05-08-2019 09:17 AM
بقلم : الدكتور يعقوب ناصر الدين
لا أتذكر أننا انقطعنا يوما عن الحديث في شؤون وشجون التعليم في بلدنا ، ولا أظن أننا سنتوقف عن ذلك أبدا ، تلك هي طبيعة الأشياء الحيوية في المجتمعات كلها ، والتعليم هو الحيوية الدائمة المتجددة في الإنسان من المهد إلى اللحد ، والكلام عن مشاكل التعليم يعني الكلام عن مشاكل الإنسان وهو يحصل على أحد أهم حقوقه الأساسية .
في الدول المتقدمة علميا هناك مراجعة مستمرة لواقع التعليم فيها ، ولا يسمون ما لم يعد صالحا بأنه هبوط أو تراجع ، حتى لو استخدم الباحثون عبارات حادة في وصف الواقع الذي ينادون بتغييره ، وغالبا ما يعقدون المقارنة بين حقب زمنية مختلفة ، وقد تكون لصالح حقبة قديمة ، ولكنهم لا يعزلونها عن المرحلة التي كانت جزءا منها ، وعلى العكس من ذلك فنحن ما زالت تتحكم في أحكامنا فكرة أن أفضل ما لدينا قد حدث في الماضي البعيد أو القريب ، ولن يتكرر مرة أخرى ، نحن في الأغلب الأعم معجبون بالماضي ، متشككون من الحاضر ، خائفون من المستقبل !
ثمة مقدار هائل من القسوة نمارسها على أنفسنا ، تبدو واضحة في أحاديثنا ، والطريقة التي نعبر فيها عن آرائنا ومواقفنا ، وأنا لن أخوض في موضوع نتائج الثانوية العامة لهذا العام ، وأكتفي بالقول إن الآلية التي اعتمدتها وزارة التربية والتعليم في احتساب العلامات ليست واضحة لجمهور الناس ، وفي المقابل معظم الناس لديهم انطباعات وأفكار مسبقة بأن التعليم في بلدنا في وضع سيء ، والسبب في ذلك هو الخلط بين المراجعة من أجل التطوير ، وبين التركيز على السيء كنتيجة حتمية يصعب تغييرها ، والسبب الأهم هو أن تلك المراجعة تخرج دائما من إطارها المؤسسي التخصصي لتتحول إلى نقاش عام يشارك فيه من يعرف ومن لا يعرف على حد سواء .
طبعا من حق الناس أن يدلوا بآرائهم خاصة وأن الأمر يتعلق بحاضر ومستقبل أبنائهم ، ولكن من الضروري أن يكون هناك إطار عام للنقاش ، ومنطلقات واضحة للتفكير ، ومن الضروري أن يدلي أولياء أمور الطلبة بآرائهم من خلال الاستبيانات والدراسات الميدانية ، وغير ذلك من الطرق المتبعة في إطار العلاقة التشاركية بين المدارس والجامعات وأهالي الطلبة ، وفي اعتقادي أن كل هذا الانفلات في التحدث عن قضايا التعليم بجميع مراحله ناجم عن عدم وجود الإطار العام الذي ينظم جهودنا الوطنية المشتركة للتعامل مع حركة التطور المتسارعة منذ بداية الألفية الثالثة في الحقول العلمية والتقنية ، والثورة المعرفية في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والأبحاث العلمية ، تلك الحركة التي تجاوزت حدود الدول كلها في عصر العولمة الذي نعيشه !
لقد تم تدويل التعليم ، ولم يعد ممكنا لأي بلد أن يغلق أجواءه ويعيش تصوراته الخاصة به ، فلم نعد نحن من نحكم على واقع التعليم في بلدنا ، هناك الآن هيئات دولية متخصصة ، لديها معايير محددة لقياس درجات التقدم والتأخر في كل شيء ، ويترتب على تلك التصنيفات الكثير من المتطلبات على الدول كي تأخذ مكانتها المناسبة في جداول الدول .
يمكننا أن ننظر بطريقة أخرى لترشيد الأحاديث والنقاشات والآراء ، فنتفق على أن التعليم في بلدنا قد لبى بالقدر الكافي جوانب كثيرة من مسيرة بلدنا التنموية ، وأنه اليوم بحاجة إلى تعديل أو تغيير مساره لكي يلتقي في نقطة معينة مع عالمية التعليم ، لأن الدولة كلها سائرة في اتجاه العولمة من منظورها الايجابي ، وذلك هو ما يميزها عن دول كثيرة باتت الآن خارج التغطية!