقتصاديا وماليا وبصرف النظر عن قيمة التمويل آخذين بعين الاعتبار كذلك وجود مؤسسة معنية ومتخصصة في ادارة وتنمية هذه المشاريع وهذا القطاع الا وهي المؤسسة الاردنية لتطوير المشاريع الاقتصادية – جدكو – والتي تدير بدورها صندوق تنمية المحافظات والذي اطلق سنة 2012 لتمويل المشاريع الريادية الصغرى من خلال شروط تم وضعها لهذه الغاية والتي اعتبرها أنا شخصيا مجحفة – ان صح التعبير – في حق من اراد ان يستفيد من ابناء المحافظات "الأقل حظا" منالصندوق ومن هذه الشروط على سبيل المثال:
1. الحد الادنى للتمويل 100 الف دينار وبسقف مفتوح!
2. التسديد بواقع 8 سنوات وأول سنتين سماح وبصفر فائدة او مرابحة
3. توفير دراسة جدوى اقتصادية للمشروع أو الطلب من المؤسسة نفسها اعداد الدراسة في حال ان تعذر تقديم دراسة من صاحب المشروع
4. اضافة الى شروط اخرى ...
ان هذه الشروط لا تخدم الغاية حيث أن الغاية الرئيسية من الصندوق ومن المؤسسة هي دعم المشاريع والافكار الريادية بالمحافظات - باستثناء عمان كون انها مشبعة بالمشاريع الاقتصادية - وبالاخص المناطق المتواجدة في اطراف المحافظات. لماذا ألزم المستفيد بأن يكون الحد الادنى من الأس المال التأسيسي (100) ألف دينارللمشروع وأن يقوم هذا المواطن بتسديد هذا المبلغ أو ما زاد عنه بفترة ثمان سنوات وبعد السنة الثانية مباشرة. كم أنه من غير المنطق ان يتم الزام صاحب المشروع بتحويل منتج مشروعه من منتج محلي الى منتج عالمي – اي البدء بالتصدير الى الخارج – وذلك بعد مضي اربع او خمس سنوات من البدء بعمل المشروع وبالوقت نفسه يكون صاحب المشروع ملتزم بتسديد الاقساط والرسوم الحكومية والضرائب ... الخ! وكما أنه من غير المنطق ان يتم تمويل مثل هذه المشاريع دون وجود برنامج حقيقي لتأهيل المجتمع على كيفية ادارة المشروع او اعداد خطة مالية وادارية وتطويرية للمشروع!
وعليه، فاني أقترح تعديل هذه الشروط الى:
1. تخفيض الحد الادنى للتمويل ليصبح 1000 دينار بدلا من 100 الف دينار
2. تكون فترة السداد 12 سنة وبصفر فائدة او مرابحة دون وجود فترة سماح
3. ان يتم اعفاء صاحب المشروع من اي اقساط او رسوم تسجيل المشروع أصوليا او اي رسوم حكومية وضرائب لأول ثلاث سنوات على الاقل وذلك لاعطاء فرصة لصاحب المشروع ان يحقق نقطة التعادل – Break Even Point – على اقل تقدير.
4. أن تلعب جدكو دور الشريك الاستراتيجي لصاحب المشروع خلال السنوات الثلاثة او الخمسة الاولى – بحسب طبيعة عمل المشروع وحجمه – للتأكد من أن المشروع يدار بطريقة سليمة وصحيحة.
5. ان تقوم جهات مختصة بجدكو باعداد دراسة الجدوى الاقتصادية للمشروع والمساهمة باعداد خطة عمل تأسيس المشروع والخطط المبدئية – المالية والادارية والانتاجية – للمشروع
6. ان تقوم جهة مختصة بجدكو بتوفير البرامج التدريبية لكل من يريد ان يطرح فكرة مشروع ريادي بمنطقته من النواحي الادارية والمالية وبالأخص في ادارة المشاريع الصغرى.
اما وفي حال توجه صاحب المشروع الى اي من شركات التمويل الخاصة، فلا بد أن يكون هناك دعم حكومي ومساهمة حقيقية من الحكومة بدعم صاحب المشروع اما من خلال تحمل جزء من الالتزام المالي المفروض على المستفيد او من خلال الضغط على تلك الشركة بتقديم تسهيلات تمويلية وبنسب فائدة مخفضة تتناسب وقدرة المستفيد وذلك في حال وان استكملت الشروط المذكورة اعلاه – دراسة جدوى والتأكد من ان المتقدم لطلب التمويل لديه ما يكفي من المؤهلات والقدرات والمهارات لتأسيس وادارة وتشغيل المشروع بشكل ناجح.
ما ذكرته أعلاه ليس الا اقتراحات بسيطة وسريعة ومتواضعة جدا، حيث يوجد العديد من الاقتراحات والبرامج التي يمكن ابتكارها.
عندما تجتمع تلك الافكار الريادية مع بعضها البعض لتكوين منظومة ممنهجة وموحدة واطلاقها بكفاءة وفعالية ومصداقية ... عندها، يمكننا القول بأننا قد خطينا الخطوة الأولى نحو تطوير وتنمية العجلة الاقتصادية الوطنية.
وللحديث بقية ...
عمر أكثم القسوس