20-08-2019 08:40 AM
بقلم : فهد خشمان الخالدي
كانَ عالماً غريباً ذاكَ الذي دخلته سنة 1992 (بعد أَشهر قليلة من تخرجي من جامعة اليرموك) عالمٌ مُختلفٌ كُلياً عن عالم الجامعة ..!! برامج مُختلفة ..!! صُحبة مُختلفة ..!! أَجواء مُختلفة ..!! كلام مُختلف ..!! كُل شيءٍ مُختلف في كل شيء ..!! عالمٌ لم يُجبرني أَي إِنسان على دُخوله؛ إِلَّا أَنني آثرتُ أَن أَدخله ..!! فَعشتُ تجربته بكل ما فيها، ويا لها من تجربة رائعة تجسَدَت حلاوتها بعد أَن عرفتُ حقيقتها حين انتهيت منها بعد بضع سنين مِن خوض غِمارها؛ إِنها تجربة دخولي عالمُ الخدمة العسكرية .
في تلكَ الفترة تعرفتُ على الكثير من الأَصدقاء ..!! وعرفتُ الكثير من أَسماء العائلات التي يصعب الإِحاطة بها في ظروف الحياة العادية ..!! تعرفتُ على المعنى الحقيقي للخُشونَة (رغم أَنني ابن الصحراء) ..!! عرفتُ كيف أَقول ما ينبغي؛ على الشكل الذي ينبغي؛ بالوقت الذي ينبغي؛ فأَحسستُ أَنني أُلامس بعض معاني الحكمة دون أَن أَدري ..!! وأَحسستُ بأَن حب الوطن صار كالدمِ في الجسدِ يسري ..!! .
أَقولها بكل أَسف؛ أَننا ظلمنا أَنفسنا قبل شبابنا حين اختار أَصحاب القرار تعليق العمل بــ (خدمة العلم) ..!! فالمسأَلة لا يجب أَن ترتبط بالضرورة بحالة السِلمِ أَو اللاسِلم مع أَي جهة كانت ..!! بل لها أَبعاد أَقرب ما تكون إِلى مصلحةِ وطنٍ بأَكمله وأَجيالٍ بأَكملها كذلك ..!! فالخدمة العسكرية (بعموميتها) تستطيع أَن تجعل الشاب ينسلخ (رغماً عنه) مما يشوبه من فكرٍ مُشوش فرضته عليه ثقافةٌ ما في بيئةٍ ما هُنا أَو هُناك ..!! وتستطيع أَن تُسكِن حُب الوطن في قلبه (رغماً عنه) ..!! وتستطيع أَن تجعلهُ رجلاً (رغماً عنه) ..!! وتستطيع أَن تَسير به وتعرِّفه على كل ذرةِ ترابٍ في وطنه (رغماً عنه) ..!! وتستطيع أَن تخلُق له (رغماً عنه) صديقاً صدوقاً ما كان ليلتقي به أَبداً لو بقي أَسير غرفته أَو أَسير الــ (آي باد) الخاص به أَو أَسير حفلات الـــ (جِن) أَو أَن يُصبح فريسةً لمخططات الــ (نتفلكس) ومن يقف وراءها ..!! وما إِلى ذلك مما لا فائدة تُرتجى منه أَبداً ..!! .
قد يقول قائل أَن تفعيل العمل بــ (خدمة العلم) سيُكلف خزينة الدولة الكثير مِن نفقاتٍ جارية سواءً كانت على شكل رواتب أَو وجبات غذائية أَو أَية نفقات أُخرى تتعلق بهذا الجانب ..!! وهذا الرأَي صحيح بلا شك؛ إِلَّا أَننا بالمقابل سننقذ غالبية أَبنائنا من الضياع ..!! ومن إِتباع أَفكار مسمومة لا تَمُت لمبدأَ الانتماء لهذا الوطن بصلة ..!! كذلك فإِننا سَنُذيب تلك الحواجز المُصطنعة ما بين طبقات هذا الشعب؛ فيلتقي جميع أَبنائه بمكانٍ واحد، ويجمعهم جميعاً هَمٌ واحد وحِلمٌ واحد وقَلبٌ واحد ..!! فينغرسُ حُب الوطن في قلوبهم؛ مُعزَزاً بكل معاني الانتماء والولاء إِليه ..!! وسنرى شباباً ينتابهم الخَجل والخِزي إِن أُتُهِموا بالسوء في يومٍ ما بعد أَن تجرَّعوا من كأَس الشهامة والكبرياء والعِز والرجولة ..!! وسنراهم مُتعففين مُترفعين عن الوقوع في مصائدِ جرائمٍ مختلفة الأَشكال والمُسميات ..!! .
(نَعَم .. لِخِدمَةِ العَلَم)؛ لعَلَّ قلوب الكثير من شبابنا تزداد حُباً لهذا الوطن؛ ولو قليلاً ..!! ولعَلَّ حواجز الطبقية المَقيتة تُزاحُ عن كاهلنا؛ ولو قليلاً ..!! ولعَلَّ الأَلسُن المِعوجَّة تعتدلُ؛ ولو قليلاً ..!! ولعَلَّ النفوس المُتكبرة تتواضعُ؛ ولو قليلاً ..!! ولعَلَّ الأَجسام الرَّخوَة تَشتَدُ؛ ولو قليلاً ..!! ولعَلَّ (البناطيل الساحلة) ترتفعُ؛ ولو قليلاً ..!! .
أَفلا تستحق مِنّا معاني الولاء والانتماء والرجولة إِعادة النظر بهذا الأَمر؛ ولو قليلاً ..؟؟!! .