20-08-2019 08:39 AM
بقلم : فارس بريزات
سليمان حالة استثنائية نادرة. لذلك لم يفهمه إلا قلة قليلة من الذين تعاملوا معه عن قرب. وبقي مبهما للكثيرين من الذين يعرفون عنه ولا يعرفونه عن قرب. تلقيت خبر وفاته بحزن شديد لأنني عرفته عن قرب من خلال العمل على مجموعة من كتبه وأفكاره الريادية في موضوع خلق رواية وسرد للبطولة في الأردن والعالم العربي لمناهضة التطرف والعنف وتعزيز بناء الهوية الوطنية الأردنية بناء على قصص بطولة أردنية.
بوفاته خسرنا جميعا أحد الروّاد البارزين في صنع الأفكار وتنفيذها. كان له الرحمة، متوقد الذكاء، بنّاء، سريع التفكير، محاجج بارع بفكرته ولفكرته، ومُصّر بطريقة فريدة، وظف كل ما لديه من معرفة بالمجتمع وإطلاع على ثقافات العالم لخدمة فكرة نبيلة في نسج رواية رموز البطولة الإيجابية التي ترتبط بالخير وتقاوم الشر، تُعلي من قيمة الانسان وتُقدّم نموذجا أصيلا من البيئة الأردنية لأطفالها خصوصاً الذين لا يجدون فرصة للتعرف على الرمز الوطني المحلي.
أفكاره عن الأبطال والبطولة لم تأت من نسج الخيال غير الواقعي وغير المرتبط بمجتمعنا. تربى سليمان في بيت عسكري وسياسي أردني عربي. وأكسبه والده دولة الدكتور معروف البخيت، متعه الله بالصحة والعافية، ثقافة وطنية عسكرية عميقة تجلت برسوماته المتحركة لكتبه التشبيهية التي مثلت الشهداء من عسكر الأردن وطياريه الذين قضوا بنبل دفاعاً عن الحق في فلسطين وغيرها مثل فراس العجلوني وأبطال معارك باب الواد.
سليمان الفنان والريادي، لم ترق له الهندسة الميكانيكية فتحلل منها ليدرس تنمية الموارد البشرية. وكأحد ضحايا العنف العنصري الذي تبع أحداث ايلول 2001 اكتشف سليمان أن لديه رسالة أكبر وهي الدفاع عن الملونين وتقديم صورتهم التي آمن بها انهم خيرون برغم وجود الأوغاد بينهم كما في كل المجتمعات والملل والنحل. لهذا قدّم سليمان إرثا سيتذكره العالم وستتذكره الأجيال ليس فقط في طريقة التفكير الريادي في مكافحة التطرف بل في إنتاج مناهج جديدة لتغيير نظرة الأطفال للبطولة وتحويلها إلى فعل الخير والبناء بدل التطرف والعنف.
يفتقدك يا سليمان زملاء في “تيد” وفي “المنتدى الاقتصادي العالمي” ومن الطلبة الذين رفعت عنهم الظلم عندما كنت رئيسا لاتحاد الطلبة الاجانب في جامعتك، والأهم محبين لك ولأفكارك في الأردن. وأتمنى أن يُعيد من لم يفهموك قراءة نتائج أعمالك لعلهم يدركون، ولو بعد فوات الأوان، إنك رائد عشق الأردن والناس عاش حالماً بالأفضل لكل من حوله وانتقل إلى رحمة الله تاركاً أكثر من مليون نسخة من كتبه بين أيدي أطفالنا يتعلمون منها قيماً نبيلة ستُخلّد.