20-07-2019 02:05 PM
بقلم : أ.د. خليل الرفوع
الحياة الديقراطية تقتضي إبداء الرأي فيمن يمثلك ؛ وفي زمن العولمة الفكرية البشرية لم يعدُ ثمَّةَ ما يُفرضُ فرضًا ، فالتنافسيَّة ملمح يغري بإسناد الأمر إلى القادرين على إنجازه باستراتيجيات حكيمة راشدة ، لقد تكاثرتِ الجامعات في بلدنا حكوميةً وخاصةً .
ولم يكن هناك سياسة استراتيجية واضحة لاختيار رؤساء تلك الجامعات ، والمعلوم أن من يتحكم في الجامعات الخاصة وعددها أربعَ عشرةَ جامعةً ابتعاثا وتعيينا وإدارةً هم مالكوها وهي سياسة تخضع لرأي رأس المال الذي يرى مصالحه الربحية قبل أي أمر آخر فالأكفى هو الذي يكون قادرا على جلب المال لجيب المالك ؛ لذا فهي خارج الحسابات في مسألة كيفية تعيين رؤساء مجالس الأمناء وأعضائها والرؤساء والعمداء فهي شركات خاصة لعل رأسمالها أقوى في التعالق مع الحكومات وتنفيذ ما تراه مناسبا ، قبل بضع سنوات كان أحد رؤساء الوزارات مدفوعا للتماهي معها علانيةً كونه كان رئيسا لمجلس أمناء إحدى تلك الجامعات .
وأما الجامعات الرسمية المملوكة للدولة وعددها عشر جامعات فهي تخضع كأي مؤسسة حكومية لمزاجية الحكومة ممثلة بوزير التعليم العالي توجيها وإدارة وتعيينا وإقالةً ، ولكل وزير خططه (الاستراتيجية) وهي في الحقيقة خطط فردية بلا دراسة واقعية وبلا رؤية صلبة بعيدة المدى ، والدليل على هشاشتها أن كل وزير جديد ينسف خطط سلفه الظاعن فلا يُبقي لها أثرا، ففي تعيين رؤساء الجامعات كان التخبط والانتقائية واضحا لا يحتاج إلى تجليةٍ ، كان قديما منوطا برئيس الحكومة ثم بوزير التعليم العالي ثم بمجلس التعليم العالي ثم بمجالس الأمناء وهي معينة كلها من وزير التعليم العالي بلا رقابة أو محاسبة من مجلس النواب المشغول بتعيين الأقرباء ، وكلها طرائق كانت خاضعة لمزاجية الفرد أو الجماعة تحت ضغوط الوساطة والصداقة ، ولا نعلم كيف تكون الاستراتيجية مع وزير التعليم الحالي ، والسؤال الذي يمكن للعاقل طرحه هو لماذا لا يُجرب انتخاب رؤساء الجامعات بدلا من المزاجية التسلطية الفوقية على أعضاء الهيئة التدريسية التي تعد عمود الإبداع والتفكير والتجربة والحكمة ، وهي فئة محرومة من نقابة تمثلها، فكل مكونات الشعب الأردني المهنية تختار ممثليها باستثنائهم ، ولا أعلم موقف السلطتين التنفيذية والتشريعية من حرمان أساتذة الجامعات من نقابة تمثلهم وتحفظ حقوقهم وترفع من كفايتهم الأكاديمية والعلمية، وتطالب بحقوقهم الوظيفية والمالية وصولا إلى مستويات مقبولة من الرضا ؛ فنهضة الجامعات هي نهضة وطن وأمة كما أنها حق دستوري لكنه يجب أن يكون في إطار مهني واضح في ظل عباءة الوطن التي تتسع لكل أبنائها ، إن اختيار الرؤساء بالانتخاب من أعضاء الهيئة التدريسية سبيل للوصول إلى رؤساء يمتلكون شرعية أكاديمية واستراتيجية إدارية غير خاضعة لأهواء وزير أو حكومة وهو يتحمل تبعات المسؤولية كلها ، فالأساتذة يشاركون في الإشراف على انتخابات اتحادات الطلبة والانتخابات البلدية والنيابية وغيرها بلا مقابل مادي ولعل بعضا من زملائنا يمارسون تلك الحقوق في نقابات مهنية كالأطباء والمهندسين والمحامين والجيولوجيين وغيرهم ، لكنَّ العدد الأكبر محروم من تلك الحقوق ، إن البدء باختيار رؤساء الجامعات بالانتخاب كلٌّ في جامعته أمل مشروع منتظر، وفي ضوئه يمكن أن تُجْعَلَ الجامعات مؤسسات تنهض بذاتها فأساتذتها أعرف بمن يمتلك قدرة إدارية فكرية على إدارتها ؛ فهي ليست منصبا سياسيا خاضعا لاعتبارات جهويةٍ عشائرية وشروطٍ مُقَوْلَبَةٍ مُفَصَّلَةٍ ، ثم إن كثيرا من الأساتذة يحجمون عن السعي لتولي الرئاسة أو غيرها من المواقع الإدارية ، ولكلِّ طريقةٍ حسناتها وسيئاتها في التعيين لكن اختيار الرئيس بالانتخاب هو أفضل السبل للوصول إلى الأجدر لقيادة الجامعة رئيسًا وعمداء بعيدا عن تحويلهم إلى موظفين إداريين لا يمتلك بعضهم طاقة أو تصورا للارتقاء بجامعته وطنيا وعالميا بحيث يتحررُ من توجيهات مَنْ اختاره.
أ.د. خليل الرفوع