27-08-2019 09:19 AM
بقلم : المحامي خلدون محمد الرواشدة
زمان ... كانت أمي تسبل الخصلات حينا وحينا تجدلها ... زمان ... تحت " لحفة الوهد " كانت تخبأ مشطها وكحلها وزجاجة العطر ، لأمي كانت شامة على الخد سوداء كالليل ... وضحكة جميلة ساحرة وغمازتين ، أرى فيهما الدنيا وأرى الدنيا في عينيها المكحلة ... أمي وقتها كانت الأجمل .
أمي كانت عطرية الدار وحوض نعنعها ... وفيروز الدار الصباحية عندما تتمتم في كل صباح وفي نهاية كل مساء تمتماتها وأذكارها ... رزنامة الفرح الوحيدة التي لا تقطع ورقها بل تضيف لعمرك كل يوم ورقة جديدة مليئة بالفرح والأمل.
أمي ... أول محراب تعلمت فيه الصلاة ... وأول مخبأ خبأت في حضنها أحلامي وآمالي ومنشورات الشوق والحب السرية ، كانت الملاذ والمناص وشاهدين المسابح .. عينها اليمنى كانت شمسا ، وعينها اليسرى قمرا ... وأنا المسافر بينهما ، وبين كل محطة ومحطة تطبع على خدي كجواز سفر قبلة وعلى صدري ضمة .
أمي كانت الصفاء والبهاء ... واللحن والقصيدة أول المطلع وآخر القافية ... والوسادة الوحيدة التي أتعذر بالنوم ، لأغفو عليها.
منذ أكثر من 25 عاما رحلت ، بعدما تدلت وانحنت كعرق دالية وأثقلتها قطوف المرض ... رحلت وكل شيء رحل معها وغاب وكل شيء بعدها تغير ... كل شيء ... حتى الأوطان لم تعد حنونة ولم تعد " تهدل لنا " ولم تعد تشبه أمي.
Khaldon00f@yahoo.com