28-07-2019 03:53 PM
بقلم : هارون الصبيحي
ولدت في القرية التي نسيها الزمن و ربما تماشياً مع الحال سمّاني أبي صابر وكان قد سمّى أختي نجاح.
عندما كنت صغيرا كتبت على جدار بيتنا. نجاح صابر. صابر نجاح.
لم أكمل تعليمي و لم يكن هناك فرصا للدراسة الجامعية في أسرة تكافح لتأكل
سافرت ألى المدينة بحثاً عن فرصة ولم أجد عملاً سوى بائع ملابس مستعملة على بسطة تعود لتاجر و أجرتي البسيطة آخذ منها ما يكفيني للبقاء على قيد الحياة والباقي أرسله إلى أهلي
مرت الأعوام ولم يحدث معي كما في القصص و الأفلام حيث يتحول الفقير بعد تعب و معاناة أو استغلال للفرص أو بالصدفة إلى غني، لم أجد فرصة واحدة في مدينة فيها الآف مثلي
بعد أن كبرت نظرت إلى الحياة
رأيت المال مع بعض الناس، الأنثى مع بعض الناس، البنون مع بعض الناس
حتى الوطن وجدته مع بعض الناس!
ترى كيف يشعر من عنده مال و ملابس أنيقة و زوجة و سيارة و أولاد و وطن؟
أريد أن أعيش هذه الحياة ولو ليوم واحد
كل ليلة أحلم و أتخيل هذا...
ذات يوم خرج الناس في مظاهرات غاضبة إلى بيتي، أقصد إلى الشارع
هتفوا يطالبون بالحرية و العدالة و محاسبة الفاسدين و...
فرحت كثيراً و هتفت معهم
مرت أيام و نحن كل ليلة نهتف...
لكن ما حدث بعد ذلك أني وجدت نفسي في ملعب يغص بالجمهور أتلقى الركلات
أنا الكرة التي يرغب البعض بركلها ليسجل هدفاً
و بعد أيام كنت معتقلاً و وضعوني في سجن جميل و قالوا لي لك مطلق الحرية في التعبير عن رأيك شرط أن تقنعنا أنك إنسان.. قالوا كلمة بعد إنسان، نسيت ما هي.
في التحقيق أقسمت لهم أني
لا أريد بيتاً ولا زوجة و لا أولاداً و لا أي شيء
و أني لن أتكلم مع الغرباء أبداً
ولن أسمع الشائعات
بل حتى لن أحلم إلا أن أكون جندياً يقاتل أعداء الوطن و يموت دفاعاً عنه
و أن أبي سمّاني صابر حتى أصبر من أجل الوطن و سمى أختي نجاح فرحاً بنجاح الوطن
خرجت بعد ثلاثة أشهر
أنا الآن جالس على رصيف الوطن
ما هذا الذي يحصل؟
جلس بجانبي شاب و عجوز و امرأة و طفل و قطة و...
كلنا صامتون
نعم كلنا توقفنا عن الكلام و التزمنا الصمت
لكن تفكيرنا و أسئلتنا يملأن الكون صراخاً
صمت صمت
هل تسمعون صراخنا الصامت؟
********