23-07-2019 12:51 PM
بقلم : د. سعود فلاح الحربي
سبق وان نشرت مقالا في سرايا بهذا الخصوص, واجد من المناسب اعادة النشر بعد مضي مدة طويلة على الموضوع واعادت الصياغة بما يتلائم مع المرحلة الحالية بالموضوع ولان الموضوع بدأ يطفو على السطح, فلقد درجت السلطة التنفيذية على اغلاق دوائر البدو الانتخابية في المراحل السابقة, ويعني اغلاق الدائرة الانتخابية بالمعنى القانوني, حصر الناخبين بتلك الدائرة بفئة معينة يشار اليها بنص صريح في التشريع الناظم لعملية الانتخاب, بحيث لا يمكن لمن لا ينتمي لتلك الفئة الترشح عن هذه الدوائر الانتخابية, ولا يستطيع اي من الاشخاص الذين حصر التشريع فئاتهم في جداول ناخبي الدائرة الانتخابية الترشح خارج الدائرة, وبذلك توسم هذه الدائرة بانها دائرة انتخابية مغلقة, والسؤال الذي يدور في الاذهان في هذه المرحلة هو هل حقا ان قوانين الانتخاب المتعاقبة اغلقت دوائر البدو ام لا؟ هذا من جهة, ومن جهة اخرى كيف تُغلق دوائر البدو؟ اي بمعنى ادق ما التشريع الذي تستند اليه السلطة التنفيذية في اغلاقها لدوائر البدو؟ ان الاجابة عن هذه الاسئلة تتطلب حتماً الحديث عن مسألة تقسيم الدوائر الانتخابية حتى تتضح الصورة.
يُعد تقسيم الدوائر الانتخابية من المسائل الجوهرية في العملية الانتخابية والتي يفترض ان ينظمها قانون الانتخاب, وهنا يجب التفريق بين امريين كلاهما من المسائل الجوهرية:
الأول: تقسيم الدوائر الانتخابية: ومفاده تقسيم الدولة الى اجزاء جغرافية يسمى كل جزء دائرة انتخابية.
الثاني: تحديد عدد المقاعد المخصصة لكل دائرة انتخابية.
وقد درج مجلس النواب بالاكتفاء بالمهمة الواردة في الامر الاول, حيث قسّم المملكة في القانون الحالي مثلاً الى 23 دائرة انتخابية معتبرا كل محافظة دائرة انتخابية باستثناء محافظة العاصمة 5 دوائر واربد 4 دوائر والزرقاء دائرتين, واشار المشرع صراحة في احدى مواد القانون الى معاملة دوائر البدو معاملة المحافظة لغايات الانتخاب, وقد جاء هذا لارضاء شريحة عريضة من الفعاليات الشعبية, تطالب بان يكون تقسيم الدوائر الانتخابية بيد السلطة التشريعية لا بيد التنفيذية, وقد ترك مجلس النواب بمحض ارادته المهمة الواردة في الامر الثاني - تحديد عدد المقاعد المخصصة لكل دائرة انتخابية – الى السلطة التنفيذية بحيث تصدر نظاما يسمى نظام تقسيم الدوائر الانتخابية يفصّل هذه المهمة وبواقع 130 مقعد.
ويبدو ان السلطتين التشريعية والتنفيذية اتفقتا على تقاسم الادوار في هذه المسألة الجوهرية, مع الاشارة الى ان المطلب الشعبي كان وما زال بان يتولى القانون مسألة تقسيم الدوائر وتحديد عدد المقاعد المخصصة لكل دائرة انتخابية.
وعوداً على الاسئلة المطروحة ابتداءً حول اغلاق دوائر البدو من عدمه, وكيف تغلق هذه الدوائر؟ والاجابة بعد الشرح المسبق تتمثل في الآتي: فيما يخص القانون اشار وبشكل مطلق ان دوائر البدو تعامل معاملة المحافظة لغايات الانتخاب, وهذا يعني ان كل ما يجري على اي محافظة يجري على دوائر البدو, وبما ان المحافظات الاخرى دوائر انتخابية مفتوحة فهذا ينسحب على دوائر البدو, وبذلك يفتح المشرع دوائر البدو, لكن القاعدة القانونية الشائعة ان المطلق يجري على اطلاقه ما لم يرد نص يقييده.
وهذا يقودنا الى الاجابة عن السؤال الاخر وهو كيف تغلق دوائر البدو؟ او هل ستغلق ام لا؟
كانت دوائر البدو الانتخابية - قبل هذه المرحلة التي شهدت سن قانون جديد للانتخاب يختلف تماما عن القوانين السابقة لا سيما النمط الانتخابي والانتقال من نظام الاغلبية النسبية الى نظام التمثيل النسبي– تُغلق بنظام تقسيم الدوائر الانتخابية, حيث كان يُشار بمادة من مواده ان المقصود ببدو الشمال في دائرة بدو الشمال الانتخابية مثلاً العشائر التالية ويعددها, كذلك دوائر البدو الاخرى بحيث يحصر ناخبي تلك الدائرة بالفئة التي حددها, وبذلك يتم الاغلاق للدائرة وبالنتيجة لا يمكن لاشخاص من خارج هذه الفئة الترشح عن هذه الدائرة وهذا جانب من الاغلاق, والجانب الاخر عدم السماح لاي شخص من هذه الفئة الترشح خارج الدائرة المغلقة, وفي الواقع ان هذا الجانب لا يضبطه تشريع معين لكن العادة جرت بعدم قبول ترشح اي من ابناء البدو في دوائر انتخابية اخرى على خلاف ماهو متاح لباقي ابناء الدوائر الانتخابية الاخرى, وللاسف ايد القضاء ببعض احكامه هذا التصرف وهي مسألة يشوبها ما يشوبها, حيث يثار تساؤل مفاده: إن كان المسيحون والشيشان والشركس والمرأة قد ضمنا الحد الادنى من التمثيل في المجلس التشريعي وتستطيع هذه الفئات المنافسة في غير دوائرها ويفتح امامها الطريق لحصد ما امكن من المقاعد, فلماذا يحظر في الوقت ذاته على ابناء البادية الاستفادة من هذا الخيار؟ وقد يُعذر ويُفهم اغلاق دوائر البدو في وجه من هو خارج مكوناتها من باب المحافظة على خصوصيتها, لكن الاغلاق الآخر المتمثل بعدم السماح للبدو بالترشح في دوائر المملكة الاخرى غير مبرر البتة.
اذن تُغلق دوائر البدو بموجب التشريع الناظم لتحديد عدد المقاعد المخصصة لكل دائرة انتخابية على مستوى الدولة, ويبقى السؤال الذي يبحث عن اجابة هل ستغلق السلطة التنفيذية دوائر البدو ام لا؟ وانا مع الاغلاق الجزئي لدوائر البدو بحيث لا يسمح لمن هم من غير فئاتها بالترشح عنها لاسباب تاريخية وحفاظاً على خصوصية تمثيل هذه الشريحة الواسعة في المجلس النيابي لكني في الوقت ذاته ارى انه يجب السماح لاشخاص من هذه الفئة بالترشح بالدوائر الانتخابية الاخرى في المملكة اسوة بباقي الفئات الاخرى التي حرص المشرع على تمثيل الحد الادنى منها في المجلس النيابي وفتح المجال لها بالترشح في دوائر المملكة الاخرى.
Dr.saudalharbi@yahoo.com