12-09-2019 01:03 PM
بقلم : أ.د رشيد عبّاس
التملّمل الحاصل وبالذات من النقابات المهنية على امتداد مساحة الوطن يثير جملة من التساؤلات, تلك التي نشاهدها تطفو على السطح بين الفينة والاخرى, مؤشرا على ان هناك قصورا ما في سياساتنا المالية, فالسياسات المالية لدينا والتي تعكسها ميزانية الحكومات كل عام لا تواكب طبيعة التغيرات الاقتصادية المتغيرة عالميا ومحليا, ولأننا نمر بواقع اقتصادي صعب كمعظم دول المنطقة, فلا بد من اعادة النظر بشكل جدي في السياسات المالية للحكومة, من خلال صياغة مشروع مالي وطني متكامل تشارك فيه جميع القوى السياسية ذات العلاقة, للخروج بوثيقة مالية واضحة المعالم, آخذه بعين الاعتبار الامكانات المالية المتاحة للدولة.
يبدو ان هناك شيء من عدم (المصالحة) بين توزيع الميزانية وواقعنا المالي من جهة, وبين طموح النقابات المهنية من جهة اخرى, الامر الذي يترتب عليه ظهور بؤر ساخنة عند تلك النقابات المهنية والحكومات المتعاقبة بين فترة واخرى, ثم يتكرر لدينا المشهد الاول على خشبة مسرح السياسة المالية لدينا والتي تؤدي بدورها الى تملّمل بعض النقابات المهنية زاحفة الى الدوار الرابع, ونحن ندرك ان الدوار الرابع صُمّم لتفريغ كثافة حركة السيارات وانسيابها, وليس لتفريغ انفعالات النقابات المهنية عليه, وما ان ينتهي المشهد الاول الى ان نصل الى ارهاصات المشهد الثاني على خشبة تلك المسرح حيث تبدأ المناداة بفتح ابواب الحوار والجلوس الى طاولة المفاوضات بين الاطراف المعنية,..انها مشاهد اصبحت متكررة وتدعوا الحكومة الى اعادة النظر في سياساتها المالية من خلال (ميزانية) افقية شفافة عادلة معلنة تتوافق عليها جميع القوى السياسية, وتنسجم مع امكانات الدولة المالية الحقيقية.
اعتقد جازما, ان فهم إمكانات الدولة المالية في مثل هذه الظروف الصعبة الراهنة بات فرض عين على كل مواطن ومواطنة اردنية, شريطة توزيع ثروات الدولة المالية المتاحة على المحافظات والالوية والاقضية والمجالس بعدل وشفافية, وتوزيع نظام العلاوات والحوافز, والمكافئات لجميع موظفي الدولة بعدل وشفافية ايضا, وشريطة وضع (مسار مهني) عادل لجميع موظفي الدولة دون استثناء, كل ذلك ينبغي ان يكون في ضوء إمكانات الدولة المالية المتاحة,...فالدوار الرابع لم يُصمم على الاطلاق لزحف بعض النقابات المهنية اليه, ولم يُصمم لتوجيه بعض القوى الامنية اليه بهذه الكثافة, لان التواجد على الدوار الرابع لكل هؤلاء يعني بالضرورة تفريغ اماكن هؤلاء من الانتاج والعمل, وهذا ضد مصلحة الوطن والمواطن.
اعادة النظر في السياسات المالية للحكومة في ضوء إمكانات الدولة المالية المتاحة, يعزز لدى المواطنين والموظفين والنقابات المهنية مبدأ الشعور بالمسؤولية, ويمنحهم مزيد من اعادة الثقة في مؤسسات الدولة واركانها,..فالتباينات في توزيع الثروات وتوزيع نظام العلاوات والحوافز, والمكافئات بين مختلف فئات موظفي الدولة من شأنه ان يعمل على تعزيز الشعور بعدم الرضى بين افراد المجتمع, وهذا ليس في صالح الوطن ولا المواطن على الاطلاق.
ثم ان اعادة النظر في السياسات المالية المتاحة للحكومة, يتطلب ميزانيات افقية ترسمها الحكومة ويشارك فيها ممثلين من مجلس النواب وممثلين مجلس الاعيان و ممثلين من النقابات المهنية في ضوء الامكانات المالية المتاحة للدولة, وهذا يتطلب من دولة رئيس الوزراء والفريق الذي يعمل معه ومن مجلس نواب ومجلس اعيان و(نقابات مهنية) ان يعوا تماما الواقع المالي للدولة, وان يعوا ايضا سياسة الدول المانحة للأردن هذه الايام ان وجد مثل هذه الدول.
اعادة النظر في السياسات المالية للحكومة, تعني رسم خارطة طريق مالية جديدة, في ضوء الامكانات المالية المتاحة للدولة, وفي ضوء السياسة المالية للدول المانحة ان وجد مثل هذه الدول, من خلال اعادة توزيع الثروات بطريقة جديدة, ومن خلال مشاركة جميع القوى الوطنية في رسم هذه الخارطة,..عند ذلك ستُدرك جميع النقابات وغيرها إمكانات الدولة المالية المتاحة, وستقبل النقابات قرارات الحكومة المتعلقة بالميزانية, وسيقبل الجميع نظام العلاوات والحوافز والمكافئات المتعلقة بتلك الميزانية.
والسؤال المفصلي هنا: هل الحكومة (القادرة على إعادة النظر في السياسات المالية والمتمثلة في البرامج الاقتصادية والتي تشمل الايرادات والنفقات, وفقا للمستجدات الاقتصادية الراهنة التي تمر بها الدولة) لم تولد بعد؟