10-09-2019 10:15 AM
بقلم : بسام الكساسبة
إعتدنا في السنوات الأخيرة على سماع معزوفات نشاز يطلقها الكثيرون من المسؤولين الأردنيين، كمطالبتهم للأردنيين بتحمل واجباتهم الضريبية والإمتناع عن التهرب الضريبي، وكأن الأردنيين متهربون من دفع الضرائب والرسوم، التي تؤخذ منهم سلفاً ومقدماً قبل حصولهم على أية خدمة أو منفعة من الحكومة، أو ترديدهم لإسطوانة الإعتماد على الذات في تدبير الموارد المالية للحكومة، وكأن الأردن دولة معتمدة 100% على المنح الخارجية، مع العلم أن الأردن إستقبل منحاً مالية خارجية ضمن موازنة الحكومة المركزية وموازنة وحداتها المستقلة خلال الفترة من عام 2001 إلى عام 2018 بقيمة تراكمية 12 مليار دينار، ولا يشمل هذا المبلغ المنح التي لم تدخل خزينة الحكومة، ولا يُعرف كيف تم التصرف بها، وكان من المفروض إدخالها للخزينة العامة لزيادة إيرادات الحكومة، في حين دفع الأردنيون خلال نفس الفترة للحكومة من أموالهم الخاصة المحدودة على هيئة رسوم وضرائب وعوائد أخرى 95 مليار دينار.
المشكلة أن من يطلق هذه المواعظ الزجرية من كبار المسؤولين، هم بأمس الحاجة لمعرفة ابجديات علم الاقتصلد والتعامل مع البيانات الرقمية، لفهم واجباتهم في إدارة شؤون الدولة الأردنية ووزاراتها ودوائرها ومؤسساتها العامة بشكل صحيح، لتحقيق التنمية الشاملة المستدامة القوية الراسخة، التي ترفع من دخل المواطنين وبالتالي ترفع من مستواهم المعيشي ومن قدرتهم على دفع الضرائب والرسوم وغيرها للحكومة، بما يزيد من إيراداتها المالية، وليس فشلهم بإنجاز هذه المهام الإستراتيجية، ومن ثم القاء تبعات فشلهم على المواطنين بالإفراط في جباية الأموال منهم ومصادرة حقهم وحق أفراد أسرهم بالمعيشة الحرة الكريمة، حيث أصبحت غالبية الأسر الأردنية تعيش تحت خط الفقر بسبب سياسات الحكومية الجبائية الضرائبية التعسفية الجائرة، التي تذكرنا بفترة الاستعمار التركي المقيت لبلادنا.
ضمن معادلة الحقوق والواجبات بين المواطنين والحكومة الأردنية، دفع الأردنيون للحكومة 95 مليار دينار خلال الفترة من عام 2000 إلى 2018 ، دفعوها على هيئة رسوم وضرائب وعوائد أخرى لتغطية نفقات الحكومة ضمن الموازنة وضمن موازنات الوحدات المستقلة، ولا يشمل هذا المبلغ الرسوم والضرائب والمخالفات التي دفعها المواطنون لأمانة عمان الكبرى والبلديات الأخرى، كما لا يشمل ما دفعوه للجامعات الرسمية، مع العلم أن 80 مليار دينار من أصل هذا المبلغ تم توجيهه لتغطية النفقات الجارية للحكومة المركزية ووحداتها المستقلة، وخصص 16.5 مليار دينار فقط كنفقات رأسمالية.
يضاف إلى ذلك الدين العام الداخلي والخارجي الذي بلغ رصيده 29 مليار دينار بنهاية عام 2018، والذي سيتحمل المواطنون مستقبلا على هيئة رسوم وضرائب وغيرها من الأتوات التي ستجبيها الحكومة منهم.
إضافة لما سبق تفرض الحكومة على المواطنين أسعاراً فاحشة لبعض السلع والخدمات، كأسعار المشتقات النفطية، التي لا يوجد تفسير اقتصادي لارتفاعها الفاحش سوى فشل الجهات الرسمية بإدارة شؤون إستيراد النفط الخام ومشتقاته وتكريرها وتوزيعها، كما حملت الحكومة المواطنين الأردنيين في عام 2018 مبلغ 236 مليون دينار كفرق أسعار وقود على فاتورة الكهرباء، تسديداً لفشل شركة الكهرباء الوطنية (وهي شركة مملوكة للحكومية بنسبة 100%) في إدارة مشترياتها من الكهرباء من شركات توليد الكهرباء، التي تشتريها من بعض شركات توليد الكهرباء بأضعاف سعر شرائها من شركات توليد كهرباء أخرى محلية ومنافسة، وبالتالي فان خسائر الشركة التراكمية البالغة 4.9 مليار دينار ليست ناتجة عن إنقطاع الغاز المصري وارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية فقط ، بل ناتجة بالدرجة الأساسية عن سوء إدارة قطاع الكهرباء من قبل الجهات الرسمية المعنية بإدارته.
كان يتحتم على السلطات الرسمية وفي مقدمتها الحكومة وكبار مسؤوليها ومجلس الأمة بشقيه النواب والأعيان التخطيط والإشراف على إنفاق مبلغ ألـ 124 مليار دينار وتخصيصه بطريقة رشيدة وصحيحة وشفافة وعادلة بل ونزيهة أيضاً، فتقدم للشعب مقابله خدمات وبنى تحتية أفضل مما قدمته له، وكان عليها واجب تطوير الاقتصاد الوطني وتحقيق تنمية اقتصادية وإستثمارية ناجحة وبناء قاعدة صناعية متطورة تفضي إلى صادرات وطنية قوية، وتوفير فرص عمل كافية لتشغيل جميع الباحثين عن عمل، وليس إنفاق الجزء الأكبر من هذه المبالغ كنفقات جارية الجزء الأكبر منها خصصت كرواتب وامتيازات ومنافع ضخمة لكبار مسؤولي السلطات الرسمية وشاغلي الوظائف العليا والمتوسطة، وأجزاء منها خصصت لتغطية تكاليف بطالة مقنعة ليست فقط في اوساط الموظفين فحسب بل جزء كبير منها في أوساط كبار المسؤولين أنفسهم، ممن لم يقدمو إنجازات مفيدة ونافعة للدولة الأردنية، الذين يعيشون كشريحة طفيلية تقتات على المال العام.
نعم نحن في الأردن بأمس الحاجة لمسؤولين يدركون جيداً معادلة الحقوق والواجبات بين الحكومة والمواطنين، لأن فهم هذه المعادلة على نحو صحيح يشكل أعلى درجات تحمل المسؤولية والإنتماء الصادق للوطن، والعكس صحيح كحالة المسؤولين خلال العقدين الأخيرين، الذين يُجلبون بطرق غامضة للجلوس على كراسي المسؤولية في وزارتنا ودوائرنا ومؤسساتنا العامة بلا جدارة ولا إستحقاق، وفوق ذلك لا يترددون عن إطلاق العنان لتصريحاتهم غير المحسوبة وإنجازاتهم الهابطة بل الرديئة، التي تسيء للوطن وللمواطنين، وكأن الوطن والمواطنين هم عدوهم الأول.