22-07-2019 08:25 AM
بقلم : الدكتور يعقوب ناصر الدين
أوافق الدكتور حسن البراري على سؤاله المنطقي “هل يمكن اعتبار وزير التعليم العالي الأستاذ الدكتور وليد المعاني الشخص الوحيد الذي يمكن أن يصنع فرقا في ملف التعليم؟” وذلك في سياق مقاله بصحيفة الغد يوم السبت الماضي بعنوان نحو تأسيس مرصد للتعليم العالي، فالخبرة والجدية وحتى وضوح الرؤية لدى أحد أعمدة التعليم العالي في بلدنا ليست كافية من دون أن تتشكل معها مجموعة العناصر التشريعية والقانونية والإجرائية والمؤسسية كي تتم معالجة ذلك الملف الشائك لقطاع حيوي تصب مخرجاته، قويها وضعيفها في حيوية الدولة كلها، وفي مشاريع الإصلاح، ومتطلبات التنمية المستدامة.
السؤال الأهم، ولا أقصد الأهم من سؤال الدكتور البراري، ولكن في سياق ما ذهب إليه من تحليل لجوانب كثيره تتعلق بإدارة الجامعات والعمليات الأكاديمية والبحثية، من أنشأ هذا العدد الكبير من الجامعات الحكومية والخاصة، ولماذا؟ ولا أحدد جوابا حاسما في هذه المسألة، فذلك موضوع يحتاج إلى دراسات وأبحاث متخصصة للإجابة عليه، ولكنني أفتح قوسين وأكتب بينهما (الشعب الأردني)!
حسب بيانات منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة “اليونسكو” فإن نسبة الإلمام بالقراءة والكتابة في الأردن تتجاوز الثمانية وتسعين بالمائة، وهي نسبة تضع الأردن في المرتبة العاشرة على مستوى دول العالم، فضلا عن أن المنظمة نفسها تعتبر منظومة التعليم في الأردن واحدة من أجود المنظومات في العالم العربي، وتلك الحقائق إلى جانب وعي الأردنيين بأهمية التعليم، واعتباره مؤشرا على مكانة الفرد في المجتمع، رفعت معيار واجب الأب تجاه تعليم أبنائه من نهاية الدراسة الثانوية إلى نهاية المرحلة الأولى من الدراسة الجامعية، فأصبح التعليم الجامعي حاجة اجتماعية، تتقدم على خطط الدولة وحاجاتها من القوى البشرية، ومنهم خريجو الجامعات بتخصصاتهم العديدة.
نظرة المجتمع – وهي ليست مطلقة – خريج جامعي لا يعمل أفضل من خريج مدرسة ثانوية أو راسب في الثانوية العامة يعمل وينتج ولديه مورد مالي مناسب، والأمثلة على ذلك كثيرة وعديدة ومحزنة أيضا، فقد سمعنا عن فتيات جامعيات يرفضن الارتباط العائلي بشباب غير جامعيين رغم انهم يعملون ويكسبون من العمل في حرف ومهن مختلفة، ومن هنا نشأ ما يعرف بثقافة العيب التي تمنع الخريج الجامعي من العمل في كثير من القطاعات المتاحة!
نعم نحن بحاجة لإصلاح قطاع التعليم بجميع مراحله وإعادة هندسته ليتلاءم مع التغيرات التي يشهدها العالم منذ ثورة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والذكاء الاصطناعي، وحاجات السوق، وغير ذلك كثير، ولكن لدينا مشكلة في النظرة الاجتماعية السائدة، التي جعلت من تجربة معاهد التعليم المهني، ومراكز التدريب مرتبة متدنية في السلم الاجتماعي رغم أنها الأقرب لسوق العمل!
من أين نبدأ، سؤال مهم جدا، ولكنه محير أيضا، ولعل إدراج البعد الاجتماعي في العملية التعليمية تساعد المعنيين على الربط الوثيق بين أداء الجامعات والدوافع الاجتماعية التي أدت إلى إنشائها، وهي إن كانت من فضائل مجتمع يقدر عاليا التعليم، ويحرص على توفير أرفع مراتب التعليم لأبنائه، ومع ذلك فالمعادلة تستحق قدرا كافيا من التوازن!