بقلم :
سرايا - حب الوطن ليس صراخا ينفثه كاتبٌ عبر شاشة وطنية أو في زاوية من صحيفة ، وليس تعلقا بقامات سامية كتبتِ الوطن بدم زكي مسكي مطهر، وهو ليس كذلك كلماتٍ مصفوفةً جارحة لا تصلح أغنية ساذجة ممجوجة، الوطن إيثار وتضحية ودم تغلغل في الثرى وامتد في الغيم إلى الملأ الأعلى، أن تكتب عن الشهداء وعن الرجال لا يعني أنك صرت شهيدا أو بطلا مقدسا، ومن لبس عباءة أكبر من حجمه تعثر فيها ولا بد من سقوطه ولو على عتبات بيته.
الوطن لا يُجزّأ ولا يُقسَّمُ ولا يُحْشَرُ في زوايا إقليمية أو عشائرية أو عائلية ومن ظن ذلك فهو بكتاباته حاطب ليل قد رمى نفسه في وادٍ لا حياة فيه، قداسة الوطن توجب امتداده كله في شغاف الأفئدة ومن تجرأ على تقسيمه فقد قزم نفسه وصغرها من قبلُ ومن بعدُ ؛ فالوطن عصي على هوى الأنفس وأمراضها.
حينما استشهد كبارنا كان استشهادهم في سبيل الله أولا ثم في سبيل الدين والوطن والأمة والتاريخ وليس في سبيل العائلة وإقليمية نتنة لا توجد إلا في معاجم الصغار الذين لا يفرقون بين الماء والدم أو بين إراقة الدم على حد السيف وإراقة مداد أسود على وُرَيْقاتٍ صُفْر؛ لذلك اختلطت دماؤهم أمشاجا، وتشربتها فجاج الأرض وزرقة السماء وقلوب الرجال ودعاء الأمهات وبدايات الصلاة ، فدعْ أرواحهم في عليين ولا تؤقلمها أيهذا الصائح الباكي.
ما زلت أيها الكاتب تمخر في هوى النفس وأمواج الوصولية تقفز على ظهور المطايا المسمنة بحثا عن كلأ موبوء وسقطٍ من متاع هزيل، هوى النفس هواك وخطى الأنا المتضخمة خطاك، أيهذا المتأقلم في بقعة من الأرض، من يعشق الأردن يقول الحق ويصدع به، ولا يخندق كلماته لتحارب الذين يرفعون أصواتهم بحقوق لا ينازعهم فيها إلا كل مبغض، وفي خضم الحالة الوطنية ترتقى مرتقًي صعبا؛ فتجالدها ببكائيةٍ طفولية تتكئُ على أغماد الكبار ووسائد الشهداء لتعلل ضحالة فكر إنشائي مكرور ، فَلِمَ لا تسند كتاباتك إليك أنت بعيدا عن مؤسساتنا وعشقنا وكبار البلد الأقحاح، فكفاك العزف على وتر مبتور منذ بدايات غنائك تحت أعمدة ركيكة وفي أروقة من يدفع أكثر.
أ. د. خليل الرفوع